دويتشه فيلله
يتواصل الحراك السلمي في الجزائر، الذي انطلق قبل حوالي تسعة شهور، بنفس المطالب: إقامة دولة مدنية وإسقاط رموز النظام السابق. وجاء إعلان تنظيم انتخابات في الشهر المقبل والمضي في هذه الخطوة ليعطي زخما جديدا للمظاهرات، فعوض أن يقنع الجزائريين بترك الشارع، تحول إلغاء الانتخابات إلى مطلب من مطالب المحتجين، خاصة بعد ترشح وجوه يعتبرها المحتجون من قادة النظام السابق.
لكن السلطة ماضية على ما يبدو في مشروع الانتخابات رغم شعارات الشارع، حتى أن المرشحين الخمسة، الذين قُبلت طلبات ترشيحهم، أطلقوا حملاتهم الانتخابية وبدأوا بعرض برامجهم على الناخبين. اللافت للأنظار خلال هذه الحملات هو حضور موضوع العلاقات المغربية الجزائرية وملف فتح الحدود بين البلدين بشكل كبير. فما تفسير ذلك؟ وكيف ينظر مرشحو الرئاسة لهذا الملف المعقد؟
موضوع للاستهلاك الداخلي؟
خمسة وجوه فقط قُبلت ملفات ترشحهم للرئاسة لاستيفائهم الشروط وهم: عز الدين ميهوبي، وهو وزير ثقافة سابق، علي بن فليس وعبد المجيد تبون الذين، سبق وأن شغل كل منهما منصب رئيس الحكومة. إضافة إلى عبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل، وعبد القادر بن قرينة زعيم حزب البناء الوطني، وهو أيضا وزير سابق.
ويقول توفيق بوقعدة الكاتب والأستاذ الجامعي الجزائري في تصريحات لـDW عربية إن المواجهة في هذه الانتخابات ليست مفتوحة لكل التيارات وإنما فقط للوجوه التي تعرف السلطة أنها يمكن عقد تحالفات معها.
وعلى اختلاف برامج هذه الوجوه فإن العلاقات المغربية الجزائرية حضرت في حملاتهم الانتخابية بشكل كبير؛ رغم أن الموضوع نفسه لا يحظى بحيز كبير في الحراك الضخم، الذي تعرفه البلاد منذ شهور. وفي هذا السياق يقول بوقعدة إن هذا الملف ليس أولوية لدى الشارع ليس لأنه غير مهم ولكن لوجود مواضيع طاغية كإسقاط رموز النظام وإلغاء الانتخابات التي لا يرى لها المتظاهرون أي شرعية. ويضيف الخبير الجزائري أن المرشحين ركزوا على مسألة فتح الحدود بالخصوص في المناطق الحدودية التي يعتبر سكانها الأكثر تضررا من ملف إغلاق الحدود لوجود عائلات تعيش متفرقة على طرفي الحدود، وبالتالي فاستخدام هذه النقطة هنا يأتي "في إطار الاستهلاك الداخلي بهدف ربح أصوات من سكان هذه المناطق".
إحياء حلم الاتحاد المغاربي المَوْؤود
تعيش العلاقات المغربية الجزائرية توترا مزمنا عمره عقود، ولم تفلح كل المبادرات والدعوات إلى التقارب في إنهائه. الخلاف تعود أصوله إلى مرحلة الاستقلال ومشكلة ترسيم الحدود بين البلدين التي وصلت إلى حد المواجهة العسكرية بين البلدين في بداية الستينات. وبعد هدوء نسبي، عادت العلاقات لتتأزم مع تنظيم "المسيرة الخضراء"، فقد اتخذت الجزائر صف جبهة البوليساريو، التي يعتبرها المغرب حركة انفصالية، ودعمتها بشكل علني ما أسفر عن مناوشات عسكرية سنة 1976.
في سنة 1994 شهد فندق في مدينة مراكش تفجيرات، اتهم الملك المغربي الراحل الحسن الثاني المخابرات الجزائرية بالتورط فيها ليفرض التأشيرة على الجزائريين، وهو ما ردت عليه الجزائر بإغلاق الحدود. ورغم إلغاء التأشيرة على مواطني البلدين في وقت لاحق، إلا أن الحدود بقيت مغلقة إلى يومنا هذا.
