عزيز لعويسي
'' تشكل مادة الجغرافيا ركنا أساسيا في التكوين الفكري والمدني والاجتماعي للناشئة، لتكون على بينة من ميكانيزمات المجال الجغرافي، ودور الإنسان كفاعل فيه، ولتتحقق لديها تربية مجالية مسؤولة "، ويرمي منهاجها إلى " تنمية خبرات المتعلم(ة) عن طريق إثرائه بنتاج تكويني ذي أبعاد فكرية ووظيفية/ منهجية/ مهارية وقيمية، وفق طموحات منظومتنا التعليمية أولا وحاجيات مجتمعنا ثانيا"، في إطار رؤية ثلاثية الأبعاد تتأسس على مستويات "معرفية" (اكتساب رصيد مفاهيمي ومعرفي حول القضايا المجالية المحلية والوطنية والعالمية) و"منهجية"/"مهارية" (تقوية القدرات المنهجية والتعبيرية الخاصة بالجغرافيا، تمكن المتعلم(ة) من توظيف مكتسباته في معالجة مكونات المجال الجغرافي، واستيعاب إشكالياته والانخراط في اقتراح الحلول المناسبة)، وكدا "مستوى الاتجاهات" (اكتساب تربية مجالية تمكنه، من الاندماج وتبني مواقف وسلوكات إيجابية، اتجاه محيطه الجغرافي بمختلف أبعاده ) (التوجيهات التربوية وبرامج تدريس التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي)، ولن نتوقف من خلال هذا المقال، عند "المرجعية الديدكتيكية" للمادة وما تتأسس عليه من "مقومات مهيكلة" متعددة المستويات، ولن ننبش في حفريات الكفايات/ القدرات التي تحضر على مستوى كل سلك من أسلاك المرحلة الثانوية التأهيلية، سنوجه البوصلة، بشكل خاص، نحو بعض الوحدات الدراسية/الدروس، ذات الصلة بقضايا التنمية وإعداد التراب الوطني، قياسا لما عرفه ويعرفه المغرب من دينامية إصلاحية متعددة الزوايا، لنبسط من خلالها سؤالا عريضا مفاده : إلى أي حد وإلى أي مدى يواكب برنامج الجغرافيا في شموليته، متغيرات الوضع الداخلي؟؟ وعليه، سنقارب الموضوع من خلال تشخيص واقع الحال(أولا) ورصد مظاهر تجاوز "البرنامج"(ثانيا)، واستعراض بعض الإجراءات والتدابير التي من شأنها كسب "رهان الملاءمة"(ثالثا).
- أولا : واقع الحال :
استقراء لبرنامج الجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي، يمكن التوقف عند عدد من الوحدات الدراسية/ الدروس، التي تلامس قضايا التنمية بالمغرب، وما يرتبط بها من تحديات ورهانات (الموارد البشرية، إعداد التراب الوطني، التهيئة الحضرية، التهيئة الريفية)، يمكن رصد عناوينها العريضة على النحو التالي :
- بالنسبة لبرنامج السنة الأولى بكالوريا (مسالك: العلوم التجريبية، العلوم الرياضية، العلوم الاقتصادية والتدبير، التعليم الأصيل، العلوم الشرعية) تحضر ثلاثة دروس ضمن المجزوءة الأولى (المغرب وخصائص إعداد التراب الوطني)، ويتعلق الأمر على التوالي ب : "المجال المغربي : الموارد الطبيعية والبشرية" (الوحدة2)، "الاختيارات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني" (الوحدة3)، "التهيئة الحضرية والريفية : أزمة المدينة والريف وأشكال التدخل" (الوحدة4).
