الجماهير التطوانية تخصص استقبالاً أسطورياً لفريقها بعد الفوز على اتحاد طنجة

انقلاب شاحنة محملة بأشجار الزيتون بالحي المحمدي يستنفر المصالح الأمنية

بحضور نجوم الفن المغربي.. افتتاح المهرجان الدولي للسينما والهجرة بوجدة

المغربية بومهدي: حققت حلمي مع مازيمبي وماشي ساهل تعيش في الكونغو

الرضواني: خسرنا اللقب ونعتذر للمغاربة..ولاعب مازيمبي تشكر المدربة بومهدي

لمياء بومهدي: لم أتخيل يومًا الفوز بلقب دوري أبطال إفريقيا في المغرب ومع فريق آخر

من هو المُثَقَّف؟

من هو المُثَقَّف؟

عبد اللطيف لبقادري

فيما يُحكى عن الفيلسوف سقراط أنه في إحدى مناظراته الشهيرة ضرب مثلا عن قصة البعوضة و الحصان المترهل، حيث أكد على أن رغم حقارة شأن و حجم البعوضة، إلا أنها تستطيع أن تُحدث فرقاً في حياة الحصان عظيم الجُثة. إذ يمكن لِلَسَعَاتِهَا أن تَبُثَّ الحياة في الحصان وتجعله يَتَرنَّح مِن جَرَّاء و خْزِها المُتكرر.  فتُذَكِّره على أنه لازال حياً ولا يزال بمقدوره الركض بقوة بالرُّغم من ترهل جسده.

 

هذه القصة تَصلُح أن يتم إسقاطها على دور المثقف داخل المجتمع. فبِالرغم من نُدرة المثقفين، إلا أن فِعلهم في المجتمع كفِعل البعوضة يبعث الحياة في عامة الناس.

 

 لا يختلف اثنان على أن للمُثقف دور عظيم الشأن، لا تعرفه إلا المجتمعات التي ضَنَّ فيها المثقفون. فهم سَرَاةُ القوم يُبَصِّرون الناس في الليل البَهيم. و كأن الشاعر يقصدهم في البيت الذي يقول:

 

 لا يَصْلُحُ الناس فَوضَى لا سَراةَ لهُم ≠  و لا سَراةَ إذا جُهَّالُهُم سَادُوا.

 

إذا تَولَّى سَراةُ القوم أَمرهُم  ≠  نَمَا على ذَاك أَمْرُ القَوم فازْدَادُو.

 

 و المتمعِّنُ في عَجُوزِ البيت الاول يجده يُقَرِّع الأمة التي سَلَّمت نفسها الى جُهَّالها فَضللوهم و أضلُّوهم.

 

وللمثقف سِمات يُعرف بها و مِن دونها لا يَحِق له ادعاء شَرَف الانتسَاب الى نادي المثقفين. أهم هذه المُمَيزات أنه صاحب موقف و فِكرَة، حيث تَجِده يُقَدس العقل و يُرْجِعُ اليه الأمر كله. أما التراث و التقاليد فلا يُلقي لها بالا و خاصة إذا خَالفَت المنطق و الفطرة السليمة. وكذلك تَجِده يَنْزحُ نحو الشمولية في رؤيته و تفكيره. يسمو بنظرته و بصيرته التي تَنفُذ الى كُنْه و مقاصد الامور لا إلى صورها و أشكالها لأنهما يتغيران بعوامل الزمن و المكان، و لكن الجوهر يقبع جامدا لا يتغير. و المثقف الحَق هو الذي يَنظُر بِعَين عقله لا بِعين رأسه. و أيضا من الشروط المهم توفرها في المثقف هي الاستقلالية و هنا مربط الفرس. فما أكثر المثقفين اليوم، لكن ثُلَّة قليلة منهم من يَتَّسِمون بالاستقلالية، لا هم من هؤلاء و لا مِن أولئِك. الحكمة ضالتهم أَنَّى وُجِدت  تَلْقَاهم في الصفوف الامامية يُنَافِحُونَ عنها.

 

إلا أن هذه السِّمات لا تَنبُت في أرض بَوار حيث تجد سجونها ذات شهية مفتوحة لترويض المثقفين، بكسر اقلامهم و تبخيس احلامهم و تسفيه كلامهم و شيطنة افكارهم. ومَن سَلِم مِن كُل هذا لا يَفلِت مِن ان يُنعَت بالجنون و يُصَنّف ضِمنَ زُمْرَة الضالين المارقين و مُشْعِلي الفِتَن مَع العِلْم أَن الشعوب التي لا تصيخ السمع الى” مجانينها  “ لن تذهب بعيدا. أما ضِعَاف النفوس مِنْهُم فيشتغلون تحت الطلب او لِنَقُل مُدجنين و مأجورين، يُبَدِّلون جلودهم مرات عدة في اليوم الواحد يتبعون الغالب و ينقلبون على المغلوب.

 

ولهذا يستحيل مع غياب الحد الادنى من الحرية  أَن تَحْبَلَ شُعوبنا  بمثقفين، لأن الحرية هي السماد الذي يُنْبِتُ المثقف و يجعله ينمو و يتفرع. الحرية المقصودة هنا هي القدرة على المُساءَلة و التَّساؤل. و لنا في كتاب الله عضة و عبرة. فكيف بالله خالق الكون يسمح لملائكته أن تُسائِلَه عن قراراته و يتركها تستفسر عنها. إذ جاء في سورة البقرة” أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك “. و هذه لعمري قمة الامانة الادبية حيث يورد سبحانه  مِثْلَ هذا الكلام في كتابه الكريم إذ تسأله الملائكة عن سبب خلق آدم و الشاهد في المسألة انه لم يَنْهَرهُم أو يَنْهَاهُم، بل ردَّ قائلا”   إني أعلم ما لا تعلمون “. فكيف تجد بَشَرا يأكُل و يَمشي في الاسواق يرفع نفسه الى مرتبة لم يخترها الله تعالى لنفسه و هي مرتبة فوق المُسَاءَلَة.

 

 

وعليه، اذا لم نُهيئ المناخ السليم لاستِنْبَات المثقفين و جعلهم تيجانا فوق الرؤوس ، لن نُفلح و لن تَقُوم لنا قائمة فَهُم المَنارات التي تَهدينا الى الطريق القويم . و اختم بسؤال عملي، اذا خُيرنا بين امتلاك احد الثروات، الاولى مادية بترولية و الثانية فكرية علمية اي بين ابار البترول و رجال مثل طه حسين و المتنبي و الجابري فماذا سنختار؟ واترك لكم الجواب على الاختبار. 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات