بحضور مخاريق.. اتحاد نقابات العرائش يفتتح مؤتمره المحلي

مدرب شباب المحمدية: عندنا لاعبين شباب تنقصهم الخبرة والثقة بسبب ما يعيشه الفريق

هذا ماقاله حفيظ عبد الصادق بعد الفوز على شباب المحمدية

اللقاء الختامي للملتقى ال11 للفيدرالية المغربية للمتبرعين بالدم

المؤتمر الدولي الأول للصحافة والإعلام بوجدة يسدل ستاره بتوصيات هامة

بكاء الخياري وتأثر بنموسى في وداع الفنان القدير محمد الخلفي وسط جو من الحزن

الجامعة المغربية...من إنتاج المفكرين إلى إنتاج الغشاشين

الجامعة المغربية...من إنتاج المفكرين إلى إنتاج الغشاشين

أخبارنا المغربية

بقلم: آدم الحسناوي

أَثْرَت الجامعة المغربية خلال النصف الثاني من القرن الماضي فضاء العلم و المعرفة الكوني بعدة مفكرين ، برز هؤلاء المفكرون على الصعيدين المحلي و الدولي ؛ بل إن من أكمل دراسته منهم خارج المغرب ، تبوثقت النواة للأولى للمعرفة لديه داخل أسوار الجامعة المغربية ؛ فالحكايات التي ترويها لنا الأجيال السابقة عند مقارنتها بالوضعية التي آلت إليها الجامعة ، أشبه بحكايات ألف ليلة و ليلة . إذ كانت الجامعة المغربية فضاءا للدردشات الثقافية و تبادل وجهات النظر ، حتى الصراعات الإيديولوجية كانت تطرح على أرضية المعرفة العلمية . فكان طلاب التاريخ منهمكون بالبحث في كتابات غاستون باشلار و جان بول سارتر و جورج لوكاش ... . بينما طلاب الفلسفة و علم الإجتماع مهتمون بالقراءة لويل ديورانت و ماكس غالو و أرنست ماندل ... . طلاب كليات العلوم يقرؤون لفولتير و غابرييل غارسيا ماركيز و أنطون تشيخوف و هلم جرّا ... . هذا فيما يتعلق بالتعرف على الآخر البعيد ، إضافة إلى إطلاعهم على كتابات الأخر القريب (الكتابات العربية) .

لكن ، ماسبق ذكره لم تتبقى منه إلا شذرات متناثرة . فالطلبة اليوم أشبه بمرتزقة مقارنة بطلبة الأمس .

مع الثورة المعلوماتية التي نشهدها ، أصبح الطالب لا يهتم بمواده التي يدرسها ، فما بالك بالإنفتاح على المواد الأخرى . لا أبالغ عندما أصرح أن مايتعدى %50 من الحاصلين على شهادة الإجازة اليوم لم يقرؤوا كتابا واحدا يوما ما . بل إن بحث التخرج أضحى يشترى و أحيانا أخرى تتم سرقته بنسب بحث أُنجز سابقا للطالب المُطالَب به ، في أفضل الحالات تجد طلبةً يبحثون في الفهارس دون قراءة الكتاب ، علما أن بعض احتياجاتهم توجد متناثرة في مواضع مختلفة من بعض الكتب لا تتم الإشارة إليها في الفهارس .

هذا فيما يتعلق بالبحث . لكن ، الآفة المتنامية بشكل دينامي و التي تؤرق المجتمعات هي الغش . إن كان الغش في البلدان الأخرى برنامجا مرحليا يلجأ له الغاش في أحد الإختبارات ، فالغش في المغرب أضحى أسلوب حياة بمباركة الأساتذة ، أضحى غاية في ذاته . 

مع تعاقب السنين ، أصبح الغش جزءا من المنظومة ، فإن كان بعض الدكاترة عاجزين عن التمييز بين الطالب الغشاش و الطالب المثقف من خلال صياغته(الطالب) للمقال المكتوب في الإمتحان ، أصبح بعض الطلبة يستطيعون التمييز بين الدكتور الذي التجأ للممارسات الدنيئة بغية الوصول للغاية و الدكتور الذي اجتهد في سبيل الوصول لغايته .

شهدت التعاريف و المصطلحات و الوسائل و الأساليب اتساعا في مدلولها مع الثورة الرقمية ، فالوثيقة على سبيل الذكر لا الحصر ، لم تعد تشمل التدوين الخطي ، أصبح التدوين الإلكتروني فاعلا رئيسيا في كتابة التاريخ ، كما تعتبر وسيلة أساسية للأجيال القادمة في معرفة أسلوب حياتنا و نمط تفكيرنا و إبداعاتنا ... . على غرار الوثيقة ، اتسع مفهوم الغش و مدلوله كما تطور أيضا . فإن كان الطالب الغشاش قبل ثلاثين سنة ، يمارس الغش عن طريق النقل من المراجع دون الإستشهاد بها ، أو نسخ الطالب لورقة زميله ، أو تبادل المعلومات داخل مراكز الإمتحان ؛ أمسى الغش اليوم متسع المدلول و متطوراً ، إذ يعبر عن كل الممارسات التي تندرج ضمن السلوكات الغير أخلاقية في مفهومها الكلي داخل مراكز الإمتحان ، من إستخدام سماعات الأذن (التقليدية و المتطورة) في تلقي الأجوبة ، إلى استخدام الهاتف في الغش من خلال تدوين الأجوبة في مذكرته ، أو نسخ بعض المقالات و الإجابات من أحد المواقع التي يتيح محرك البحث GOOGLE ولوجها و تدوينها في ورقة التحرير ، فاستخدام تطبيقات ك WHATSAPP و TELEGRAM و FACEBOOK ، و تصغير بعض القصاصات المطبوعة إلكترونيا من أجل تشتيت انتباه المراقب في حالة قيامه بتفتيش صاحبها ... .

في ظل اتساع ظاهرة الغش بالشكل المهول الذي نشهده ، أصبح من المفروض معالجة الظاهرة بمقاربة إبستمولوجية تستحضر بعده القيمي . فالغش أصبح قيمة في ذاته ، أضحى متنفسا للطلبة من أجل النجاح و الرقي الإجتماعي المتصل بالممارسة ، مما منحه في نظر الطلبة صفة الممارسة الغائية السليمة-الدنيئة التي تظل ممارسة فعالة طول بروز الغاية .

تتمثل إشكالية الغش في عدم كونه ممارسة مرحلية عندنا ، بمجرد أن يقنع الطالب نفسه بغائية مكيافيلي ، يصبح عبدا لهذه الغائية ، إذ تترسخ في ذهنه ، يصبح على إثرها الغش ممارسة تشكل قيمة مضافة عند ممارسها ، أي يصبح قيمة من القيم الواجب توفرها بغية الوصول لهدف معين إن لم نقل أن الغش يتماثل في الأذهان كهدف ، مما يعود بالضرر على الجامعة المغربية بصفة خاصة و المجتمع بصفة عامة .

عندما نتحدث عن الغش ، فإننا نتحدث عن ممارسة مكتسبة لا نتحدث عن ممارسة فطرية . في هذا الصدد ، وجب علينا التعريف بالعوامل المساهمة في اللجوء لهذه الممارسة و المتمثلة فيما يلي :

بيداغوجية بعض الأساتذة :

يعمد بعض الأساتذة داخل الجامعات إلى إلقاء محاضرات يعتبرونها المرجع الأساسي و الأوحد للطلبة ، حيث يطالبون الطلبة بنسح ما أملاه الأستاذ عليهم في المحاضرات و إستحضاره في ورقة الإمتحان حرفيا ، مع عدم ترك فرصة صياغة الجواب للطالب بأسلوبه ، ناسين أو متناسين أنهم يتعاملون مع طلبة باحثين لا مع تلاميذ في القسم ؛

 إن قام أحد الطلبة بالتوسع خارج ما أملاه الأستاذ رغم تعلقه بالموضوع ، يتم إرساله مباشرة للدورة الإستدراكية أو يتم ترسيب الطالب .

هذا المعطى المتمثل في التلقين و الحفظ ، يقتل الإبداع في حالة وجوده ؛ فأضحى الإبداع (من خلال تواجد طلاب موسوعيين) حالة شاذة عن المألوف ، مما ولد التقهقر الذي تعرفه الجامعة و يعرفه الطلاب . 

إذا ، فالعامل الأول يعبر عن إبطال الأستاذ المحاضر لملكات التحليل و التركيب و النقد ، مقابل إستحضار ما دونه الأستاذ في المطبوع بحذافيره .

عدم تحمل المسؤولية :

لم يعد الطالب اليوم يفكر بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه بعد تخرجه ، إذ أصبح يختزل المرحلة الجامعية في تحصيل الشهادة ؛ لا يستطيع الطالب اليوم إستيعاب مدى إحتياج بلده لأنتلجنتسيا مستقبلية تساهم في قيادة المجتمع و تطويره . فالجامعة باعتبارها حاضنة للفكر ، تلعب دورا رئيسيا في تكوين هذه الأنتلجنتسيا ، و المرحلة الجامعية بصفتها إحدى المراحل الدراسية ، عامل أساسي في تكوين الطالب و بوثقة وعيه

الشعور بالملل :

يتحمل بعض الأساتذة دورا رئيسيا في هذا العامل ، فاستمرارهم في سلك مسالك تقليدية خلال إلقاء المحاضرات ، يقلل من فرص إستيعاب الطالب للمحاضرات و حضورها . لذلك ، يتوجب على الأستاذ تشويق الطلبة من خلال إدخالهم في جو المحاضرة ، تتبلور ميكانيزمات هذا الإجراء من خلال إستحضار السيرورة التاريخية التي بلورت حدثا معينا ، إضافة إلى إلقاء محاضرات تفاعلية يشترك الطالب مع الأستاذ من خلال الأسئلة أو الإعتراضات التي تمكن الطالب من الإستيعاب أكثر ... .

فقدان الثقة :

عندما يفقد الفرد ثقته ، فهو يفقد فرصته في إبراز كينونته ؛ فالطالب بصفته فاعلا في المجال المحيط به ، تقابله عدة عراقل إن استسلم لها ، فقد استسلم لكل سلوك يقلل من ثقته بنفسه ؛ أبرز سلوك يتمظهر في سياق حديثنا هو الغش ، فالغش يؤدي بالطلبة نحو الكسل و الخمول مما يعرضهم لفقدان الثقة خلال تواجدهم داخل أسوار الجامعة .

استهتار المراقبين :

يتحمل المراقبون دورا كبيرا في طغيان ممارسات الغش ، فالتساهل من جهة ، و ترك الفرصة سانحة لمن يلجأ للغش ، و التعاطف أحيانا أخرى ، يساهم في تشجيع الممارسين على الإستمرارية ، حيث يوفَّر الجو المناسب لهم . بهذه الكيفية يستسلم طلبة أخرون منهم الباحثون للغش ، فإنعدام تكافئ الفرص يساهم في إنتشار عدوى الغش بشكل مهول ؛ كما تلعب نرجسية بعض الأساتذة دورا كبيرا في الموضوع ، فالأستاذ الجامعي أصبح يعتبر ذاته أرقى من مراقبة الطلبة أثناء الإمتحان ، حيث يعتبر البعضُ منهم أن مهمته تتمثل في إلقاء المحاضرات و (البحث العلمي) فقط ، متناسين الجانب الأخلاقي للمهنة . قد يعاتبني البعض عن هذا المعطى الأخير . لكن ، يمكنكم الإطلاع على محضر حضور الأساتذة المطالَبين بالمراقبة و تغيبهم المتكرر دون إبداء أسباب موضوعية للتأكد مليا مما أقول .

