محمد ابراهيم الزموري
تشكل البنوك و المؤسسات المالية لبنة أساسية و مهمة في بناء الاقتصاد الوطني في أي دولة، بإستثناء المغرب، فبغض النظر عن البنوك المتخصصة و التي يساهم فيها القطاع العام و في بعض الاحيان بسخاء و هو ما ينعكس بالسلب على قطاعات أخرى، فالبنوك التجارية تجري معاملاتها وفق منطق متجاوز لن يساعد أبدا على تحقيق رؤية المملكة المغربية في توظيف الإستثمار بالرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الإقتصادي.
الموضوع غير مرتبط بفقه التنظير، فالمؤسسات المالية المغربية أو العاملة بالمغرب لم تسهم في بلورة اقلاع اقتصادي حقيقي، يتوافق مع تحديات العصر، فأقصى ما تفعله هو منح القروض الاستهلاكية و العقارية أما التجارة الخارجية بوصفها قاطرة حقيقية معبرة عن وضع البلد الاقتصادي، فلاتزال خجولة و تراوح مكانها لاسباب عديدة مرتبطة بفلسفة ادارة المخاطر، التي تتخوف منها البنوك. فأقصى ما تفعله تلك البنوك هو التوظيف الخجول لخريجي المدارس العليا في الادارة و التسيير و الاقتصاد بالرغم من أن المنتظر من تلك الاطر هو احداث مقاولات خاصة، نتيجة تكوينهم المتزن، لكن لغياب دور مؤسسات انعاش المشاريع و تمويلها فالغالبية يفضل التمرس داخل تلك المؤسسات المالية ضدا في مقتضيات التدريب و التكوين و المخرجات المحتملة لوزارة التعليم العالي.
و بالمقابل فلا يمكن اعتبار التقدم الاقتصادي والاجتماعي المحرز والذي لا يمكن إنكاره على مدى العشرية الأخيرة كأمر مكتسب بشكل نهائي، فمن حيث العرض، لم تسفر الجهود الهامة في مجال الاستثمار – المبذولة أساسا من قبل الدولة والمؤسسات العمومية – بَعدُ عن مكاسب إنتاجية كبيرة ولا يمكن تعزيزها بشكل أكبر. ومن حيث الطلب، يعزى النمو أساسا إلى الطلب الداخلي في ظل ارتفاع مديونية الدولة والشركات والأسر المعيشية.
كما تبرز الدينامية الهيكلية للاقتصاد المغربي ثلاثة اتجاهات رئيسية: صعوبة توزيع العمالة غير المؤهلة الناتجة عن ضعف التصنيع بشكل عام على الرغم من النجاح المبهر في بعض القطاعات الناشئة (السيارات، صناعة الطيران، والصناعات الغذائية، والطاقات المتجددة، إلخ.)؛ صعوبة توزيع العمالة المؤهلة الناجمة عن بطء رفع مستوى النسيج الاقتصادي، لا سيما طلبات الأطر المتوسطة والعليا؛ وصعوبة تخصيص المواهب التي تؤدي إلى ضعف ديناميكية قطاع المقاولات. بشكل عام، تتسم المقاولات المغربية، بحكم ضعف هيكلتها وصغر حجمها وضعف تدويلها، بضعف الدينامية والابتكار.
وعلى الصعيد الإقليمي، فالمغرب يطمح ، بفضل موقعه الجغرافي والبنية التحتية الجيدة، إلى تبوء موقع استراتيجي كمركز اقتصادي ومالي بين القارتين الأوروبية والأفريقية. وحتى يستفيد المغرب من موقعه الجغرافي المتميز وعلاقاته التاريخية والعريقة مع شركائه التجاريين في أوروبا وأمريكا والخليج والبحر الأبيض المتوسط، أطلق المغرب شراكة استراتيجية جديدة جنوب – جنوب قائمة على مفاهيم التنمية المشتركة وتعزيز التعاون جنوب – جنوب. وفي هذا السياق، قامت شركات " ذات الرمزية الوطنية" في وسط وغرب أفريقيا، بفتح فروع لها في العديد من الدول من القطاع البنكي (التجاري وفا بنك، البنك المغربي للتجارة الخارجية، بنك أفريقيا، البنك الشعبي) وقطاع الاتصالات (اتصالات المغرب)، وقطاع التأمين، والطاقة، والصناعة الغذائية والعقار، وكذلك في أفريقيا الغربية (تانزانيا، إثيوبيا ومدغشقر) من خلال التوقيع حديث العهد على مشاريع ضخمة. فضلا عن ذلك، تم تصميم المنصة المالية سلطة مدينة الدار البيضاء المالية لجذب المستثمرين الدوليين وتوفير البنية التحتية والظروف الملائمة لأنشطتهم في شمال وغرب ووسط أفريقيا. إضافة إلى أن المبادلات التجارية بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء تشهد توسعا، على غرار الاستثمارات الأجنبية المباشرة المغربية. حوالي 40 بالمئة من حركة النقل في ميناء طنجة المتوسط تمتد رحلاتها نحو القارة الأفريقية. كما أن الخطوط الملكية المغربية ضاعفت شبكتها القارية منذ عام 2007 بما يزيد عن 30 وجهة أفريقية في عام 2015.
