محمد كريم
منذ ثلاثين سنة، ثمة فرص كانت متاحة سابقا تفرض على الوزارة المكلفة بالمالية باسم الحكومة إيداع قوانين مالية تعديلية ولكن لم يتم استغلالها. ويتعلق الأمر حسب منظورنا على الأقل بالمناسبات التالية : سنة 1999-2000 تم تأجيل خوصصة 35 بالمائة من أسهم اتصالات المغرب آنذاك الى سنة 2001 والتي كانت ستدر مامبلغه 21 مليار درهم ولم يتم توقيف الالتزامات بالنفقة بالرغم من إرجاء العملية لسنة أخرى ولم يتم إيداع قانون مالية تعديلية الشيء الذي أدى الى تراكم متأخرات أداء الخزينة ناهزت 13 مليار درهم في اخر سنة 2000. من يقول متاخرات اداء يقول ببساطة ان الدولة لم تؤدي مابذمتها لفائدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة. كثر هم المقاولات التي افلست سنة 2000. نفس الشيء ينطبق على السنوات التي عرفت تغييرا مهما في الفرضيات التياعتمدها قوانين المالية للسنة من قبيل الارتفاع الصاروخي الى أكثر من 100 دولار للبرميل في سوق روتردام مقابل توقع 60 او 70 دولار في القوانين المالية السابقة حيث كانت الوزارة المكلفة بالمالية تعمد الى تدبير الاعتمادات داخليا وعلى أساس جدول محين يدعى : بيان موارد ونفقات الخزينة، البيان الذي، للتذكير، هذا الجدول ليس له أي سند قانوني في القانون التنظيمي للمالية لسنة 2015 أو السابق. كما أنه لا يوجد مرسوم يبين التصنيف الذي يجب اعتماده في البيان من اجل رفع اللبس في تصنيف العمليات الموازناتية والمالية. وهو المرسوم الذي تتوفر عليه دولا أوروبية كفرنسا و دولا افريقية كدول الاتحاد النقدي لغرب افريقيا. فلا يتم اخبار البرلمان بهذا البيان بحجة ان لا شيء يدعي للقلق مادام التدبير جاريا.
وأما الفرص الأخرى والتي استوجبت إيداع قوانين تعديلية وهي السنوات التي تم فيها تحقيق فائض قيمة المداخيل الجباءية مهمة مقارنة مع التوقع الاصلي. ويتعلق الامر بالضريبة على الشركات والتي تجاوزت فيها المداخيل المتحصلة تلك المتوقعة بفارق 7 مليارات درهم. تخدر الاشارة الى أنه على مستوى الجبايات نلاحظ دوما تحقيق فائض قيمة في أخر السنة وعلى مستوى النفقات، عكس ذلك، نستشف تحقيق توفير او اقتصاد في النفقات. والحال ان الفائض أو الاقتصاد المدعى نتج عن خلل في التوقعات الأولية وليس حقيقيا. ولتثبيت الأفكار وشرح الأسباب فابان إعداد توقعات الميزانية للسنة المقبلة في إطار لجنة الظرفية المالية والتي تضم جميع ممثلي مديريات الاقتصاد والمالية تدلي المديرية العامة للضرائب بتوقعات مخفضة لكي تحصل على فائض قيمة ايجابي في التنفيذ بينما تدلي مديرية الميزانية، خصوصا فئة المعدات والسلع والاستثمارات، بتوقعات مفرطة لكي تبين للعموم اقتصادا أو وفورات في النفقات في التنفيذ. واذا ما سلمنا بأن هذا الفائض أي الفرق مابين التوقع والمتحصل عليه من الضريبة على الشركات هو حقيقي فقد توجب إيداع قانون مالي تعديلي لان الحكومة ليس لها الحق في التصرف في تخصيص الفائض بل كان أجدر الرجوع إلى البرلمان لأخذ رأيه وإذنه.
إن مقتضيات القانون التنظيمي الجديد لسنة لسنة 2015، القانون الذي يجب أن يعدل كذلك، وحتى القانون التنظيمي القديم لا تدفع إلى إيداع قانون مالي تعديلي لان المادة المتعلقة به بقيت فضفاضة ولا تبين لا شروط الإيداع بدقة ولا ميكانيزمات الايداع واضحة مقارنة مع مواد قوانين دول اوروبية كفرنسا او دول افريقية كالنيجر. نتحدث هنا عن النص القانوني وليس عن الممارسة.