تضاؤل دور الحلقيات الطلابية :

إن كانت الحلقيات الطلابية سابقا ملتقى للطلبة من مختلف المشارب و الخلفيات الإيديولوجية ، كما اعتبرت ساحة للتصويت على طرح معين بشكل ديمقراطي . فإن دورها اليوم تراجع بشكل جلي للملاحظ ، يمكننا تأكيد هذا المعطى من خلال إنغلاق طلبة الفصائل على الماضي غير آبهين بالمعطيات الحديثة و المستجدات التي أرخت بظلالها على البلاد عموما و على الساحة الجامعية خصوصا ، أصبح الطلاب مع هذا المعطى غير مكترثين لدور الفصائل في تأطير الطلبة . كما يمكننا الإشارة إلى تعاطف بعض طلبة الفصائل مع هؤلاء الفئة (الغشاشين) فقط لأنهم في موضع الصدام مع الإداريين داخل الجامعة ، مما شجع بعض الطلبة على الغش ، كما ساهم في إنحسار دور الفصائل و صدى الحلقيات الطلابية (طبعا لا أتحدث عن الجميع) .

الكسل و الخمول :

يرغب الطلبة اليوم في الحصول على نقاط عالية دون بدل أدنى مجهود يذكر ؛ أصبح الطالب على إثر هذا العامل يلجأ للكثير من الممارسات الدنيئة كالغش ، تسول النقط من الأساتذة ، الإبتزاز ، التهديد ، الوشاية ، التذلل .

الوازع الديني :

يرى غالبية المتتبعين لتنامي ظاهرة الغش ، أن الدين و التدين زاجر لهذه الظاهرة . لكنني لا أتفق مع طرحهم ، إذ أرى أن الدين أحد العوامل المساهمة في تنامي ظاهرة الغش ، لعل أبرز ما يؤكد كلامي أن جل الدراسات المنجزة في البلدان الغربية ، تؤكد أن طلبة المدارس المسيحية أكثر ممارسة للغش من نظرائهم في المدارس العادية . أما فيما يتعلق بالدين الإسلامي ، فالمصدر الأول للتشريع أي "القرآن"، يحصر الغش عند مظهر واحد ، يتمثل في "الغش بقسط الميزان" (سورة المطففين) . أما فيما يتعلق بالمصدر الثاني للتشريع ، غالبا ما تتم رواية الحديث الذي أخرجه مسلم و الترمذي ناقصة "من غشنا فليس منا" الذي نصه كما يلي :

 عن أبي هريرة أن الرسول مر على صبرة طعام ، فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللا فقال : ما هذا يا صاحب الطعام ، قال : أصابته السماء يا رسول الله ! قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ - من غش فليس مني ، و في رواية أخرى "من غشنا فليس منا" الحديث رقم 176 .

إذا ، فالمصدر الثاني للتشريع ، يحدد الغش في أحد مظاهره . لذلك ، يعتبر بعض الطلبة الهدف وراء ممارسة الغش في الإمتحانات محددا للأحقية في ذلك . كما نجد بعض الطلبة يشككون في متن أو سند حديث معين (علما أن الغش ترفضه المنظومة الأخلاقية في كليتها) . أما بعض الطلبة يتبجحون بآية أن الله غفور رحيم اعتبارا لنبل مقصدهم .

نظرا للإعتبارات السابقة ، فإن إزدواجية الخطاب في الدين و إحتماليته عدة تأويلات ، تحدد مخارج للغشاش ، عكس مايروجه البعض ؛ كما تلعب فرضية التوبة لاحقا عما تتم ممارسته من خطايا ، الدافع الرئيسي لدى الطلبة حتى المتشددين منهم أو الدوغماتيين ~في علاقتهم بالأخر~ للغش .

