مراد الصغراوي
موضوع "محنة التلميذ بالمغرب" موضوع شائك ومتشعب, ليس في حد ذاته فحسب, بل وأيضا قياسا إلى المزايدات المتعددة التي تطاوله من لدن هذه الجهة كما من لدن تلك, الهاوي منها كما المتخصص على حد سواء.
هذه أمور عرضية عامة, بإمكان المرء التجاوز عليها بشكل من الأشكال. لكن الذي لا يمكن التجاوز عليه حقا, إنما حقيقة أن التلميذ بالمغرب يعيش وضعية أزمة مستدامة, تراكمت عواملها وتعمقت تراكماتها السلبية, حتى بات الوضع مأساويا وبكل المقاييس ليس الغرض هنا توصيف ذات الأزمة, ولا التوقف من جديد عند أسبابها وتجلياتها ودواعيها. لكن الغرض هنا هو الإشارة إلى أن محنة التلميذ بالمغرب إنما كانت دائما ولا تزال متأتية من عدم وجود رؤية واضحة لما نريد أن يكون عليه هذا التلميذ بالمغرب. بالتالي, فالتخبط الحالي هو متأت, في الجزء الأكبر منه, من غياب هذه الرؤية في الشكل كما في المضمون:
أولا: هذا التلميذ المغربي يدرس في مدرسة عمومية لم يبقى منها إلا رأس المال والممتلكات كونها تنكرت لمبدأ المرفق العام, الذي من المفروض أن يكون خيطها الناظم ومرجعيتها بالبداية وبالمحصلة. وأعني هنا أن تنكرها لمبدأي المساواة والمجانية على وجه التحديد, لم يترتب عنه إلا إعادة لإنتاج الطبقات وتعميق الفوارق الاجتماعية وفيما بين الشرائح. وأعني أيضا أنها وإن كانت لا تزال تدعي العمومية, فإنها لم تفلح في إدماج التلاميذ ولا اتخذت من ذلك مبدأ من مبادئ المواطنة الواسعة.
+ ثانيا: هذا التلميذ بات ولأكثر من خمسين سنة مضت, مصدر تكلفة باهظة, لطالما اشتكت منه الحكومات المتعاقبة, واعتبرته عائقا ومكمنا لاستنزاف الاستثمار المنتج سيما وأنه في آخر المطاف لا يجد تيسيرا في ولوج سوق الشغل.
+ ثالثا: هذا الاعتبار, اعتبار التلميذ مصدر تكلفة, كان خلف العديد من الاختيارات والبرامج والمشاريع, لعل أقواها على الإطلاق ميثاق التربية والتعليم والتكوين, والذي لم تترتب عنه نتائج حقيقية بالإمكان الاعتداد بها.
هذه أمور معروفة ولربما متعارف عليها. لكننا لو أردنا, من جهة أخرى, مساءلة مستقبل هذه التلميذ, بناء على تقنيات وطرق الاستشراف, لاستوقفتنا ثلاثة خطوات كبرى:
+الأولى,خطوة الإبقاء على القائم, أعني الاستمرار في الإبقاء على المدرسة وعلى المنظومة كما هي عليه اليوم, في ترهلها وفي أزمتها وتناقضاتها وتنافر عناصرها, وتضارب المشاريع والمشاريع المضادة من حولها.
هذه الخطوة قائمة وهي السائدة حاليا, لكنها لا يعتد بها في لغة المستقبليات, لأنه مستحيل الاستمرار, على الأقل من زاوية أن التحول سنة من سنن الكون, ولا يمكن لأي عنصر أن يبقى قارا وجامدا إلى ما لا نهاية.
+ الخطوة الثانية, خطوة الإصلاح. وهي التي على أساسها صيغ الميثاق, الذي حكم سياق المدرسة لأكثر من عشر سنوات من الزمن. لكنه أفرز بدوره إخفاقا مدرسيا فظيعا باعتراف تقارير البنك الدولي, الذي يعتبر الملهم الأساس للسياسة التعليمية والتربوية بالمغرب. وأفرز, في أعقاب ذلك, برنامجا استعجاليا ماسخا, اختزاليا, كونه اعتبر أن مشكل المدرسة المغربية هو مجرد مشكل إمكانات, في حين أن المشكل أعمق بذلك بكثير
+ بقية لنا الخطوة الثالثة وهي خطوة التغيير, أي إعادة صياغة المنظومة على أسس جديدة, وبمرجعية جديدة, ووفق رؤية لا تقبل كبير تأويل. الشي الذي يمكن معه التخفيف من محنة التلميذ المغربي المتخبط في عثرات فشل المنظومة التربوية.
ليس لدينا صيغة مثلى لتجسيد هذه الخطوة, لكننا نعتقد بأن قوة المدرسة بالمغرب يجب أن تكمن في عموميتها, لا في خوصصتها أو في التضييق على المشتغلين بها, فرادى وجماعات. وللذي لا يزال يراوده شك في ذلك, أن يتأمل تجربة فنلندا التي اعتمدت المدرسة العمومية كخيار أساس لبناء منظومتها في التربية والتعليم, باستبعاد شبه تام للقطاع الخاص ولاعتبارات الربحية.