الحسين أربيب
ليتني أستطيع اختزال المسافات من تكساس الى سلا ، فارفع الفوارق بين مكانين فرقت بينهما الجغرافيا وسرعة عجلة التطور هنا وسكون الحركة هناك ، لا لشيئ سوى أن بلاد العم سام تشبث بالعلم والمعرفة والدموقراطية وكانت له كل ما أراد من رفاهية العيش ويسر الحياة وتوفر كل الماديات والبنيات التي تجعل التواصل من عناصر التطور ومن حقوق المواطن وتمكنه منها دون بيروقراطية ولا وساطة ولا رشوة . وبالتالي سأتمكن من إزاحة ثقل المعاناة عن مواطن وأساوي بينه وآخر في الضفة الأخرى من الأطلنطيك،فسوف تجدني أطوي القناطر المتشابكة في دلاس كبيت العنكبوت وأضعها في حقيبة السفر لأيسر المرور بين ضفتي أبي رقراق ، حيث القنطرة الجديدة لم تف بالغرض الذي وضعت من أجله . فالصباحات في سلا طويلة وعريضة ومملة لدرجة أنك لك كل الوقت لتناول فطورك في سيارتك وقبل ذلك لك أن تأتي بسطل من الماء لتستحم وتحلق ذقنك أو تصفف لحيتك إن كنت صاحب لحية فرضتها عليك الظرفية السياسية أم لحيتك فرضتها عليك أسباب ذاتية لا حاجة لنا للخوض فيها، فلا تفزع من صفارة السائقة التي وراءك لأنها هي أيضا منشغلة في ترتيب أمورها وتزين واجهتها لأنها ربما تعمل كاتبة المدير الذي يحرص على إدارته إنطلاقا من هندام كاتبته والباقي تفاصيل لا تهم ، فالحركة على القنطرة الجديدة نائمة بل تحلم مثلي بيوم يصبح فيه واد أبي رقراق عبارة عن ماء تحت أرضي تمر فيه القوارب واليخوت في اتجاة البحر الأطلنتي دون أن ترى مياهه كل تلك الصفوف من السيارات والدراجات النارية واقفة كأنها في وقفة صمت مميت في انتظار مرور جنازة لولا صفارات السيارات التي تعيدك لواقع القنطرة التي تشكل في حياة السلاويين معناة سيزيفية يومية. . ليتني أستطيع نقل سوقا من أسواق" والمارت" فأستوطنها في مكان سوق الكلب وأوزع على كل الفقراء بطائق بنكية رصيد كل واحدة 2000درهم لأنهم لن يستطيعوا التسوق في سوق مثلها لأنها غالية بالرغم من أنها في تكساس تعتبر من الأسواق الشعبية كسوق الكلب أو تقريبا بالرغم من الفارق بين السوقين في كل شيئ . لكن سوق الكلب لن يزول لأنه لوكان كذلك لزال أمام مرجان حي كريمة الذي قرب الخمر من المخمرين ونافس القرابة منافسة غير شريفة في سوق لا يعرف للشرف معنى ، لأن المسألة ليست بالمكان وبما فيه من سلع بل بالإنسان المروج للسلع في ذلك السوق بكل مواصفاتها التي لا تجد لها مثيلا سعرا وبالمشتري الذي يتحسس جيبه شبه الفارغ وهو يلج سوق كلب بلا نباح سوى صراخ بائع الباكور الهندي وبائع البسة البال . اما سوق "والمارت" فسلع على كل الأشكال ولجميع القدرات الشرائية ،فما عليك سوى وضع السلعة المراد اقتناؤها في السلة والوقوف في انتظار دورك إن لم ترد تشغيل الآلة لوحدك فتصبح بائعا لنفسك. . لكن لن يكن الحلم إلا حلما فالواقع لن يجمع بين تكساس وسلا ولو ربطتهما بحبل خيالي وخزين رغباتي التي لا نهاية لها لتطوير بلدي ، فالواقع لا يرتفع كما يقول الفقهاء إلا بالعلم والعمل ونحن قوم فرطنا فيهما حتى استولى علينا الجهل والكسل معا وصرنا معوقين ذهنيا لا نتسطيع للتطور الإقتصادي والإجتماعي سبيلا ، لأننا مكبلين في أنسقة تقليدية بأيدينا وتوارثناها لدرجة أننا اعتقدنا أنها أقدارنا وبدونها سوف نحنط كالمومياء ونحن في الحقيقة من بنى هذا السجن الكبير وسميناه وطنا ، في حين أن الأوطان هي مسافات لا حدود لها من الحريات ، هل شاهدتم وطنا يرمي كبده للكلاب الشرسة ؟ هل سمعتم عن وطن لا يعرف أولاده؟ فيلقي بهم وراء أسوار المدن العتيقة ، ليلتقطوا فضلات الأغنياء الذي أصبحوا بين عشية وضحاها كذلك لأنهم لهم خفة اليد والذهن ولا وجود لضمير وطني لأن الوطن عند هؤلاء جبنة طرية لا تليق خيراتها إلا لأفواهم التي لا تشبع. من تكساس أرسل الرسائل الغرامية لوطني عله يستفيق فيه العشق فيبادلني نفس الهيام بالنهوظ بالتنمية الفعلية وبإرساء دموقراطية حقيقية ترسم وجه المغربي بكل سحناته على كل الأبواب المفضية للتاريخ الحديث وللأزمنة المعاصرة والخروج من المغارات المظلمة لرؤية نور الحرية والعيش الكريم . سلام من تكساس لسلا .