- بالنسبة لبرنامج السنة الأولى بكالوريا (مسالك : الآداب والعلوم الإنسانية، مسلك التعليم الأصيل، اللغة العربية)، تكاد تحضر نفس الدروس، وإن اختلفت عناوينها ومضامينها وما يرتبط بها من دعامات ديدكتيكية، وهي تنتمي إلى المجزوءة الأولى ( المغرب: خصائص المجال وإعداد التراب الوطني ) بمحوريها الأول (المظاهر العامة للتباينات المجالية بالمغرب) والثاني (إعداد التراب ) ويتعلق الأمر على التوالي ب : "المجال المغربي : الموارد الطبيعية : التشخيص ومستوى التنمية البشرية" (الوحدة3)، "الاختيارات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني" (الوحدة5)، "التهيئة الحضرية : أزمة المدينة وأشكال التدخل" (الوحدة6)، "التهيئة الريفية: أزمة الريف وأشكال التدخل" (الوحدة7).
وهي وحدات دراسية حافظت على موضع قدم ضمن "البرنامج" لسنوات طوال تجاوزت العقد من الزمن، تحكمت في انتقائها وبرمجتها، أهدافا بيداغوجية متعددة الأبعاد، تتقاطع في شموليتها، في وضع "المتعلم(ة)" في صلب قضايا التنمية البشرية والتهيئة الحضرية والريفية وإعداد التراب، وما يعتريها من مشكلات وتحديات، وما يبذل في إطارها، من إجراءات وتدابير رسمية، ترمي إلى الارتقاء بمستوى التنمية البشرية وإعداد أنجع للمجال، بشكل يقطع مع الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، ويسمح بكسب رهانات التنمية المندمجة.
لكن، واستثمارا لما يتيحه واقع الممارسة من معطيات، واستحضارا لدينامية الإصلاح التي انخرط فيها المغرب خلال العشرين سنة الأخيرة، وما واكبها ويواكبها من متغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية وحقوقية ومؤسساتية وتشريعية وتنموية وتعليمية (الرؤية الاستراتيجية، القانون الإطار)، نستطيع المجازفة في القول أن "برنامج الجغرافيا" بالسلك التأهيلي، أو على الأقل بعضا من وحداته الدراسية، أصبح "متجاوزا"، قياسا لما شهدته وتشهده البلاد من دينامية متعددة المستويات، وعلى رأسها الإعلان عن بلورة "نموذج تنموي جديد"، يعول عليه من أجل الارتقاء بمستوى التنمية، والتقليص من حجم الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، وهو إعلان، وضع "برنامج الجغرافيا" أمام رهان "الملاءمة" وتحدي "التغيير"، وتوضيحا للرؤية، يمكن رصد مظاهر تجاوز البرنامج، على النحو التالي:
-ثانيا: مظاهر التجاوز :
مظاهر برنامج "الجغرافيا" كثيرة ومتعددة المستويات، يتقاطع فيها السياسي بالاقتصادي، والاجتماعي بالتنموي، والتشريعي بالتربوي، ويمكن استعراض بعضها على النحو التالي:
-الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش المجيد، شكل الإطار المرجعي للنموذج التنموي المرتقب، الذي سيكون المدخل الأساس لمرحلة جديدة قوامها "المسؤولية" و"الإقلاع الشامل"، وحدد شأنه في ذلك شأن خطاب الذكرى 66 لثورة الملك والشعب، المعالم الكبرى للمرحلة القادمة، وخصوصيات "اللجنة" التي ستتحمل مسؤولية بلورة هذا النموذج التنموي، من حيث "تركيبتها" وحدود ومجالات تدخلها وتصرفها.
- التفكير في تنزيل "نموذج تنموي جديد"، تحكم فيه هاجس الرغبة في تصحيح مسارات التنمية، وما اعترى النموذج التنموي القائم منذ سنوات، من أعطاب تنموية متعددة المستويات، كرست عبر السنوات فوارق اجتماعية وتفاوتات مجالية صارخة، جعلت "الهشاشة" وأخواتها، تتسيـد عددا من المجالات الحضرية والريفية عبر التراب الوطني .
- اعتراف أعلى سلطة في البلد، بفشل أو قصور النهج التنموي القائم منذ سنوات، سائل ويسائل مختلف البرامج التنمية والمخططات التنموية، التي اعتمدت منذ سنوات، وكرست كل مشاهد الفقر والهشاشة والإقصاء، بشكل عمق الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية.
الدينامية التشريعية التي مست مجموعة من المجالات، خاصة تلك التي ارتبطت بتفعيل وتنزيل مشروع الجهوية المتقدمة على أرض الواقع، وأحدثت نقلة نوعية في سياسة إعداد التراب في بعديها الوطني والجهوي، ونخص بالذكر القوانين التالية:
- ظهير شريف رقم 83-15-1 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات، حيث خص "المشرع" الجهات ومجالسها باختصاصات جديدة من ضمنها "إعداد التراب الوطني" ، وفي هذا الصدد، نصت المادة 88 على ما يلي : "يضع مجلس الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، التصميم الجهوي لإعداد التراب، وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل في إطار توجهات السياسة العامة لإعداد التراب المعتمدة على المستوى الوطني وبتشاور مع الجماعات الترابية الأخرى والإدارات والمؤسسات العمومية، وممثلي القطاع الخاص المعنيين بتراب الجهة".
- المرسوم رقم 583-17-2 (صادر في 7 محرم 1439 (28 سبتمبر 2017) بتحديد "مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه" (ج ر عدد : 6618- 13 صفر 1439 (2 نونبر 2017))، حيث تم منح الولاة اختصاصات واسعة فيما يتعلق بمصاحبة ومواكبة رؤساء الجهات في إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب (المادة 4) في إطار "لجنة استشارية لإعداد التراب"، تعد إطارا للتشاور وإبداء الرأي حول "مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب"، تضم عددا من الفاعلين منهم والي الجهة(رئيسا) ورئيس مجلس الجهة، وعمال العمالات والأقاليم الواقعة داخل النفوذ التراب للجهة، ورؤساء مجالس الجماعات الواقعة داخل النفوذ الترابي للجهة ... (المادة 5).
- إصدار والشروع في تنزيل مقتضيات "الميثاق الوطني لللاتمركز الإداري" موضوع المرسوم 618-17-2 (الصادر بالجريدة الرسمية عدد: 6738 بتاريخ 27 دجنبر 2018)، الذي يعول عليه لتحقيق عدد من الأهداف، منها "التوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخد الخصوصيات الجهوية والإقليمية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها" و "مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته" (المادة 7).
وتزداد هوة "التجاوز" تعمقا، في ظل الوثائق التربوية المؤطرة للمناهج والبرامج الدراسية، وخاصة فيما يتعلق بمادتي التاريخ والجغرافيا ( الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الوثيقة الإطار، التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي، الأطر المرجعية لامتحانات البكالوريا.. )، و كلها وثائق متقادمة يتجاوز بعضها العقدين من الزمن، ومع ذلك، لازالت حاضرة ومؤثرة في تدريس المادة، في ظل المتغيرات المفصلية، التي شهدتها منظومة التربية والتكوين ذات الصلة بالرؤية الاستراتيجية للإصلاح، والقانون الإطار، وما يرتبط بهما من مشاريع إصلاحية متعددة الأبعاد، ونفس التقادم، يطال، عددا من "الكتب المدرسية" الخاصة بتدريس المادة، رغم ما يتخلل بعض طبعاتها الجديدة من تعديلات وتنقيحات، لم تقو على زحزحة قارات المضامين (كتاب: مورد التاريخ والجغرافيا للسنة الأولى بكالوريا علوم، تعود طبعته الأولى إلى سنة 2006 على سبيل المثال لا الحصر).
ما تمت الإشارة إليه من متغيرات، لم يكرس فقط، دروسا جغرافية متجاوزة، بل أسس لمادة أضحت مقرونة بتدريس "الفشل" وما يرتبط به من رتابة وملل وركود، بشكل يجعل "المتعلم(ة)" بعيدا كل البعد، عما تعرفه الساحة الوطنية، من متغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية وتنموية وتشريعية وغيرها، وفي هذا الصدد، قد يقول قائل، أن المدرس(ة) يجب عليه أن يبدل جهدا، بشكل يسمح بإحاطة المادة بما يكفي من الحيوية والجاذبية والتشويق، بما في ذلك الحرص على "تحيين المعطيات" مراعاة لخصوصيات المادة، ونرى في هذا الاتجاه، أن المدرس(ة) لا يمكن البتة، تحميله ما لا طاقة له به، في ظل ما يؤطر تدريس المادة من وثائق تربوية، تقيد، أكثر ما تطلق العنان للخلق والابتكار والتجديد، ومن ضعف ومحدودية في وسائل العمل..
- ثالثا : رهان الملاءمة:
في ظل حضور مفردات "التجاوز" المتعدد المستويات، لا مناص من الرهان على "الملاءمة"، لإزالة الحرج عن المادة، وانتشالها من أوحال التجاوز والرتابة والركود، وجعلها مادة "مرنة" قادرة على التجديد والتجدد المستدام، وتجاوز الأزمة، يمر حتما عبر اتخاد عدد من التدابير والإجراءات منها :
- استحضار الخطب الملكية الأخيرة (خطاب العرش، خطاب ثورة الملك والشعب، خطاب افتتاح دورة البرلمان) التي شكلت أطرا مرجعية للنموذج التنموي المرتقب، وما سيحمله من جيل جديد من البرامج والمخططات التنموية، وإدراك الاعتراف الرسمي، بفشل وقصور "النهج" التنموي القائم منذ سنوات.
- مراعاة المستجدات التشريعية، خاصة تلك التي كانت لها تداعيات وتأثيرات مباشرة على قضايا التنمية والجهوية وإعداد التراب (قانون الجهات، ميثاق اللاتركيز الإداري ..).
- إعادة النظر في الوثائق التربوية التي تؤطر تدريس المادة. (التوجيهات التربوية وبرامج تدريس التاريخ والجغرافيا، الأطر المرجعية لامتحانات البكالوريا، منظومة التقويم ...).
- إعادة النظر في الكتب المدرسية، التي تجاوز الكثير منها العقدين من الزمن، بشكل يسمح باستيعاب المتغيرات الجديدة.
- دعوة الجهات الرسمية المعنية بصياغة المناهج والبرامج الدراسية والتأليف، إلى استحضار "الجدار الفاصل" الذي يربط بين "المضامين الحالية" و"الواقع"، وذلك بالتعجيل، بمعالجة ما يعتري خاصة دروس التنمية وإعداد التراب والتهيئة الحضرية والريفية، من مظاهر التجاوز، في انتظار تنزيل تغيير شامل وجذري يطال المادة بمكونيها (التاريخ والجغرافيا)، بشكل يقطع مع الكم المفضي للرتابة والملل.
- التجاوز في برنامج التاريخ والجغرافيا، لا يطال فقط، دروس التنمية وإعداد المجال والتهيئة، بل هو تجاوز يكتسح المادة ككل، في ظل حضور مجموعة من الدروس في الجغرافيا كما في التاريخ، تجاوزتها المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، ومع ذلك لازالت حاضرة منذ سنوات، كما يسجل حضور دروسا عقيمة مثيرة للرتابة والملل، لا تقدم ولا تؤخر، وهذا يفرض التفكير في هندسة جديدة للمادة، تقصي دروسا متجاوزة أو عقيمة، وتنفتح على دروس أخرى تكتسي طابع الراهنية (الاتحاد الإفريقي، المغرب وإفريقيا، التكتلات الإقليمية الإفريقية، الانفتاح على نماذج تنموية جديدة، تعزيز الاهتمام بالتاريخ الوطني المعاصر بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية والقانونية والدستورية والإعلامية ...إلخ).
- التفكير الآني، في إيجاد "مخرج" للبرامج التنموية التي تقدم للمتعلم(ة) (في إطار دروس التنمية والتهيئة وإعداد التراب) كتدابير وإجراءات لتجاوز مظاهر الأزمة، والحال، أن هذه البرامج، هي جزء لا يتجزأ من النهج التنموي الذي أقر ملك البلاد بفشله وقصوره، وهذا المخرج يبقى أمرا استعجاليا، حتى لا نكرس "تدريس الفشل" في زمن الإصلاح.
- آن الأوان لتوجيه البوصلة نحو برامج تنموية أخرى منسية أو غير حاضرة في المضامين، من قبيل : مخطط المغرب الأخضر، مخطط المغرب الأزرق، المغرب الرقمي، الإدارة الالكترونية، مخطط الإقلاع الصناعي، النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، الجهوية المتقدمة، ميثاق اللاتركيز الإداري، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في صيغتها الثالثة، برنامج التغطية الصحية راميد، برنامج "تيسير"، مشروع السجل الاجتماعي الموحد، التربية الدامجة، برنامج محو الأمية بالمساجد، التعليم الأولي، المشاريع الطرقية والسككية، مشاريع الطاقة المتجددة، مشروع ربط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار ..
- خصوصيات مادة الجغرافيا، لا تستدعي فقط الارتقاء بها لتكون منسجمة مع المتغيرات الوطنية، خاصة تلك التي سترتبط بالنموذج التنموي المرتقب، ولكن يقتضي أيضا، تنزيل "عدة بيداغوجية"، أو بنك معلومات رقمي (منصة رقمية)، يتيح لأساتذة المادة، أرقاما ومعطيات إحصائية محينة، وموارد رقمية (أشرطة، خرائط، صور، دروس )، بشكل يسمح بالمواكبة وتفادي التضارب في الأرقام والمعطيات بين الكتب المدرسية في ظل اختلاف الطبعات، وتجاوز بعض المستجدات الطارئة التي تفرض توحيد الرؤية بين الأساتذة (مثلا : قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي في انتظار الانسحاب الرسمي من التكتل الأوربي، وهو مستجد يسائل درس "الاتحاد الأوربي: نحو اندماج شامل"، ويسائل ما يعتري دعاماته الديدكتيكية من أرقام ومعطيات إحصائية، في ظل غموض الوضع البريطاني الحالي، وحتى إذا ما تأكد لاحقا، الخروج الرسمي لبريطانيا من الاتحاد، سيكون المدرس(ة) والمتعلم(ة) على حد سواء، أمام درس بأرقام ومعطيات ودعامات "متجاوزة" بحكم الواق، إذا لم يتم تدارك الأمر في حينه.).
نختم بالقول، أن ما قيل عن دروس الجغرافيا، ما هو إلا مرآة عاكسة، للمادة بمكونيها الاثنين (التاريخ والجغرافيا)، والتي تعاني من ورم "التجاوز" على مستوى الوثائق والدلائل التربوية، وطرائق التدريس وأساليب التقويم وضعف ومحدودية الانفتاح على الجوانب الرقمية، وفي ظل ما شهدته الدولة وتشهده من دينامية إصلاحية متعددة الزوايا، لامناص اليوم من كسب رهان "الملاءمة" على مستوى المناهج والبرامج والطرائق والوسائل، من أجل مادة" جذابة" تساير زمن التغير وتنسجم وإيقاعات التحول والإصلاح، بعيدا كل البعد، عن واقع إنتاج "الفشل" و صناعة "الرتابة" المكرسة للملل والتمرد الناعم والعنف والانحراف ...مع الإشارة، إلى أنه، إذا كانت "دروس التاريخ" يطبعها نوع من الاستقرار والثبات في الزمن، فإن "دروس الجغرافيا" متحركة ومتغيرة، في ظل التفاعلات المستمرة بين الإنسان والمجال، وهذا يفرض إخضاعها للملاءمة المستدامة، وسنرى كممارسين، كيف سيتم التعامل مع المتغيرات والمستجدات التي شهدتها أو ستشهدها الساحة الوطنية، وعلى رأسها "النموذج التنموي المرتقب"، الذي نعول عليه، لتنمية المادة بمكونيها (التاريخ والجغرافيا) وتجويد مضامينها وطرائق تدريسها...