ويعتبر الخلاف بين الجارين أهم أسباب فشل المشروع الذي أطلق عليه "اتحاد المغرب العربي"، فرغم تأسيسه سنة 1989 توقف قبل أن يبدأ في العمل وذلك بسبب الأزمة بين الرباط والجزائر.
وقد تطرقت حملات مرشحي الرئاسة الجزائرية لهذا المشروع الموؤود ومسألة فتح الحدود التي تعرقله، إذ تعهد المرشح علي بن فليس مثلا بـ"إعادة إحياء مشروع الاتحاد المغاربي"، وقال عبد العزيز بلعيد إنه في حال الفوز بكرسي الرئاسة سيفتح قنوات الحوار مع المغرب معتبرا "أن فتح الحدود مرتبط بحل الملفات العالقة"، كما صرح عبد المجيد تبون، الذي يعتبره البعض الأوفر حظا بين المرشحين للفوز بالانتخابات، أن "إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين وارد".
إجماع على تحسين العلاقات، ولكن؟
لكن مراقبين يرون نوعا من التناقض في خطابات المرشحين بخصوص مسألة العلاقات مع المغرب، ففي الوقت الذي يؤكدون فيه على الروابط الوثيقة بين الشعبين وضرورة تحسين العلاقات وفتح الحدود، يضعون شروطا وإشارات توحي بأن مواقفهم ليست مختلفة عما انتهجه النظام الجزائري حتى الآن في هذا الملف ولن تؤدي بالتالي إلى أي انفراجة فيه.
وفي هذا الإطار أثار تصريح للمرشح عبد المجيد تبون جدلا عندما ربط فتح الحدود باعتذار رسمي من المغرب على فرض التأشيرة على مواطني بلاده في 1994، بينما وضع بن فليس المغرب وتونس والبوليساريو في سلة واحدة وهو يتحدث عن برنامج لتوطيد العلاقات مع دول الجوار أسماه "الاستعجال الدبلوماسي"، ووصف الجمهورية الوهمية في سياق حديثه بـ"الدولة المعلنة المستقلة التي لا خلاف حول سيادتها"، كما وصف المرشح عز الدين ميهوبي الصراع في الصحراء بـ"قضية تصفية استعمار". عبارات وشروط كافية لاعتبارها استفزازات في الرباط، وإن لم يصدر رد رسمي من المغرب إلا أن الصحافة المغربية اهتمت بهذه التصريحات، وعلى سبيل المثال وصف موقع "لو 360" طلب الاعتذار بأنه "سخيف وغريب".
ويفسر الأستاذ الجامعي توفيق بوقعدة هذا التناقض بأن المرشحين يسعون من جهة لحشد أصوات المتضررين من غلق الحدود مع المغرب ومن ينتقدون الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الجزائر جراء ذلك، وفي نفس الوقت يتماشون مع "موقف النظام العميق في هذا الموضوع، بالتالي فأي تحسين للعلاقات سيُربط بشروط لا أتوقع أن يقبل بها النظام المغربي ".
ويشرح بوقعدة ذلك بالقول إن "ملف العلاقات مع المغرب والخلاف حول صراع الصحراء أكبر من مجرد نقطة في برامج انتخابية لمرشحين للرئاسيات وإنما يرتبط بالنواة الصلبة للنظام وتحديدا بالعقيدة والمنظومة الأمنية للمؤسسة العسكرية، ومواقف المرشحين لا تختلف عن ما كان يصرح به عبد العزيز بوتفليقة في حملاته الانتخابية إذ كان يؤكد على ضرورة فتح الحدود ويقول إن هناك شعبا واحدا في بلدين... ولكن في نهاية المطاف بقيت العلاقات متأزمة".
وبناء على ذلك لا يتوقع الخبير الجزائري أن يحدث أي تحسن في العلاقات بين الرباط والجزائر في حل فوز أي من المرشحين بمنصب الرئاسة.
متتبع
معلق
سياسة الحياد التي تبناها المغرب ترجع لكونه يعرف مسبقا أن حليمة لن تتخلا عن عاداتها القديمة ولو بالحديد والنار. إتحاد المغرب العربي سيبقى مجمدا إلى أن يتنبه أولي الألباب لخطر التفرقة الذي يسببه 100الف صحراوي على حساب وحدة وتنمية 80مليون مغاربي