عبد الجبار الرشيدي: التعديل الحكومي جاء في مسار طبيعي من أجل إعطاء نفس سياسي

مؤسسة تعليمية بطنجة تحيي ذكرى المسيرة الخضراء تحت شعار "رسالة جيل لجيل"

البرلماني شهيد يقصف الحكومة: سرقتم البلاد وتريدون سرقة حتى التاريخ

نبيلة منيب تشيد بمغاربة هولندا وتوجه انتقادات نارية للحكومة

احجيرة: التعديل الحكومي ماشي للترضيات وإنما لتسريع وتيرة البرامج

السعدي: لن ننخرط في الحملات التي تسيئ لوطننا بسبب حسابات سياسية ضيقة

طاقة لا تنضب ـ كيف ستغير تقنية الانصهار النووي وجه العالم!

طاقة لا تنضب ـ كيف ستغير تقنية الانصهار النووي وجه العالم!

دويتشه فيله

بتمويل ما لا يقل عن سبعة أطراف دولية، دخل المفاعل التجريبي الفريد من نوعه في العالم بمركز البحوث النووية في جنوب فرنسا مرحلة حاسمة، بتجميع الخبراء لأجزائه الأولى. مشروع عملاق سيدخل البشرية في عالم ما بعد البترول.


شمس اصطناعية ـ حل جذري لمشاكل الطاقة والمناخ

لا يزال مئات الباحثين الدوليين في جنوب شرقي فرنسا يعملون على تشييد مفاعل تجريبي، فريد من نوعه في العالم، لإنتاج الطاقة الكهربائية "إتير" باستعمال تكنولوجيا بالغة التعقيد تعتمد على الانصهار أو الاندماج النووي. ويحاكي المشروع عملية إنتاج الطاقة في الشمس والنجوم. وإذا نجح هذا المشروع العملاق، الذي يلتهم مليارات اليوروهات، فإنه سيعبد الطريق لحل مشاكل الطاقة في العالم ومن يدري، فقد يصبح مفتاحا سحريا لحل مشاكل البيئة والمناخ. ففي الثامن والعشرين من شهر يوليو/ يوليو 2020، بدأ الخبراء بتجميع وتركيب أجزاء المفاعل الذي يسعى لإعطاء الدليل العلمي القاطع بإمكانية خلق شمس اصطناعية قابلة للتحكم فوق كوكب الأرض، وبالتالي إنتاج طاقة نظيفة وفيرة، بتكاليف معقولة ورفيقة بالبيئة.

وفي تلك المناسبة، اجتمعت شخصيات بارزة ممثلة للدول المشاركة في "إتير" فعليا أو افتراضيا، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في بلدة كاداراش للاحتفال ببدء تجميع نواة المفاعل، فيما يعتبره الخبراء أكبر مشروع علمي من نوعه في العالم. المشروع تشارك فيه سبعة أطراف دولية أساسية وهي الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، روسيا، الصين، اليابان، الهند وكوريا الجنوبية، في إطار معاهدة دولية تم توقيعها من قبل ما لا يقل عن 35 دولة عام 2006. وبهذا الصدد كتب موقع "إم.دي.إير. فيسن" الألماني (28 يوليو/ تموز 2020) أنه "تم قطع أول خطوة كبيرة لإعادة بناء الشمس على الأرض. خطوة طموحة وحاسمة للغاية، وبغض النظر عن "إتير"، فالشمس تساعدنا بالفعل على توليد الكهرباء والحرارة، مما يدل على أن قدرًا كبيرًا من الطاقة مصدره مركز نظامنا الشمسي".

أمل توليد طاقة نظيفة من مصدر دائم متجدد

خيار الاندماج النووي قد يسهل على البشرية التخلي نهائيا عن الطاقة الأحفورية كالنفط أو الفحم ذات الانبعاث الكثيف لثاني أكسيد الكربون. ويمكن لاندماج الهيدروجين أن يحل أيضا مكان الطاقة النووية كما تنتجها المفاعلات الذرية التقليدية. فإذا كان انشطار الذرة ينتج نفايات مشعة لعشرات الآلاف من السنين، فإن اندماج الهيدروجين لا يولد نفايات طويلة المدى. ومن مزايا المفاعل الجديد هو أن الوقود اللازم لهذا الاندماج يستخرج من الماء والليثيوم المتوفران بشكل كبير.