المحيط الاجتماعي :

يلعب المحيط الإجتماعي للطالب أحد الأدوار الطلائعية في ولوجه عالم الممارسات اللا أخلاقية المتمثلة هنا في الغش ، إذ يمثل ضغط الأسرة على الطالب بغية النجاح - ضغط المجتمع من خلال التهكم و التنمر - تقليد الأخ أو الصديق أو الجار ... عوامل تؤدي بالطالب نحو الغش .

لذا ، يتوجب على الطالب تحصين نفسه في علاقته بمحيطه 

العامل الاقتصادي :

إنطلاقا من فرضية فريدريك أنجلز حول كون ماهية الأخلاق نتاج الوضع الإقتصادي للمجتمعات خلال سيرورتها التاريخية ، فإن الطالب بصفته جزءا من مجتمع معين يتأثر بوضعيته الإقتصادية الراهنة ، إذ يسعى الطالب مع بلوغه سنوات الشباب لتحسين وضعيته المادية . لهذا ، يرى الطالب لاشعوريا أن الأخلاق غير ثابتة مقرونة بالقفزة الإقتصادية الممكن تحقيقها ، في ظل كون الصراع الطبقي المحرك الأول للتاريخ و الإنسان . لذلك و علاقة بموضوعنا ، يتوجب وجود رادع للممارسات الدنيئة المتمثلة في العقاب المقرون بالنظام التعليمي العادل .

تمثل هذه العوامل و المعطيات الدور الرئيسي في إنتشار عدوى الغش بهذه الكيفية و هذا الكم .

 لكن ، في ظل المعطيات التي سبق لنا ذكرها ، من يتحمل مسؤولية الوضعية الراهنة التي آلت إليها الجامعة ؟ . يمكننا تحميل المسؤولية للأطراف التالية :

 1. مؤسسة الأسرة 

هذه الممارسة التي نحن بصدد الحديث عنها ، ليست وليدة المرحلة الجامعية ، إنما تفشت بشكل دينامي مع الطالب منذ مراحله الأولى في الدراسة . عندما يكون التلميذ دون 18 سنة ، فإن للأسرة سلطة  عليه . لكن ، غياب دور الأسرة في التربية و التوجيه و الإرشاد ، يساهم في ولوج التلميذ عالم الممارسات غير اللائقة ، فتجده مقبلا على هذه السلوكات منذ مراحله الأولى في الدراسة تحت أعين الأسرة . 

في طرحنا للغش ، نجد نمطين يستخدمهما الأسر ؛ يتمثل النمط الأول في عدم الإكتراث للتلميذ ؛ اللاإكتراث هذا ، يجعل التلميذ يلج عالم الممارسات اللاأخلاقية تدريجيا حتى دخوله الجامعة ، فيصبح بذلك وباءا ينشر العدوى بين رفاقه . أما النمط الثاني ، يتمثل في تشجيع الأسرة للتلميذ تحت ذريعة "الغاية تبرر الوسيلة" ؛ ينتج عنها تكوين تلميذ موبوء إجتماعيا ينشر العدوى بين رفاقه .

لا يمكننا تحديد أي نمط أخطر على التلميذ أو الطالب من الأخر ، فكلاهما أخطر من بعضهما .

2. المؤسسة التعليمية :

تلعب المؤسسة التعليمية دورا أساسيا في تشكل ممارسة الغش بشكل دينامي . فالوزارة التي تندرج تحتها المؤسسة التعليمية تسمى "وزارة التربية و التعليم" أي أن التربية قبل التعليم . للأسف ، تختزل المؤسسة التعليمية التربية في تسريحة الشعر أو منع إستخدام الهواتف داخل فضاء المؤسسة أو ... ، تختزلها في هذه الشكليات التي تكبح حرية التلميذ و تقيده ، جاعلة منه مجندا خاضعا لا تلميذا . فالجانب الأخلاقي أهم في التربية ، لكن المؤسسات التعليمية لا تعطي هذا الجانب أي اهتمام ، فالحملات التحسيسية مقتصرة على بعض الملصقات التي نجدها أيام الإمتحانات ؛ رغم أن الحملة التحسيسية في الجانب الذي نطرحه ، تقتضي نشر منظومة قيمية أخلاقية بكل الوسائل الإبداعية التي يكون التلميذ فاعلا فيها ، كالرسم - الغناء - الأنشطة الثقافية - تظيم مسابقة سنوية للتلميذ النزيه ...

3. الطلبة كممارسين :

لا أستثني الطلبة من المسؤولية ، رغم إعتباري لهم ضحايا بيئتهم ؛ إلا أنهم بدورهم انساقوا تماشيا مع المغريات ، فانعدام روح المسؤولية و الضمير ، يتحمل الطالب فيهما الدور الأساسي .

4. الأساتذة و المراقبون :

كما سبق لنا الإشارة ، فالأساتذة هم الحلقة الأقوى في المنظومة . رغم إستفحال هذا الوباء بقوة داخل الجامعة المغربية ، إلا أنني أعتبر هذه الفئة بإمكانها القيام بمحاولات قد تخفف من حجم الضرر . منها :

- التزامهم بواجبهم المهني في الحراسة و انضباطهم .

- عدم الإستخفاف بأهمية الحراسة كدور أساسي في تكوين الأنتلجنتسيا المستقبلية .

- زجر الغش بكل الوسائل المتاحة لكي يظل المعاقَب عبرة لغيره (يلعب التساهل مع الممارسين دورا كبيرا في تفاقم الظاهرة) .

- الإنضباط في دوريات الحراسة بدل الركون إلى طلبة الحراسة و الجلوس على الكرسي .

- التوعية بخطورة هذه الممارسة على ممارسها مع مرور الوقت عليه و على محيطه .

فيما يتعلق بالمراقبين ، يتوجب عليهم الحفاظ على تكافئ الفرص بما تخوله لهم الأعراف ، كما يتوجب عليهم التبليغ عن التجاوزات و الصرامة أثناء الحراسة ، عدم الدخول في أحاديث مع المُمتَحَنِين خشية إستجلاب إستعطافهم .

يمكننا القول بإيجاز في التعريف السيكولوجي للغش ، أنه أحد أشكال السلوكات المنحرفة ، يناقض القيم التي تقوم عليها العملية التربوية ~أي اعتباره اضطراب نفسي~ . بما أن الغش سلوك مكتسب ، فتطوره مقرون بتطور سلوك الفرد ، إذ تدفع إليه ميكانيزمات داخلية كالحرص على النجاح ، و إجتماعية كالحصول على مركز إجتماعي . لا يمكننا القول أن فكرة السلوك المنحرف من إختراع علماء الإجتماع ؛ فالحياة الإجتماعية تؤكد على واقعية السلوك المنحرف ، إذ تكون الجماعة في مجتمع معين ، المحدد لأنواع معينة من الأفعال التي تدرج كمخترقة للأعراف (الأعراف التقليدية - الأعراف القانونية ...) ، كما يتم تحديد أفراد معينين كمخترقين لها ؛ هنا تتبلور أمامنا الأخلاق في مفهومها الجزئي ، فرغم بروز الغش كممارسة غير أخلاقية في مفهوم الأخلاق الكلي ، لكن ، تحديد ممارستها كسلوك منحرف ظلت ضمن الأخلاق في جزئيتها .

