منير الحردول
أمام الوضع الكارثي الذي أصبحت تتجه إليه أغلب دول العالم، خصوصا دول الاتحاد الأوربي وباقي الأقطار، كالولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من دول المعمور، بفعل زحف فيروس لامرئي مجهري، كأنه موجه للزحف بلا هوادة وفي صمت رهيب، وقدرة مرعبة على الانتشار، والقتل البطيء والثابت الأكيد، وعجر العلم لحد الآن عن مجابهته، ومجاراة انتشاره و القدرة عل السيطرة على تفشيه السريع، بلا ضجيج ولا إنذار.
وفي ظل عجز الحكومات عن وقف زحفه المخيف، رغم توظيف كل الإمكانات، اللوجستية والبشرية والصحية، وتحريك البوارج الحربية، واخراج الجيوش من الثكنات العسكرية، واستخدام مختلف أنواع وأشكال الأساطيل الجوية! فقط لهدف واحد، ألى و هوكبح جماح هذا الزحف السريع، المدمر للاستقرار النفسي للبشرية، والمحطم للبنى الاقتصادية المنفتحة على اقتصاد السوق، والمهين للأفكار اللبيرالية وأسطورة تفوق الإنسان، وقدرته على التحكم في سيرورة عالم لا مرئي.
هذا العالم المجهري للفيروسات، أصبح يتبختر على العالم المرئي بكل أرياحية، لا مباليا بطبيعة الأسلحة المرفوعة في وجهه، لأنها أثبتت تفاهتها، بعدما لخصت الحرب على هذا الفيروس في واقع اسمه الحجر الصحي، ودخول أزيد من نصف سكان الأرض في أرجوحة اسمها البقاء في المنازل خير ونجاح للجميع، بهدف الهروب من الفيروس المجهري، لا مجابهته لأنه أقوى وأخطر!.
و دخوله في الجسم يعني مزيدا من الزحف والانتشار بلا هوادة.
في ظل هذا و ذاك، تلاشت المفاهيم المرتبطة بالتكثلات الإقليمية والجهوية، وأأمسى التاريخ البشري مهددا بتوالي الأحداث غير المتوقعة!
وفي ظل شدة الخطر، والخوف من السقوط أو الموت المشين، الحتمي، بدأت كل دولة في هذا المعمور تدير ظهرها للدول الأخرى، كما يقع حاليا ببعض الدول كأقطار الاتحاد الأوروبي، بدعوى الخصاص المسجل بها وعدم قدرها على استعاب هذا الكم الهائل، والمتواصل من ضحايا هذا الفيروس، الذي لا يعترف أبدا لا بالتكثلات ولا اللغات ولا القوميات. فهدفه الوحيد هو الانتشار ودخول الأجسام وتدمير خلاياها في أفق تحقيق القتل البطيء المعذب لصاحبه وللأطباء والممرضين والأقارب والأسرة، والمجتمع ككل وهكذا دواليك!
فمثلا التصريحات التي تصدر من حين لآخر من قبل بعض قادة الاتحاد الأوربي، كإيطاليا وفرنسا والمانيا ودول أخرى، والتي أعقبت اجتماعات انتهت بالفشل، بحكم أن كل دولة لها ما يكفيها او أكثر من الإكراهات المرتبطة بالتصدي ووقف زحف هذا الوباء الزاحف، المخيف بأموجه من القتلى في صفوف حامليه الذين يقدر تعدادهم بالآلاف..
ففترة الرخاء لا تعبر عن الوحدة، ولا على التكثلات الناجعة، بحكم أن الرخاء مرتبط بالرفاه المادي فقط، لكن قوة التجمعات تظهر حقيقتها وأهميتها في فترة الأزمات والنكسات، كما هو حاليا مع تفشي فيروس كورونا القاتل!
فهاهي الأنظمة الصحية للدول التي تصف نفسها بالقوية، أظهرت محدوديتها رغم ما يقال عن صلابتها، وهاهي اللبيرالية أبانت عن جبنها في معالجة المعظلات المترتبة عن هذا الوباء الشرس، فالكل بدأ ينظر إلى الأم، أي الدولة المركزية، في تعبير واضخ عن عجز المفاهيم المرتبطة بالخصخصة والمبادرة الحرة، وتحرير التجارتين الداخلية والخارجية، وغيرها من أشكال الحرية المرتبطة أساسا بشعار نفسي نفسي!
كما أظهر تفشي الفيروس تفاهة الصراع على النفوذ وبلادة الحروب في بعض المناطق، فتراجح الاهتمام الدولي بالسياسات الخارجية، وانصب هذا الاهتمام على الانغماس في معالجة خطر يزحف على الجميع دون استثناء، فكانت وسوف تكون النتيجة لا محالة تغيير معالم العالم المرئي، من قبل الكائنات اللامرئية كالفيرسات مثلا.
سبحان الله على طغيان بشر لا يفقهون أن هناك قدرة لا مرئية، قادرة على مسحهم من الأرض بفيروس مجهري لا مرئي هو من عالم يعلمه فقط خالق العالمين المرئي واللامرئي!
ولعا هول الصور والأخبار، التي تتسارع وتتناقلها جل القنوات الفضائية، الأرضية العالمية، حول جائحة انتشار فيروس كورونا، وقدرته المرعبة على الانتقال السريع، والهادئ اللامتوقع، غير المتحكم فيه، رغم الإمكانيات التكنولوجية، والمالية للبشرية جمعاء، والتي كانت تتبجح بها العقول على الدوام، باسم الحضارة والعلم، فقد أضحى هذا التقدم، مقزما وقزما صغيرا، أمام كائن لا مرئي، قاتل لا يرحم أحدا، ولا يعترف بالتأشيرات وجوازات السفر، ولا يعير اهتماما للحدود، الذي أرساها البشر، لعرقلة حركة البشر!
فيروس مجهري، لا مرئي، فرض حالة الطوارئ، في العالم، وخلخل المفاهيم المهيكلة للاقتصاد المعولم، وتحدى تنوع الثقافات، والأعراق والقيم، ليعلن انه هو المسيطر، في صمت بدون حركة، ولا صوت ولا ضجيج، فقط، عبر الانتقال السريع، وتدمير البنيتين العضوية والننفسية لسكان هذا المعمور.
وفي خضم عجز علم العلوم لحد الآن، على كبح جبروت هذا الوباء المعقد والمخيف، تم اتخاذ إجراءات استثنائية، معاكسة تماما للحسابات المالية، والأفكار الاديولوجية المتنوعة. ففرض الفيروس حظرا للتجول، وأغلق الحدود، وأوقف الترفيه والسفر، والرحلات البرية والجوية والبحرية بين دول العالم، بدون أن يكلف نفسه عناء من يقوم بهذه المهمة، لأن الطبيعة، تدفع بمن يتدخل في شؤونها بتحمل مسؤولية ما أقدم عليه، من سلوكات وأفعال ومواقف، واختراعات واختبارات وغيرها، مما أمسى مؤديا لماهية كينونة الوجود البيئي البشري، و الحيا ة المرهونة بالتوازن البيولوجي الدقيق والرائع المرتبط بالأرض!
في مقابل عجز العلم، وسقوط وهم التفوق البشري على المخوقات اللامرئة، يتجه الأنسان للجانب الروحي، ويتذكر في حالة الضعف فقط! أن هناك إلها لهذا الكون اللامتناهي، هذا الإله الجبار قادر بقدرة عظمته، على وقف زحف فيروس لا يرحم أحدا، فيميل الجنس الآدمي إلى الجانب الوجداني الإيماني!، لا لسبب، إلا لأن الموت مخيف، وكأن هذا الموت مرتبط بهذا الفيروس القاتل فقط!
في هذا المصاب، والزحف غير المتوقع، لفيروس شديد الغرابة،حتى في شكله المجهري، لم يبقى لسكان الأرض، إلا الصلاة لله ، كل بحسب طريقتة وديانته، بهد طلب الفرج والمغفرة والتوبة والاقرار بالهزيمة والخجل أمام القدرة الإلهية على الفتك بالبشر بسرعة البرق! فتولد لدى أغلب الشعوب مشاعر ممزوجة بالخوف والريبة الغامضة المؤسسة على الاقتناع بأن التدخل في الطبيعة باسم العلم يعد من الأخطار القاتمة المجهولة العواقب، وقد ينتج عن هذا التدخل، عواقب يجهل خطر نتائجها ومآلاتها المستقبلية على الجميع دون استثناء، مما يجدبنا بقوة المنطق إلى قاعدة مفادها، من يتدخل فيما لا يعنيه يسمع ما لا يرضيه!
الحياة أمل، وأملنا في الله من أجل وقف زحف هذه الجائحة على هذا المخلوق الجبان (الإنسان)، علاوة على الأمل في العقل البشري الذي خلقه الله، في الوصول بسرعة لعلاج لهذا الفيروس المدمر، القادر على وضع حد للجنس البشري برمته!
وبمجرد انتهاء الخوف، وسيادة طبيعة الطبيعة، يعود البشر من جديد للطغيان، وهكذا دوليك. إذ تتجبر الأنا، وتعود الصراعات باسماء متعددة، فتكثر الحروب بمبررات ثقيلة بيد أن جوهرها عقيم بعقم غاياتها المقتصرة على الهيمنة السياسية، الدينية العقدية، الاقتصادية، العسكرية، فيكثر الهرج والمرج، وتتولد الأفكلر العنصرية من جديد وتخرج المفاهيم العرقية من جحورها، فتسفك دماء البشر، أبرياء وطغاة، وتدمر القيم الإنسانية، باسم الاستثناءات أو حماية الأمن القومي، فيعود الجهل، وتنعدم المساواة وتتزايد القرصنة، فينتصر الطغيان لا الإنسان!
وحين يعجز الجميع يعود الجميع إلى السماء، تلك السماء التي بها أمور غيبية لا نراها، لكن وبصيغة الجزم تتأسف على غباء نفاق هذا الإنسان، لسبب بسيط وهو أن الحياة مهما كانت فهي محددة ومحدودة بدقة متناهية للجميع بزمن وواقع اسمه الموت أو الفناء!
يا عقل تعقل ويا ضمير انهض، البشرية أصلها واحد، والموت واحدة، والأرض واحدة، فوضع البشرية بين الطغيان والرحمة السماوية أمران لا يستقيمان!
التاريخ يعيد نفسه، وينتهي بانتهاء أزماته، لكن خلود الأحداث لا يعلو عليها إلا الجاهل، في المقابل الكل يعلم أن المجهول يخيف، ومخيف في عالم، أصبح يخيف الجميع، ويتسابق الجميع فيه لشراء أسلحة تخيف البشر، وتفتك بحياة الكائنات البريئة، التي لا ذنب لها من وفي علم انحرف عن مساره المحمود، في هذا الوجود المليء بالألغاز، والغريب والعجيب بطبيعته وأهدافه!