مريم وكريم
قضى معنا فيروس الكوفيد- 19 إلى حد الآن أربعة شهور و عشرون يوما بالتمام و الكمال، البارحة كنا نرى دخول الكوفيد إلى أراضي مملكتنا أمرا مستحيلا، بل إنه كان حدثا ربطناه ببلد الصين فقط، و لا يعدو أن يكون كغيره من الفيروسات التي شهدها بلدان كثيرة زالت أخبارها ببزوغ أخبار جديدة أهم اكتسحت جميع الصفحات الأولى للجرائد، و شاشات الأخبار و المواقع الالكترونية ...
بالأمس القريب، كنا نظن أننا في حماية تامة تجعل الفيروس بعيدا عنا بعد ما بين السماء و الأرض، و بعد مابين الواقع و الأحلام, حتى أننا كنا نسمع عن كورونا و كأنه قصة أو حكاية من كتاب "ألف ليلة و ليلة"، شاءت الأقدار أن تُضرب جميع توقعاتنا عرض الحائط، فقد زحف الفيروس أوروبا بأكملها و انتقل إلى إفريقيا دون سابق إنذار، تذكرت أول مساء ال02 من مارس عندما سمع المغاربة عن تسجيل أول حالة إصابة لمواطن مغربي كان قد غادر الديار الإيطالية في زيارة للمغرب ، حينها كنت في محل إقامتي، بعد قراءتي للخبر, أحسست بدرجة الحرارة تصعد و تهبط في جسمي بأكمله ...، ليلتها عمت السخرية مواقع التواصل الاجتماعي برمتها وكأننا كنا نحتفي بوصول الفيروس إلينا و أخيرا بعد طول انتظار، في حين كثر الخوف في نفوس البعض، و سارع الجميع إلى محرك "غوغل" للبحث عن أعراض الفيروس و كيفية الوقاية منه، الأمر لم يقتصر عند هذا الحد، بل هناك فئة من المغاربة يشتغلون بمبدأ " مالم تراه العين فهو خاطئ"، حيث فوجئنا جميعا بتكتلات
من الناس رجالا و نساء يقفون أمام مستشفى مولاي يوسف بالدار البيضاء للتأكد من أن هناك سيدا أصيب فعلا بالفيروس ..
سرعان ما تطورت الأمور، فبعد أيام قليلة من تسجيل أول إصابة كنا مازلنا ننتظر أن تظهر حالات أخرى لنعرف الخطوات اللاحقة، سجل المغرب ثلاث إصابات و أربع و خمس و عشر و عشرون، تفاقم الوضع فأصبحت الإشاعة تعم جميع مواقع التواصل الاجتماعي، البعض يدعي أن وزارة الصحة تخفي تسجيل العديد من الإصابات و ترد الحكومة بالنفي، أناس يروجون لشائعات كثيرة جعلت البعض الآخر يأخذ احتياطاته خوفا من العدوى، البعض الآخر وجد الأمر فرصة سانحة للترويج لأعشاب ادعى أنها علاج لكورونا، في حين أنه لا يربطها بكورونا غير الخير و الإحسان و ما جاورهما ...
قبل أن تعتب المملكة المغربية المائة إصابة بالكوفيد، توقفت الدراسة بجميع المؤسسات التعليمية، أغلقت المدارس و الجامعات و لأول مرة قبل أوان العطلة، الكل سارع الزمن للوصول إلى أهله خوفا من جلب العدوى لهم، بعد كل هذا اختار المغرب فرض حالة الطوارئ الصحية، لكن دون جدوى، الكثير من المغاربة مازالوا يرون كورونا مجرد حكاية من كتاب " ألف ليلة و ليلة"، و لم يقتنعوا قط بخبر عم جميع دول المعمور، بعد كل هذا أبان الشعب المغربي عن وعيه ما جعل الكثير من البلدان يحدون حدوه، بعد وسم #بقا_فدارك أو ( ابق في منزلك)، الذي أثبت أن في بلادنا أناس يملكون من الوعي ما يجعلهم دون العرضة للإصابة بالفيروس، حينها صنف المغرب من بين البلدان التي فضلت اقتصادها على شعبها، حيث تمثلت السيناريوهات التي انتهجتها الحكومة المغربية في إغلاق للحدود بأكملها سواء برية أو بحرية أو جوية، أغلقت الأماكن العمومية و المقاهي و المطاعم و الشركات، و حتى المساجد...
عاش المغاربة شهورا من العزل في بيوتهم، و الكل ينتظر الفرج، مدد الحجر الصحي لأربع مرات، بعدما كنا نأمل في كل مرة أن يرفع لكي نعود إلى التجول في الشوارع، و الاستمتاع بنسمات الهواء، و شروق الشمس و بزوغها، غابت عنا ملامح أصدقائنا، و عائلاتنا الذين حرمنا الكوفيد ولأول مرة من عيش لحظة العيد معهم...
أحداث كثيرة مرت دون أن نعيشها, أناس غادروا, و آخرون استقبلناهم في زمن الكوفيد. عاش العالم على صفيح ساخن لم يسبق له أن شهد مثله منذ أن ظهرت البشرية على الوجود...
كل ما ذكرته آنفا هو رد على من يقولون أن كورونا مجرد سياسة، و أنا التي لم أفهم ما الذي يقصدونه بالسياسة بعد, هناك أناس يدعون أن لا وجود لكورونا أبدا بالرغم من كل ما عشناه ولمسناه في الشهور الأخيرة, كنت أظن أن هذه فقط أقوال أناس يملكون فكرا تقليديا, لا يصلح معهم سوى التجاهل , لكني صدمت بوجود أناس أتقاسم معهم نفس البيئة يدعون و يتبنون نفس الموقف هم الآخرون.
إذا كانت كورونا مجرد سياسة فما الذي سيستفيده العالم و البلدان من إغلاق الحدود, و إيقاف السياحة الداخلية و الخارجية, و إغلاق مئات المقاولات و الشركات, و المحلات العمومية و غيرها, ما الذي سيستفيده العالم من تسريح آلاف العمال, و حرمان آخرون من كسب طرف خبز يضمن لهم استمرارية الحياة و لعائلاتهم و لذويهم, أي بلد هذا الذي يضحي باقتصاده من أجل أن يسير على نهج بلدان أخرى جعلها الفيروس تضع يديها فوق رأسها وهي تترقب الخسائر التي مازال يحصدها فيروس لا يرى بالعين المجردة لكنه شل حركة البلاد و العباد و جعلنا جميعا نتساءل كل يوم متى سينتهي هذا الكابوس.
إن هذه النظريات و الأفكار التي تصدر من البعض و طفت على السطح بشكل كبير-من منظوري- لا يمكن تقبلها, فأي دليل هذا الذي نريده لكي يثبت لنا أن كورونا حقيقة و ليست مجرد مؤامرة, إن اكبر دليل هو كمية الأرواح التي حصدتها جل البلدان منذ بداية الوباء إلى حد الآن, و التي مازالت في تصاعد ما دام أن الفيروس مازال يسكن معنا, كم من أحباء دفنوا دون وداع ذويهم, و كم من أرواح أخدها الوباء منا دون سابق إنذار.
إن محاربة الوباء يستدعي منا وعي جماعي, و تحسيس بمدى خطورته, بعيدا عن كثرة القيل و القال. و ما يجب أن نعلمه جميعا أن كورونا وباء قاتل قد يأخذ منا أرواحا أخرى في أي لحظة ما دمنا نستخف به و نعتبره على حد تعبير البعض "مجرد سياسة".