عندما نتحدث عن إقتران تطور الغش بتطور سلوك الفرد ، وجب علينا التأكيد على إقتران الغش بالحياة الدراسية . يمكننا القول أن مراحل الدراسة ذاتها مراحل تطور الغش . لذلك ، نصنفها على الشكل التالي : 

1. مرحلة الغش الأولية : 

عادة ما ترتبط مرحلة الغش الأولية بالمراحل الدراسية الأولى للفرد ، بيد إمكانية إستمرارها عند الفرد المتأخر نسبيا في ممارستها حتى مراحل متقدمة ؛ لكن ، تقترن المرحلة غالبا بالسنوات الست الإبتدائية ؛ يكون الطفل غير واع لممارسته ، فيكون الغش عنده متأثرا بعامل خارجي ، كما يكون في مجال ضيق نسبيا .

2. مرحلة بروز الغش كممارسة :

تبرز المرحلة الثانية عند دراسة التلميذ في الإعدادية و الثانوية ، حيث يتبوثق الغش كممارسة شخصية غائية بغية إرضاء محيطه الأسري خاصة و الإجتماعي عامة ، كما يتنامى سلوك التلميذ في الغش إنطلاقا من مسايرته لمحيطه المتمثل في أصدقاء الدراسة .

3. مرحلة الغش الناضج : 

تبدأ المرحلة عادة مع ولوج التلميذ سن الباكالوريا ، كما تستمر معه طول سنواته الجامعية . هنا يصبح التلميذ أو الطالب واعيا بممارساته و بيئته ، أي أن الغش لا يكون بتأثير من العوامل الخارجية ، بل بتأثير داخلي . تشهد مرحلة النضوج ، تفشي العدوى بين طلبة لم يمارسوا الغش في مراحلهم المبكرة ، نظرا لاحساسهم بفقدان تكافئ الفرص داخل قاعات الإمتحان ، كما تُضرب مصداقية النتائج بشكل خاص و الجامعة المغربية بشكل عام عرض الحائط مع ترسخ هذا السلوك أكثر فأكثر داخل المنظومة .

4. الغش كعادة :

بعد حصول الطالب الغاش على شهادته الجامعية ، يترسخ سلوك الغش لديه أكثر من ذي قبل ، فيتجرد منه كغاية ليصبح ملازما له كوسيلة فقط عند إجتيازه لأي امتحان سواء للتوظيف أو الإستمرارية أو الإرتقاء ... . يلازمه الغش ، بل يتم توريث الغش للأبناء و لو بطرق غير مباشرة .

إننا اليوم ، مطالبون أكثر مما سبق بالقطع مع هذه الممارسة . إن كانت بلدان تبيع الوهم لشعبها (تصنع الحرية الخادعة) لعل أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية ، دخلت منذ حوالي القرن في صراع من أجل دحر الغش (أستحضر هنا دراسة "CHAMBERS" المعنونة ب"A STUDY OF DISHONESTY") المنجزة في عشرينيات القرن الماضي ، فالمغرب الراهن لا يعطي أية أولوية لإجتثاث هذه الظاهرة من جدورها ، بل إن المؤسسات المخول لها معالجة هذه الظاهرة ، دخلت في تطبيع مباشر معها ، مما جعل الجامعة المغربية تنتج سنويا ألاف الغشاشين ، بدل إنتاج ألاف المفكرين .

ختاما ، يتوجب علينا التجرد من عدم تحمل المسؤولية بحجة أن الغش ظاهرة كونية و ليست مجرد ظاهرة محلية ؛ مع هذه الحجج الواهية ، أصبحت سمعتنا كمغاربة يرثى لها ، ففي تقرير نشرته مجلة NATURE حول دراسة قامت بها جامعة نوتنغهام تتعلق بمؤشر انعدام النزاهة و الأمانة في 159 بلدا ، حقق المغرب المرتبة الأولى في انعدام النزاهة و الأمانة بجانب تانزانيا .

تضعنا الدراسة السابقة أمام حقيقة تفشي السلوكات الغير أخلاقية في كليتها ، فتركيزنا على الجزئي و إهمالنا للكلي ، ساهم بتقويض المنظومة الأخلاقية في كليتها ؛ من بين السلوكات غير الأخلاقية التي ساهمت في تدني قيمة المبدأ عند المغاربة نجد "الغش" .

يتوجب علينا اليوم التكاثف من أجل إستئصال هذا الورم الخبيث الذي يهدد الجامعة بصفة خاصة و المجتمع بصفة عامة . لكن ، في ظل إزدواجية الخطاب و الممارسة عند الفاعلين داخل الجامعة المغربية ، هل بإمكاننا المضي قدما في إستئصال هذه الظاهرة ؟ ، أما آن الأوان أن نسائل ذواتنا عن الوضعية الراهنة التي تعيشها الجامعة و تحولها من منتجة للمفكرين إلى منتجة للغشاشين و سبل تخطيها ؟ .

كما يعلم الجميع ، فالتعميم من صفات الجهال ؛ إن كنا في طرحنا نلوم أطرافا عدة ، إلا أننا نشيد بالأقلية التي ماتزال وفية للقيمة المبدئية الأخلاقية ، لكننا نحاول عتاب الأطراف الفاعلة التي تمثل الغالبية في تردي الوضع ، إنطلاقا من أسلوب العلاج بالصدمة .

لقد حاولت قدر الإمكان وضع القارئ فيما شهدته و تشهده الجامعة المغربية ، أتمنى صادقا أن تتكاثف جهود الفاعلين داخل الجامعة المغربية من أجل القضاء على هذه الظاهرة ؛ أما الإصلاحات الفوقية ، لم تساهم إلا في تقويض الجامعة بدل إصلاحها ، أي يمكننا وصفها بالتخريب الجامعي بدل الإصلاح الجامعي ، لأنها انطلقت من الذات و من برنامج مرحلي ضيق أي أنا و بعدي الطوفان . بل إن هؤلاء الفوقيون طرف في أفول دور الجامعة كمنتجة للمفكرين


عدد التعليقات (4 تعليق)

1

Simo

الحق

لهذا نلاحظ أن تقريبا كل الأطر الشابة التي اشتغلت في الشركة التي اعمل فيها ضعيفة في استيعاب العمل والتجديد التواصل بالفرنسية جيدا اما الانجليزية اكاد اقول الله يجيب.

2020/01/21 - 02:42
2

الامور واضحة انظر الي ما يجرب في الشارع ذالك هو مستوى الجامعة المعرلية

2020/01/21 - 04:23
3

ودود

بنية فوقية متخلفة

لعل المهتم بالوضع الحالي للجامعة المغربية ، سيتبين له حجم الفارق بين ماضيها و حاضرها ...، ماض أنجب مفكرين و فلاسفة ، أمثال الجابري ، الخطيبي ، الحبابي ، المرنيسي ، العروي ، طه...الذين ساهموا في بناء العقل العربي و الإسلامي من خلال إنتاجاتهم الفكرية التي استفاد منها طلابنا و طلاب الضفة الأخرى ...، أما اليوم ، فقد أصبحت جامعتنا تضم أشباه أساتذة همهم الوحيد هو جمع المال و التهافت على المناصب العليا ...، فمثلا لو أخذنا على سبيل المثال أساتذة القانون تجد عقولهم فارغة ، أفرغ من فؤاد أم موسى ، يتاجرون في كتب من تأليفهم ، أو بالأحرى من سرقتهم ...، كتب لا تسمن و لا تغني من جوع ، جوفاء و عمياء ، تكاد لا تعثر فيها على أية قيمة إنسانية ،سواء أكانت نقدية أو فكرية أو جمالية ... ،طريقة تدريسهم تشجع على الغش ، كيف لا و هم من أنصار ( بضاعتنا يجب أن تُردّ إلينا ) .........

2020/01/22 - 04:40
4

B

Bien dit

2020/01/29 - 01:49
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة