هشام العين
بعد عقود من وجود مختبرات مختصة بصناعة رمامات الأسنان ببلادنا، والتي تضم نخبة من خريجي كليات طب الأسنان العمومية والمعاهد الخاصة المتواجدة في معظم ربوع المملكة، عدد كبير منهم تعلم أصول هذا الفن على يد خبراء أجانب استقروا بالمغرب أو سافروا خارج البلاد لمراكمة الخبرات في هذا المجال وعادوا بعد ذلك لأرض الوطن ليساهموا في تقديم خدمات ذات جودة للمواطنين تتماشى مع آخر مستجدات العلوم والتكنولوجيا في الدول المتقدمة.
يشهد هذا المجال تغيرا في بنية ممارسيه خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت عيادات ومصحات طب الأسنان تنافس مختبرات صناعة الرمامات، ضاربين عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الجاري بها العمل في هذا القطاع، حجتهم في ذلك أن مهنة صناعة الرمامات غير منظمة وبالتالي يجوز للطبيب استباحتها تحت أي مسمى أو ذريعة " حماية صحة المواطن".. " صناعة الرمامات حق أصيل للطبيب" وغيرها من الشعارات التي ترمي تغطية الهدف الحقيقي الذي يدفعهم للترامي على مهنة غيرهم وهو الربح المادي.
لكن ما لا يعرفه هؤلاء، أو ما يتظاهرون بعدم معرفته، هو أنه بالرغم من كون مهنة صناعة الرمامات غير منظمة بموجب قانون، فإن مهنة طب الأسنان منظمة منذ زمن بعيد، وأن المطلوب من طبيب الأسنان ليس الإلتزام بقوانين المهن الأخرى، بل الإمتثال المطلق لقانون مهنته، دون الخوض في غيره.
صناعة رمامات الأسنان عمل تجاري بموجب الإجتهاد القضائي المغربي:
لا يخفى على من له أدنى دراية بالقانون ومصادره، أن الإجتهاد القضائي للمحاكم له حجية في إصدار الأحكام في القضايا التي تفتقد لنصوص تشريعية تؤطرها.
وهو ما يدفعنا هنا لاستحضار قرار للجنة تابعة لوزارة العدل تتكون من ممثلة المحكمة التجارية بالدار البيضاء وممثل المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، بتاريخ 31 يناير 2005 يؤكد على أن عمل صناع الرمامات هو عمل تجاري يهدف لتحقيق الربح وهو ما يكسب مزاوله صفة التاجر ويعطيه الحق في القيد بالسجل التجاري.
وهو قرار جاء جواباً على سؤال موجه من طرف المحكمة التجارية بوجدة حول أحقية صانع الرمامات في القيد بالسجل التجاري.
وإذا كانت مهنة صانع الرمامات غير منظمة كما أسلفنا، فإن مهنة طبيب الأسنان "المنظمة" وقانون أخلاقياتها يمنع الخلط بين مهنة طب الأسنان وأي نشاط تجاري آخر بموجب المادة 11 منه، والتي جاء فيها " مهنة طب الأسنان لا يمكن مزاولتها كتجارة"، وكذلك الفقرة رقم 11.1 من نفس القانون التي جاء فيها " يمنع مزاولة مهنة طب الأسنان داخل المحلات أو كل الأماكن التي تزاول فيها نشاطات تجارية". وبالتالي فإن كل العيادات والمصحات التي تزاول إلى جانب مهنة الطب صناعة الرمامات تعد مخالفة لقوانين مهنة الطب الجاري بها العمل ليس في المغرب فقط، بل وكل دول العالم التي تحترم مهنة الطب بكل تخصصاتها وكذلك مكانة الطبيب الإعتبارية داخل المجتمعات والتي تتحقق بانطلاق الطبيب في مزاولته لمهنته من وازع الضمير المهني والإنساني، وتنتهي تلك المكانة إن هو تخلى عن هذا الوازع.
بالإضافة لذلك، فإن صناعة الرمامات تخضع لنظام ضريبي معين باعتبارها نشاطا مهنيا مستقلا، وهي التكاليف التي لا يدفعها قطعا أطباء الأسنان صانعو الرمامات، وكذلك ما يتعلق بملفات التأمينات الصحية التعاضدية ( للإشارة هنا فإن ثمن الرمامات الذي يتم
احتسابه فيها مضاعف عن ثمنها الحقيقي الذي تعتمده مختبرات صناعة الرمامات) وهي نفس الأثمنة التي يتم التصريح بها حتى في حالة صناعة الرمامات داخل عيادة أو مصحة الأسنان، وهو الوضع الذي يستوجب من أجهزة الدولة المختصة الوقوف عنده واتخاذ ما يناسب من تدابير في حق القائمين بهذه الممارسات التي تستنزف جيوب المواطنين ومقدرات صناديق التأمين.
إن المطلوب من أطباء الأسنان ليس انتظار صدور قوانين تنظم هاته المهنة أو تلك، بل فقط احترام القوانين المنظمة لمهنتهم وخصوصا في شقها المتعلق بالأخلاقيات، وألا يغفلوا أهمية هذا الجانب من مهنتهم، فكل النقاشات التي مرت منها مهنة الطب عبر التاريخ كانت مرتبطة بالجانب الأخلاقي أكثر من أي شيء آخر، وهو النقاش الحاضر اليوم بقوة.
فمتى يعي أطباء الأسنان الصناع ذلك.
مهدي
إن لم تستحي فاصنع ما شئت
كفانا تغليطا للرأي العام وتزويرا للحقائق، الرمامات أو غيرها من التركيبات هي موجهة لتعويض أعضاء الجسم وفي هذه الحالة الأسنان، ومن هذا المنطلق فإن من الواضح أنه يجب استحضار الجانب الطبي لأن تلك الرمامات أو التركيبات ستكون في اتصال مباشر مع أنسجة الفم وليست معلقة على حائط الصالون حتى ننسب هذا العمل من أوله إلى آخره لحرفي لا يفقه شيء في الطب. زد على ذلك أن هنالك بعض المرضى الذين قد يعانون من بعض الأمراض التي تمنع ارتداء هذه التركيبات أو الرمامات ولن يشخص هذه الأمراض ويحدد ملائمة الرمامات من عدمه للمريض إلا طبيب درس الطب ومختلف فروعه كالبيولوجيا والفيزيولوجيا وغيرها. لذلك من الضروري أن يتواجد طبيب الأسنان ضمن سلسلة هذه العلاجات لأنه هو الوحيد القادر على وصفها من عدمه والتعامل مع فم المريض، أما الحرفي أو فني الأسنان أو أيا كان اسمه، فينحصر دوره في صناعة الرمامات بموجب توجيهات ووصفة طبيب الأسنان الذي له علاقة مباشرة بالمريض. عدا هذا وكل تلك الحجج الواهية ما هو إلا محاولة للإرتماء على مهنة طب الأسنان بدون وجه شرعي ومحاولة مزاولة مهنة تتطلب 5 سنوات إلا ست سنوات من الدراسة إضافة إلى معدل عالي في الباكالوريا ومباراة انتقائية للولوج، في حين أن صناع الأسنان يدرسون سنتين ومجال عملهم واضح كل الوضوح، وهناك منهم الصادقون مع أنفسهم ممن يلتزمون بمهنتهم كما هي ويعترفون بعدم درايتهم بتخصصات طبيب الأسنان، وهؤلاء الناس هم من يبدعون ماشاء الله في مهنة صناعة الأسنان ويتفنون في عملهم، بينما البقية غير راضي عن مهنته ويحاول في كل مرة الارتماء على مهنة الغير لأهداف مادية محضة، لا هو أتقن مهنته ولا هو دخل طب الأسنان من بابه الواسع بدل النافذة، والنتيجة العديد من المرضى الذين لقوا حتفهم بسبب هذه الممارسات أما كسور الفكين وغيرها من الكوارث فحدث ولا حرج، في حين لم نسمع يوما عن وفاة مريض لدى طبيب الأسنان