عمر دغوغي
يواجه الإنسان عبر مسيرة حياته مجموعة من العوائق والعقبات التي تحول بينه وبين تحقيق رغباته وأهدافه ومراميه، فيستخدم الإنسان لتجاوز هذه العقبات مجموعة من الوسائل والأدوات الاجتماعية الكفيلة بتجاوزها.
لكن بعض هذه الوسائل تحمل في بعض الأحيان الطابع السلبي الذي يسيء للآخر بشكل مباشر أو غير مباشر وقد يسيء لا بل يسيء فعلاً للشخص ذاته الذي يستخدم تلك الوسائل ولو بعد حين .
ومن هذه الوسائل والأدوات الاجتماعية السلبية ما يسمى بــ ( النفاق )، هذا النفاق الذي وُجد على مر التاريخ، على أن أشكاله وطريقة التعبير عنه قد تختلف بين عصر وآخر وبين شخص وآخر .
إن العجيب في الأمر هو استخدام الناس لهذه الآلية الدفاعية في هذا العصر، فلقد كان المنافق في الماضي حريصاً على التخفي لأنه أول من يعرف مدى حقارة ما يفعل،أما اليوم فقد صار النفاق حرفة وانعدم حياء المنافق لدرجة أنه أصبح لامعاً بهذه الصفة .
إن أصل كلمة ( نفاق ) مرتبطة بالنفق، والأنفاق هي مساحات تحت الأرض يسودها الظلام في أغلب الأحوال ولها أكثر من مخرج يوصل إلى سطح الأرض حيث النور والوضوح، وإذا نظرنا إلى هذا النفاق بمفهومه الاجتماعي فسنلاحظ بأن ما ينطبق على النفق تحت سطح الأرض الذي ذكرته آنفاً يقابله في الحياة الاجتماعية وفي الشخصية المنافقة نفس الصفات، حيث أن المنافق هو الذي يمتلك مساحات مظلمة للعمل في إطارها والتخفي فيها مهما كانت ظلمتها وعواقبها على الآخر إلى أن يصل إلى ما يريده.
قد يتخذ النفاق صفة ( الدبلوماسية ) أو ( المرونة ) أو ( تسليك الأمور ) أو تمرير المصالح , وبهذه الأغلفة الملساء يتم زرع وتنمي النفاق في عقول الأبرياء .
قد يكون ( النفاق ) من حيث الشكل هو مخرج من الأزمات ومدخلاً للمنافع، إلا أنه قد يحمل بداخله بذور الهلاك والتشتت والضياع .
فالمنافق لا يثبت على مبدأ بل يدور حيثما رأى مصلحته العاجلة، فنشاهد أحياناً بعض الأشخاص الذين يعيشون حالة من الاغتراب وازدواجية في القول والفعل، فنجدهم في الكلام يخوضون في المثاليات والحكم والمواعظ، وتجدهم على أرض الواقع يحطمون ويدمرون كل ما ورد على لسانهم بلحظات إذا كان ما قالوه يتعارض مع مصالحهم ويتصرفون بشكل مناقض لما قالوه،وهذا شكل أساسي من أشكال ( النفاق ) .
لقد تطور ( النفاق ) واتسع ليشمل أصحاب الفكر والثقافة والقلم، فنجد أولئك الذين يكتبون يمدحون ويشيدون بشخصيات وحكومات معينة أو بأطراف غير محددة ظناً منهم أن ما يذكرونه سيقودهم إلى السمو والارتقاء والرضا من الأطراف التي يمدحونها، مع العلم أن معظم ما يكتبونه بعيد كل البعد عن إيمانهم واعتقادهم، وهذا شكل آخر للنفاق.
إن ما تحدثت عنه هو النوع السلبي من ( النفاق )، لكن ماذا عن النوع المبرر ؟ وهل يوجد ما يسمى ( بالنفاق المستحسن والمبرر ) ؟ أجل يوجد بالإضافة إلى النوع المتعارف عليه والذي تحدثت عنه قبل قليل وهو ( السلبي ) .
( فالنفاق المبرر ) هو الذي يقوم على الأسباب المنطقية التي تمنع حدوث المشاكل، لأن التظاهر في بعض الأحيان يكون أفضل الطرق لعلاج كوارث وليست مشاكل فقط .
لكن قبل سلوك هذا النوع من ( النفاق ) يجب على الإنسان أن يتذكر بأن يكون هذا السلوك هو آخر الطرق الأخلاقية التي يمكن أن يسلكها لكي يحل مشكلة أو أزمة .
لكن متى يكون هذا النفاق محموداً ؟ في بعض الأحيان قد تضطرك بعض الظروف لأن تكون ( مجاملاً ) بدلاً من أن نستخدم كلمة ( منافقاً ) وآنذاك تكون الدوافع وراء ذلك مبررة من قبلك ومن قبل الآخرين .
لكن في الوقت نفسه هل أنت مستعد للصراحة في كل المواقف والأوقات ومستعد للنتائج بما أنك مقتنع بأنها أفضل وسيلة بشكل مطلق ؟ ولا تتخلى عن صراحتك هذه مهما كلفك الأمر، لكن من الممكن أن تضيف لها بعض الملامح التي تجعل من الشيء الصعب أمور لينة يسهل التعامل معها.
وينطبق مبدأ الصراحة المتجملة على:
المواقف التي تعرضك للضغوط النفسية والعقلية، والتي تحس فيها باضطراب واستثارة طوال اليوم ولا تمكنك أيضاً من النوم, لذا عليك بالتفكير جيداً قبل وقوعك فريسة الاضطراب النفسي.
تنطبق أيضاً على من لا يتقبلون النقد ويغضبهم، فاللعب بالكلمات هو أفضل الطرق للبعد عن فهم القصد الخطأ من السخرية وما إلى ذلك.
وفي إطار الحديث عن ( النفاق ) كيف لنا أن نعرف الشخص المنافق ؟
برأيي أن هناك صفات تتوفر في الشخص المنافق منها أنه لديه شغف بنقل الأخبار والرواية ويتجنب الالتقاء بك على انفراد إذا كان هناك مشكلة ما متسبب فيها إلا في حالة ما إذا كان لديه شيء ضدك لتذكيرك به أي ابتزازك، والمنافق يتردد بإخبارك بما يرمي إليه لتخوفه من رد فعلك، كما أن المنافق هو شخص حلو اللسان والكلام، يحاول أن يجعلك سعيداً بإطرائه الدائم عليك وتهدئتك .
لكن .. كيف يمكن أن نتخلص من النفاق ؟
قد يكون الحل هو الصمت وبعض الابتسامات هي المخرج السهل الممتنع لإسكات غيرك، أو الكلام والتعبير بما يجول بداخلك إذا كان السكوت سيعرضك إلى ضغوط نفسية وعصبية وكلاهما مطلوب .
أبعد الله عن شخصياتنا هذه الصفة السيئة وغير المقبولة اجتماعياً وجعلنا نتصرف كما نفكر ونقول.
قال تعالى: ( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذابٌ مقيم ) التوبة ( آية 86 ).