بوسلهام عميمر
في الوقت الذي نجد فيه دول الاتحاد الأوربي، وخاصة المتضررة منها كإيطاليا على لسان
رئيس حكومتها جوسيبي كونتي تدعو الحكومات الأوربية للتحرك الفوري بالوقوف بجانب
الدول المتضررة كإيطاليا واسبانيا التي تزحف عليها هذه الجائحة بمزيد من حصد الأرواح،
قبل أن تفقد الشعوب الأوربية ثقتها في الاتحاد الأوربي فينفرط عقده، الذي سبق لبريطانيا
أن دقت المسمار الأول في إسفين مركبته بانسحابها منه، فينهد البنيان على رؤوس الجميع
شعوبا و حكومات.
فأين اتحادنا المغاربي الذي لم يحقق شيئا على أرض الواقع منذ تأسيسه في فبراير 1989
بمدينة مراكش، و الذي تنص مبادئه بالبنط العريض نهج سياسة مشتركة في مختلف
الميادين من أجل تحقيق تكامل بين بلدانه الخمسة. و للأسف تحطمت كل أماني شعوب
المنطقة التي صفقت له يومئذ على صخرة أنانيات حكومات دولة الجوار، التي تعمل جاهدة
في اتجاه معاكسة التاريخ لخلق مزيد من الفرقة بالسعي نحو تثبيت دويلة على المقاس، لا
مقومات جغرافية لها ولا تاريخية ولا بشرية، تأتمر بأمرها وتسبح بحمدها، والنتيجة ما
نعيش فصوله اليوم، كل دولة بمفردها تواجه جائحة كورونا المدمرة التي استعصى
أمرها على الدول العظمى مثل أمريكا و الصين، هذا فضلا عما تعرفه ليبيا الشقيقة التي
يعاني شعبها من جراء الاقتتال الداخلي بالنيابة عن الدول المتصارعة على ما تزخر به
البلاد من ثروات وموقع جغرافي هام. علما فالمغرب احتضن ف2015 أهم لقاء على درب
إنهاء الحرب بين أطراف الصراع برعاية الأمم المتحدة عرف باتفاق الصخيرات أو الاتفاق
السياسي.
وأين هو تعاون دول مجلس التعاون الخليجي لمجابهة هذا الوباء، تأسس في ماي 1981
بناء على ما بين دوله من سمات مشتركة، أبرزها الدين الإسلامي؟ فأين نحن من حرص
الإسلام على حياة أي إنسان بله شعوب بأكملها هي اليوم في كف عفريت( ومن أحياها
فكأنما أحيا الناس جميعا). أليس لهم من الإمكانيات المادية ما يؤهلهم ليكون لديهم أرقى
المستشفيات تجهيزا وعنصرا بشريا، لاستيعاب كل المصابين ليس ببلدانهم وحسب، بل في
كل البلاد العربية بدل ما نتابع فصوله عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي،
من حصار بعض دوله، و دعم هذا الطرف أو ذاك على أرض اليمن الجريح. ألم يكن
الأولى رأفة بهذا الشعب المغلوب على أمره وقف الحرب، لمواجهة داء كورونا القاتل الذي
يأتي على الأخضر واليابس؟ و ما محل جامعة الدول العربية (مارس 1945) وقد مضى
عليه أكثر من سبعين سنة، من إعراب هذه الجائحة التي تنتشر بشكل غير مسبوق، إلى الآن
لا تزال المختبرات العالمية المشهود لها بالريادة في عالم الفيروسات عاجزة عن الإحاطة
بطبيعته و سبر غوره و معرفة طرق انتشاره المهول، فبالأحرى التوصل إلى إنتاج لقاح له
يوقف زحفه الداهم العابر لكل القارات. فأين هو الشعار الذي على أساسه تم تأسيسها من
وحدة المصير العربي و جمع شمله و تلبية طموحات مواطني دولها الاثنان والعشرين
دولة؟
وصولا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بدوله السبعة والخمسين الذي مر على تأسيسها أكثر
من ستين سنة ردا على حرق المسجد الأقصى يومذاك. مقرها الرياض مؤقتا في انتظار
تحرير القدس لتكون مقرها الدائم حسب ما هو مبثوث في ميثاقها. من مهامها تقوية
التضامن والتعاون بين دولها الإسلامية في الحقول الاجتماعية والعلمية والثقافية
والاقتصادية و السياسية. فهل هناك محطة أخطر من هذه أمام هذا الشبح الفتاك لتتحرك
دولها بالوقوف بجانب الدول محدودة الإمكانيات؟ فأين "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه
بعضا" على أرض الواقع الإسلامي، أم هو فقط لتدبيج الخطب العصماء، و تنميق
الحوارات في المناسبات الرسمية، حتى إذا جد الجد فالشعار نفسي نفسي؟
فإذا كانت الجمعية العامة في دورتها الأخيرة، تؤكد على أن مكافحة هذا الوباء المدمر لا
يمكن إلا بالتضامن والوحدة والتعاون متعدد الأطراف، بعيدا عن أي تسييس للجائحة، فلم
لا تكون اتحاداتنا سباقة إلى هذا الأمر، محاولة منها لكبح جماح هذا الوباء الفتاك؟
فلم لا تنهض حكوماتنا إقليميا و عربيا و إسلاميا عاقدة العزم على تنزيل مقتضيات
اتحاداتها، على الأقل في الجوانب المتعلقة بالبحث العلمي والمنظومة الصحية، والاستعداد
الجدي لمثل هذه الجوائح، وما سيترتب عنها من دمار اقتصادي، يتوقع المتتبعون أنه
سيكون أكثر فداحة مما خلفته الحرب العالمية الأولى على اقتصادات الدول.