وبالمقابل تفضل الوزارة المكلفة بالمالية عموما تدبير التغييرات التي تطرأ في التنفيذ على الميزانية السنوية بشكل سري وداخلي وتفادي الرجوع للبرلمان من اجل ربح الوقت و الجهد. إضافة إلى أنه كما لا يخفى على الجميع أن أدوات اشتغال وزارة الاقتصاد والمالية قوية وبكيفية مركزية والتي تضم توصية أو أمر من الوزير للخازن العام للملكة بعدم أداء النفقات ولو أنها كانت تحمل تاشرة الأمر بالصرف. لكن هذه الأداة في نضرنا تضل عالية التكلفة الاقتصادية لانها تؤدي الى خنق المقاولات الصغيرة والمتوسطة وربما تؤدي إلى إفلاسها وموتها وهي المقاولات بالمناسبة التي تخلق الشغل والقيم المضافة. ان إيداع قانون مالية تعديلي في هذه الحالة كذلك سيمكن من الحفاظ على التوازن الاقتصادي بجانب التوازن الموازناتي والمالي الذي يشغل باستمرار بال الوزارة التي تتكلف بالمالية. ومن
جهة أخرى، يجب التذكير بان التقرير الذي أعده خبير البنك الدولي بيير ميسالي لسنة 2003 و سنة 2007 حول تقييم نضام المالية العمومية للمغرب تضمن مقترح عدم مراكمة متأخرات الأداء ولن يتسنى ذلك إلا عبر تصحيح الميزانية.
ان عدم ايداع مشروع قانون تعديلي للمالية بالبرلمان يجعل الميزانية تنفذ دونما احترام للسياسات العمومية والاختيارات الكبرى التي بلورها البرلمان والأغلبية الحكومية ويفرغ القانون المالي للسنة من محتواه. في نضرنا يشكل ايداع مشروع قانون مالية تعديلي قوة للوزارة المكلفة بالمالية أكثر من انها ضعف لانها ستضع الوزارة في موقف المرفق الذي يشجع ويساعد على قوة البرلمان والديمقراطية. فهذه القوانين التصحيحية معمول بها في عديد من البلدان حيت ان هناك دول تودع قانون مالية تعديلية مرة او مرتين في السنة بشكل سلس. بالمقابل يتوجب على الوزارة الوصية العمل على تجويد معقول للتوقعات الموازناتية لتفادي الاحراج.
وبالرجوع الى جائحة كورونا فقد أبان المغرب في تدبيره على يقظة منقطعة النضير ونضرة استباقية ومحددة لتفادي الاسوا بقيادة جلالة الملك الذي أمر عن عجل بخلق وتعبئة موارد الصندوق الخاص المرصد لأمور خصوصية تحت إمرة وزير الاقتصاد والمالية. وأمام التحويلات الضخمة التي مست فئة النفقات والمعدات للقطاعات الوزارية والنفقات الاستثمارية لفائدة الصندوق تغيرت ملامح قانون مالية سنة 2020 وتأكد أن هناك خرق كبير للفرضيات الأولية المؤسسة للمشروع الأصلي. مرة أخرى، توجب إيداع مشروع قانون مالية تعديلي ولو شكليا.
ان الجانب الخفي الذي ينساه المتتبعون للمالية العمومية وهو انه بموازاة مع تنفيذ قانون المالية تنفيذا موازناتيا من طرف مديرية الميزانية او تنفيذ محاسباتيا من طرف الخزينة العامة للملكة هناك تتبع للحساب الجاري المفتوح لدى بنك المغرب. وهو حساب موحد يتم تتبعه يوميا وأسبوعيا وشهريا وسنويا من طرف مديرية الخزينة والمالية الخارجية. وهذا الحساب وعملياته تتناسب وتتسق مع العمليات التي تدرج في القانون المالي للسنة. بحيث ان كل عمليات القانون المالية التي صوت عليها البرلمان تمر عبر الحساب الموحد. الحساب الذي لا يعرف عنه البرلمان أي شيء.
هكذا يمكن قانون المالية التعديلي من تناسب بين العمليات المدرجة في القانون المالي الأولي أو ان اقتضى الحال القانون المعدل مع العمليات نفسها التي تمر بحساب الدولة المفتوح لدى بنك المغرب وهي العمليات المتعلقة بأداء أجور الموظفين و السلع والخدمات والمقاصة و الدين والاستثمارات ماعدا بعض الودائع التي يمكن أن تقوم بها مؤقتا بعض المؤسسات العمومية كصندوق الإيداع والتدبير أو صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.