ومع ذلك، وبغض النظر عن أداء المغرب سواء محليا أو إقليميا، نلاحظ بشدة أن وتيرة دينامية الاقتصاد المغربي بالاقتصادات المتقدمة بطيئة. كانت العشرية الأولى من القرن الواحد العشرين عقدا للحاق الاقتصادي بالنسبة لمجموع الدول النامية.
فالدول ذات الدخل المنخفض على غرار الدول الناشئة ذات الدخل المرتفع (كوريا الجنوبية، ماليزيا، شيلي، تركيا، إلخ) نمت بشكل أسرع وبالتالي كانت في المتوسط أسرع مقارنة بالمغرب، حيث تقدر الفجوة الاقتصادية الحالية بين المغرب وأوروبا في حوالي نصف قرن. على المستوى التاريخي، يعادل مستوى المعيشة الحالي للمغاربة نظيره لدى الفرنسيين في عام 1950 ، ولدى الايطاليين في عام 1955 ، والإسبان في عام 1960، والبرتغاليين في عام 1965.
يحتاج المغرب، من أجل ضمان تنمية سليمة ومستدامة، إلى نمو أكثر توازنا يركز بشكل أكبر على الطلب الخارجي ولا يزيد من عبء الديون. بالنظر إلى البيئة الإقليمية والدولية المتدهورة والتي تشوبها الشكوك، لا يمكن للمغرب أن يراهن بشكل معقول على ارتفاع تلقائي في الطلب الخارجي على أسواقه التقليدية. فأوروبا تتخبط في وحل العديد من الأزمات، بما في ذلك الأزمة الحالية المرتبطة بخروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد الأوروبي " بركسيت " كما أن السوق الداخلية الأوروبية، على الرغم من أنها لا تزال الأكبر في العالم، لن تشهد على الأرجح توسعا كبيرا في السنوات المقبلة.
علاوة على أن الشركات المغربية تتسم بهيكلة ضعيفة وحجم متوسط وتدويل ضعيف، فإنها أيضا تفتقر إلى الدينامية والابتكار. فعدد الشركات المغربية المصدرة لم يتجاوز 5300 منذ مطلع العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين مقارنة، بتركيا التي تتوفر حاليا على 85000 شركة مُصدرة، أي ٤,٨ مرات أكثر من المغرب، مع مراعاة فارق الساكنة، ويتوفر المقاولون المغاربة على الوسائل الكفيلة بتحقيق الازدهار والرفاهية في السوق المحلية دون أن يواجهوا ضغوطات المنافسة أو مطالب الابتكار والأداء. ومع ذلك، فإن تجديد النخب الاقتصادية ضعيف. فالعديد من الفاعلين مشمولون بالحماية من المنافسة بفضل حواجز لدخول السوق المغربية التي تعتبر ردعية من قبيل التراخيص الإدارية، والتصاريح والموافقات. ويعتبر تنفيذ الصفقات العمومية بدوره أحد العوامل المحتملة التي لا تحفز المنافسة بين الفاعلين، والتي وردت في العديد من التقارير الرسمية ( تقرير المجلس الأعلى للحسابات، في مجلس المنافسة).
ففي معظم البلدان الناشئة (مثل تركيا، ماليزيا أو البرازيل) يشتغل "أفضل من في جيلهم" في قطاع التربية والبحث، أو في مجال الهندسة أو في عالم المقاولات. وعلى عكس ذلك، يبتعد أفضل المغاربة من بين جيلهم بما في ذلك المهندسون، بشكل تلقائي عن قطاعات التربية والهندسة والبحث ويفضلون التوجه نحو الوظائف التدبيرية والإدارية والمالية، لا سيما لدى الشركات الخاصة أو وكالات وشركات عمومية توفر عروض أجور أكثر جاذبية من الوظائف في مجال التدريس والبحث، وبعيدة عن المخاطر المتصلة بعالم المقاولات. وبالتالي، فإن صعوبة استخدام المواهب تؤدي تلقائيا إلى ضعف في دينامية المقاولات.
و ختاما فإن سيادة القانون تشكل عنصرا أساسيا في الرأسمال المؤسساتي للأمة. منذ آدم سميث، ونحن نعلم أن الاقتصاد لا يمكن أن ينمو "في دولة لا تتمتع بإدارة منظمة للعدالة" عندما يكون النظام القانوني لبلد ما غير قادر على توفير الحماية للأشخاص وضمان حق الملكية واحترام العقود وعلى إيجاد تسوية للنزاعات مقبولة من قبل جميع الأطراف، فإن هذا النظام لا يمكن أن يضمن انفتاح المجتمع وحسن سير المبادلات التجارية.
هذه بعض الاشارات التي تعكس حجم التحديات، و لنا حلول واقعية في هذا المجال، و من أهم عناوينها تعزيز "مهارات القرن الواحد والعشرين" لجني ثمار الثورة الرقمية الجارية، عنوان مبهم، لكنه يضم تفاصيل و مشاريع و اقتراحات قوية.