إسماعيل حروش
طرحت في الآونة الأخيرة العديد من القضايا التي تخص الأستاذ المغربي، وهي بالطبع قضايا أنطولوجية (وجودية) ارتبطت بالأستاذ منذ ظهور مهنة التدريسإلى أن تمة مهننة هذه الحرفة ودخلت أسوار المؤسسات. بل يمكن إرجاعها إلى الفترة اليونانية، وبالضبط مع أفلاطون الذي أسس الأكاديمية وفرض مجموعة من الشروط للولوج إليها. هكذا إذن دخلت الفلسفة كأول حقل معرفي بإلإضافة إلى مجموعة من العلوم إلى مؤسسة تعليمية.
تعاقبت الأجيال والمجتمعات والشعوب، تطورت خلالها المؤسسات التي احتضنت التلاميذ والطلبة مع تطور وسائل وأساليب التدريس. دون أن يصل هذا التطور إلى الأستاذ الذي بقي محافظا على هويته بمعنى أنه بقي هو هو دون أن تتغير فيه أية أشياء. بل إحتفظ برسالته التنشئوية، حيث كان مربيا ومبشرا أحيانا وداعية ومدرسا أحيانا أخرى بحسب المجتمع والبلد الذي ينتمية إليه.
في الفترة الأخيرة بدأت تطفو مجموعة من العراقيل والمشاكل على سطح الأستاذ، سواء فيما يخص علاقته بالمنظومة التربوية أو فيما يخص علاقته بالتلاميذ. أصبح خلالها الأستاذ محاصرا بين مستويين؛ المستوى الأول يتمثل في البرنامج الدراسي الذي قضى على الأستاذ معرفيا، بحيث أصبح دوره فقط شارحا لثنايا الكتاب المدرسي (الأستاذ المدجن) وموجها في بعض الأحيان للتلاميذ أي تغييب المجال للإبداع، وهنا بدأت تختفي مجموعة من الأدوار والمهام الطلائعية التي كان الأساذ يتقبلها بكل صدر رحب.
والمستوى الثاني تمثل في المشاكل الخطيرة التي بدأت تهدد هذه المهنة الشريفة، والتي تتمثل في العنف المادي والمعنوي الذي بدأنا نسمع عنه داخل مؤسساتنا التعليمية. بين من يهدد الأستاذ بالقتل فيما يخص المعدلات، وبين من يستغل بعض المواقع التواصلية لتجريح الأستاذ معنويا من خلال التقاط مجموعة من الصور في وضعيات معينة، وإدخال عليها بعض التعديلات بهدف السخرية منه. السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يحمّل الأستاذ كل هذه الأفعال التي أقل ما يمكن القول عنها أنها أفعال دنيئة؟ إلى أين نحن سائرون بهذه المهنة المقدسة؟ وما هو البديل الذي يمكن اقتراحه إذا ما تم فعلا القضاء على مهنة التدريس؟
إنها فعلا أسئلة معقدة لا يمكن الإجابة عنها، بل لا يمكن حتى الإحاطة بها لأنها هي الأخرى أسئلة أنطولوجية. والمستقبل القريب هو من سيتكفل بالإجابة عنها، إذا ما استمر هذا الوضع الكارثي مسلّطا على الأستاذ.