أخبارنا المغربية
من أعظم نعم الله على العبد المؤمن، أن يوفقه لصحبة الأخيار، ومن عقوبته لعبده أن يبتليه بصحبة الأشرار، فصحبة الأخيار توصل العبد إلى أعلى عليين، وصحبة الأشرار توصله إلى أسفل سافلين، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لذلك ليقرب للمسلم مدى أهمية مجالسة الاخيار، وخطورة مجالسة الأشرار.
فعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة ) رواه البخاري ومسلم.
المعنى العام:
يضرب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مثلا يشبه فيه الجليس الصالح بحامل المسك، وجليس السوء بنافخ الكير، وذلك أنَّ الجليس الصالح إما أن يتبادل هو وجليسه ما يعود عليهما بخيري الدنيا والآخرة، فهو المشار إليه بقوله (أن تبتاع منه) وإما أن يكون النصح والإرشاد من جانب الجليس الصالح فقط، فهو يشبه اتحاف حامل المسلك لجليسه من مسكه، وإما ألا يكون هذا ولا ذاك، لكن ينتفع صاحب الجليس الصالح بحال جليسه ويقتفي أثره في صلاحه فتزكو في نفسه محبة الخير، فهو يشبه من شم من حامل المسك ريحا طيبة، أما الجليس السوء، فهو إما أن يصيبك شره، فهو المشار إليه بقوله (أن يحرق ثيابك)، وإما أن تسلم من شره، لكن لا تخلو نفسك من الضيق به والحرج منه، ولا تسلم من ظنة السوء فتخسر ثقة الناس، فهو المشار إليه بقوله (أن تجد منه ريحا خبيثة).
فيه النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما، كما فيه جواز بيع المسك والحكم بطهارته لأنه صلى الله عليه وسلم مدحه ورغب فيه، وفيه أن للجليس تأثيرا عظيما على جليسه بالخير أو بالشر، ولذلك جاء الحث على اختيار الجليس كما في الحديث ( الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ) رواه أبوداود والترمذي عن أبي هريرة، وفيه ضرب المثل لتقريب المواد وتفهيم المعنى.