المفاعل العملاق سيسمح بإعادة اندماج الهيدروجين الذي يحدث بشكل طبيعي في قلب الشمسوالنجوم. عمليا، سيتم الحصول على هذا الاندماج عبر توليد حرارة تصل إلى 150 مليون درجة في مزيج بين اثنين من نظائر الهيدروجين الذي يتحول إلى بلازما. وبهذا الشأن أوضحت عالمة الفيزياء الألمانية أورسيل فرانتس من معهد ماكس بلانك في غارشينج بالقرب من ميونيخ، لموقع "إم.دي.إير. فيسن" أن "هناك أساليب تسخين مختلفة وإحداها تسمى (تسخين الجسيمات المحايدة). هذا التسخين المحايد للجسيمات هو ما يمكن تسميته بعود الكبريت الذي يشعل نار الاندماج. عملية الإشعال هذه تتم مرة واحدة لتعمل بشكل متواصل دون انقطاع، إلا إذا تم إطفاء المفاعل. وهذه صفة تميزه عن المفاعلات النووية التقليدية".


تجميع وبناء المفاعل سيستمر لغاية 2024

في الأشهر الأخيرة، تم الانتهاء من صناعة مكونات الجزء الرئيسي من المفاعل التجريبي المسمى "توكماك" Tokmak  بعضها يصل ارتفاعه إلى مبنى مكون من أربعة طوابق وتزن عدة مئات من الأطنان، تلك الأجزاء تم تصنيعها في الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا. وسيصل وزن جميع المكونات، حين انتهاء تصنيعها إلى ما لا يقل عن 23 ألف طن. مكونات ذات أبعاد فرعونية بكل معاني الكلمة، فأكبر مغناطيس في المفاعل الذي سيولد التيار الكهربائي من البلازما، يمكن أن يرفع لوحده حاملة طائرات بأكملها.

وتصل المكونات الأخرى تباعا، وفق جدول زمني دقيق، إلى أن تكتمل كل القطع من هذا المركب التجريبي الضخم، في عملية ستتمر حتى عام 2024 في ورشة يعمل فيها ما لا يقل عن 2300 شخص.

محاكاة الشمس ـ تكنولوجيا تفتح آفاق الألفية الثالثة

وتتركز الأبحاث على الأساليب المختلفة لتسخين البلازما والتحكم فيها باختبار مختلف التركيبات الشاملة لاحتضان مادة التريتيوم ومعالجتها. المفاعل يعمل على احتراق البلازما، على أن تكون قوة الاندماج المكتسبة أكبر بعدة مرات من طاقة التسخين المستخدمة. "إتير" سيجهز بلفائف مغناطيسية فائقة التوصيل. ووفقًا للخطة الحالية، فسيتم إنتاج بلازما الهيدروجين انطلاقا من ديسمبر/ كانون الثاني عام 2025.

ويعمل "إتير" بمبدأ توكاماك، حيث تولد لفائف تلتف حول وعاء فراغ دائري، مجالًا مغناطيسيًا قويًا في (المجال "الحلقي" أو "الدائري". بعدها يتم إدخال حوالي غرام واحد من غاز الديوتيريوم-التريتيوم في الوعاء، ويتم تسخينه ليصل إلى حالة البلازما. تتحرك الإلكترونات والأيونات في مسارات حلزونية ضيقة حول خطوط المجال المغناطيسي. وتحمل النيوترونات السريعة المنبعثة أثناء تفاعل الاندماج حوالي 80٪ من قوة الاندماج خارج البلازما. تحدث نسبة 20٪ المتبقية من قوة الاندماج كطاقة ارتداد لنواة ذرة الهليوم -4 المنتجة في التفاعل، والذي يتم إطلاقه في البلازما ويساهم بشكل كبير في تسخينها.

ميزانية عملاقة تتجاوز 20مليار يورو

كما ذُكر أعلاه، يمكن لمفاعل "إتير" إنتاج أول بلازما بحلول نهاية 2025 أو بداية عام 2026، على أن يعمل بطاقته الكاملة في عام 2035، كمفاعل تجريبي، مهمته ليست انتاج الكهرباء فعليا. ويجب انتظار عام 2060، في أحسن الأحوال، لربط الشبكة الكهربائية بمفاعل اندماج مماثل لـ"إتير". ولتوليد الكهرباء ستستعمل هذه المفاعلات المستقبلية الحرارة الناتجة على جدران "توكاماك" الخاصة بها عن طريق قصف النيوترونات المولًدة من الانصهار. وسيتم إجلاء هذه الحرارة عبر شبكة مياه مضغوطة التي تتحول بدورها إلى بخار يعمل على تحريك توربينات ضخمة مولدة للكهرباء. وقد واجه المشروع صعوبات في التنفيذ خلال السنوات الماضية، غير أن أكثر من نصفه تم إنجازه الآن.

وإذا ما تم رُبط "إتير" بشبكة كهربائية عند الانتهاء من بنائه، فلن ينتج سوى 200 ميغاوات من الكهرباء على الأكثر، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية حاجات حوالي 200.000 منزل. أما المفاعلات الاندماجية في المستقبل فستكون قادرة على انتاج البلازما كافية لتزويد مليوني منزل بالكهرباء دفعة واحدة، بتكلفة بناء مماثلة للمفاعلات النووية التقليدية.

الانصهار الذري بدلا من الانشطار النووي

عمليات الانصهار أو الاندماج الذري أعقد بكثير من الانشطار النووي، وتتطلب التجارب بناء "توكاماكات" كبيرة وبالغة الفعالية. وكلما كبر حجم المفاعل، واجه المهندسون والخبراء ظواهر جديدة، يجب التأقلم معها وتعلم كيفية ضبطها. ويواجه المفاعل "إتير" تحديات تجريبية  للمبادئ الأساسية للفيزياء النظرية، فعليه الإبقاء على استقرار البلازما عند مستويات حرارية لا يمكن تصورها، تصل إلى 150 مليون درجة. عملية التسخين التي توصل الغاز إلى درجات حرارة قصوى تجعل من البلازما الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تحدث فيها تفاعلات الاندماج النووي.

غير أن "إتير" لا يزال يواجه عددا من التحديات العلمية والتكنولوجية، أولها يتعلق بموارد التريتيوم، وهو عنصر غير موجود في الطبيعية وسيتم اختبار إنتاجه داخل المفاعل نفسه، أما التحدي  الآخر فيتعلق بمقاومة جدران المفاعل. لأن تفاعل الاندماج بين الديوتيريوم والتريتيوم ينتج تدفقًا من النيوترونات عالية الطاقة، والتي لا تستطيع أي مادة معروفا حاليا مقاومتها. النيوترونات ستقصف جدران غرفة التفاعل وتهددها بالتالي بالانهيار. ولذلك يتم بناء مجال مغناطيسي في المفاعل يفرض على الجزيئات السباحة في الفراغ. لكن ليس من الواضح بعد، عما إذا كانت التجربة ستكلل بالنجاح.

موقع "دويتشلاند نوفا" الألماني (الثالث من أغسطس / آب 2020) نقل توقعات المدير العام لمشروع "إتير" برنارد بيجوت، أكد من خلالها أن مفاعلات الاندماج لن تكون قادرة على انتاج الطاقة بشكل تجاري إلا بعد 30 عامًا على الأقل. يذكر أن اتحاد الأوروبي يسعى أن يعمل كليا بالطاقات النظيفة بحلول عام 2050.

حسن زنيند


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات