محمد حسيكي
الانسان والحيوان والنبات والجماد، أجناس مختلفة من الحياة الكونية على كوكب الارض التي تدور حول نفسها دورة قمرية من الفضاء، ودورة شمسية من السطح، الذي يعيش فيه الإنسان من فضاء شمسي يستظل فيه من اليوم الفضائي ليلا، ويستمطر منه خلال الموسم من الفضاء مطرا، تحيا فيه الارض من دورة موسمية سنوية بالنبات الذي يعيش عليه الانسان والحيوان، وكل الأحياء التي يحييها الخالق من الماء بالأرض، الى أن تنتهي من بلوغ الأجل .
والأحياء من الماء والأرض من نبات وحيوان وإنسان، منها الأليف وهو ما ينفع في التغذية لبعضه البعض، ومنها غير الأليف وهو ما يفتك بعضه بعضا .
والإنسان في حياته يتغذى على النباتات الأليفة التي تنفع الجسم البشري، ويتجنب السامة والتي لا يستسيغها من الذوق أو الرائحة أو عدمها، وكذلك الحال عند الحيوان .
وإن كان الإنسان يعيش مع الأليف من الحيوان، فإنه يروض غير الأليف للتعايش، وخلق أجواء من الألفة، على سبيل المرح والشراكة من العيش المكتسب بالألفة .
ذلك هو حال الواقعة التي جمعت الإنسان والحيوان من ترويض على العيش المشترك، انتهى إلى علاقة غير مألوفة بينهما .
الإنسان :
الإنسان جنس بشري عاقل يجمعه مع النبات والحيوان الحياة من الماء، وهو ذو طبيعة اجتماعية أليفة تربطه علاقات ألف مع الحيوان من شراكة العيش من النبات، بينما دخل الإنسان الى جانب الحيوانات العاشبة في صراع مع الحيوانات الغير العاشبة، والفتاكة على حياتهما .
ومن ذلك الصراع تقوى الجانب الأليف على الجانب المتوحش، الذي طرد بعيدا عن حياة الألفة من الطرفين، ومن الطرد سكن المتوحش الغابة، وخرج الأليف منها .
لكن شغف الإنسان بنشر حياة الألفة من الكوكب الأرضي، جعلته يعيد الاعتبار إلى الحيوان المتوحش، ويخصه بمحميات من الغابة، بل أضحى يقربه من الحواضر من حدائق خاصة، يحظى فيها الحيوان على وحشيته وألفته، من الإنسان بالإقامة اللائقة من الرفق والعيش الكريم المراعي لخصوصيات البيئة والحظوة بالرعاية البيطرية، والزيارة الودية التي تملأ النظر ألفة عن حياة الغابة والصراع من عهد بعيد .
الحيوان :
هو جنس احيائي أبكم ذو صوت صاح أو فحيح غير أصم من السمع مختلف عن الإنسان المتكلم، منه من يحلق بالجناحين و يمشي على الرجلين، أو يمشي على الرجلين ويلوح بالجناحين، ومنه من يمشي على أربع، ومنه من يزحف قفزا على رجليه، أو سابحا على بطنه .
والأليف من الحيوان يقترب من الإنسان ويعيش معه، بل ويعتمد في عيشه على الإنسان، بعد أن افتقر إلى العيش من افتقار الطبيعة .
وأغلب الحيوانات التي تعيش مع الإنسان عاشبة، بينما الحيوانات الغير الأليفة تعيش بعيدة عن الإنسان، في معزل واحتماء من الطبيعة، ومنها القردة .
القردة :
اسم المفرد قرد يمشي على الرجلين ويجري على أربع، وهو حيوان غابي يجمع بين الألفة والقبح السلوكي خفيف الحركة والنظرات من المرح كثير التسلق من أشجار الغاب، يأخذ بإعجاب الإنسان من الطابع المرح الذي يتفرد به .
وقد انشغل المفكرون بسلوكياته التي تلبي رغبة الإنسان، ووصل بهم الفكر إلى تناسب سلوكه مع سلوكيات القبح في الإنسان .
حتى أصبح الإنسان ينعت سلوكيا بالقبح من القردة، وأصبح القرد يعير من الملائمة سلوكا مع الإنسان .
وفي المغرب يوجد نوع من القردة من جبال الأطلس، ألفت رؤية الإنسان حين إطلالة وصوله إلى أماكن تواجدها، وأصبحت تقترب منه تقتات من يده ولا تؤديه، وإن اعتدى ناصبته العداوة من سلوكها .
غير أنها حين تبتعد عن بيئتها ومحيط عيشها وتصبح في يد الإنسان، فإنها تكتسب منه سلوكا آخر تتجاوب معه وتسمع منه ما يروضها عليه من الحياة على الألفة، ويكيفها على التعايش مع المألوف، مما يجعلها شبه أليفة وراضية من الترويض، يطعمها من المأكل والمشرب، وينظم أوقات برازها وتنظيف جسمها، واعتيادها على الاستقرار جانبه والألفة معه .
الغابة من المرعى وبيت المأوى :
الغابة أراضي عذراء بعيدة عن الأيدي البشرية أو تضاريس جبلية من البرية، تكسوها النباتات والأشجار المطرية، ترعى منها الحيوانات العاشبة التي يرعاها الإنسان، وتتخذ منها الحيوانات الغير الأليفة مأوى بعيدا عن الإنسان، تستظل من أشجارها، وتقتات من صيدها للطرائد التي تحتاج اليها .
ومن حيوانات الغاب القردة التي تعيش على العشب، وتحتمي من الأخطار حين التسلق إلى علو الأشجار وفروع الأغصان، من الفزع وخفة الجسم .
وذات يوم خرج أنس بقطيع الماشية من الضأن والغنم، نحو المرعى من الغابة، حيث يقضي اليوم منشغلا مع القطيع الذي يعتمد على التغذية من نبات الطبيعة، يسلك به مناطق العشب، ويحترس في تنقلاته من وسط الغابة بالكلاب الأليفة، المدربة على الحراسة اللصيقة مع القطيع .
ومن المصادفة العجيبة في ذات اليوم من عمله المعتاد، أن وجد صغيرين متآلفين من القردة في جحرهما مختبئين خوفا من الأخطار، فالتقطهما صيدا طريا وراح بالقطيع الى حظيرته، منتشي من الفرحة مسرورا.
كان القردان الصغيران لا يزالان في سن الرضاع، فأضحى يقوم بحلابة الضأن، ويعمل على إرضاعهما كما يلطف من حالهما بالمسح اليدوي على جسمهما، والمداعبة المرحة معهما، بعد امتلاء بطنهما حليبا كلما عاد إلى البيت، إلى أن أصبحا قادرين على الأكل، وبدأ يطعمهما ويأويهما بالاحتضان، كما يروضهما على التنشيط والاستئناس مع أهل البيت مرحا، إلى أن أصبحا شريكين ودودين من البيت والعائلة .
وخلال فترة الحضانة من البيت، تعرض رهط من القردة لوعكة صحية، استعصى على الأسرة ايجاد العلاج لها، إلى أن انتهت الوعكة بفقدان القرد المريض حياته، مما خلف أثرا عميقا في نفس الأسرة، والقرد الشقيق الذي بقي وحيدا كئيبا، حيث فقد الكثير من المرح والأنس مع شقيقه في الحياة .
أنس والقرد :
بعد أن عاش القرد انتكاسة العزلة من فقدان شقيقه، فكر أنس أن يصحبه معه وقت الرعي بعد أن هيأ له ربطة عنق توثق الصحبة بينهما من التجوال بالرعي من وسط الغابة، مما جعل القرد يسترد عافيته من العزلة، ونشاطه الأليف مع صديقه الراعي .
وكذلك استمر الحال من علاقة الود والمصاحبة الأليفة بين الطرفين، إلى أن ارتأى أنس الهجرة من البادية إلى المدينة، وأن يستثمر علاقته مع القرد في كسب المعاش اليومي من وسط المدينة، في إطار الاشتغال على حلقة فرجة من الألفة، التي يستمتعان بها مع بعضهما، ويمتعان منها الساكنة الحضرية في أجواء من الفكاهة، والمداعبة بين الجنسين المختلفين والمتآلفين .
كان الأليفان من الإنسان والحيوان يشتركان الأتعاب من يومية الشغل بينهما، يقصدان المأوى من البيت الحضري منهكين من العمل لا يفكران إلا في تناول لقمة عيش والخلود إلى النوم، عسى أن يستطيعان استئناف العمل من الغد .
كان أنس شديد الاهتمام بالقرد الذي خلصه من حياة الرعي والغابة، بينما كان القرد يرى أن تلك الحياة فقدته حياة الزهو الحر من طبيعة الغابة، وفقدان أمه وشقيقه الأنيسان اللذان لا يعوضهما شيء من الحياة .
وهكذا كان يقوم أنس وقرده المحبوب بجولات بين القرى والمدينة، يعيشان من حياة المرح مع بعضهما التي يقدمانها إلى جمهور المتفرجين، في أجواء محاكاة ثنائية لا تخلو من المداعبة الشيقة، وأخذ العطايا المادية والغذائية من المتحلقين .
أنس والمؤثرات السلوكية :
خلال حياة التجوال بين أنس مع القرد في إطار العيش على حلقة الفرجة المتنقلة، ألف حياة التسكع وتعاطي المخدرات التي تدفع إلى العزلة ونسيان الذات من الحياة الشاردة، التي تبعد الإنسان عن الحياة الطبيعية والأجواء الاجتماعية السليمة الطوية من الوسط العام
وهكذا سمع أنس من حياة التجوال بالمناطق التي يمكن أن يجد فيها ضالته النفسية، من المنشطات التي ينشرح بها بعد أن يكي نفسيته من سمومها، حيث تنفرج من تعاطيها أجواء كربته وضائقة نفسه، من حياة السأم التي يعيشها رفقة قرده الأليف .
ومن تم أخذ الطريق وجهة المنطقة مقصد عشقه الذي ينشده، تارة يركب الحافلة القروية، وتارة يحمل القرد على كتفيه ويقطع المسافات على قدميه، إلى أن وصل منطقة العشب الأخضر، وفيها وجد راحته، وراح يعبق من عبيقه، لا فرق عنده في ما يبوخ من الدخان بين مليح وفاقد للطيب، يطوف ويجول ولا يريد مفارقة المكان، الذي وجد منه مأوى لشخصه، والقرد الأنيس لوحدته .
نهاية الألفة من مؤثرات الآفة :
طال مقام أنس من المكان الذي وجد فيه متعة نفسيته، التي تسممت من الإفراط في التدخين، حيث كان يقدم الفرجة صحبة القرد متجولين من قرى ودواوير المنطقة من طبيعته البدوية، واكتسب معارف وصداقات وتعاطف الساكنة، الذين وجد فيهم ما يعوض الفرقة عن أهله وطبيعة بلده، التي يصاحبه منها قرد أليف، حل من حياته محل قريب وأنيس من بيئته وعشيرته .
ومرة ظل أ نس في السوق الأسبوعي، يشتغل وقرده طيلة النهار، إلى أن تفرق جمع السوق وراح الكل إلى مأواه، وكذلك الحال عند أنس، الذي تسوق ما يخصه من المنشطات التي تنسيه في هموم الحياة، وتعب التجوال والوحدة في الحياة الشقية، من المعاناة التي جرته إلى حتف غير معلوم .
راح أنس وقرده إلى بيت الوحدة الذي يجمعهما، واشتغل على تقطيب العشب وقصه على لوحة التوضيب، كي يغذي نفسه، وهي أولى من جوع بطنه، وبطن القرد أليف عشرته .
راح تلك الليلة أنس يبوخ الدخان على بطن فارغة، منهكة من التنقل والتجوال، وكذلك القرد الذي بات على الطوى، بعد أن غالب التعب بالنوم أنس، والقرد لم يدق طعم النوم من الجوع .
وفي حلكة من الظلام ونوم عميق من أنس، قام القرد بإمساك السكين الخاص بقص العشب، وأتى به على عنق مروضه، دون أن يدري أي منهما هول الفاجعة المميتة .
وغداة الصباح وحين يقظة الساكنة وخروجهم إلى أغراضهم اليومية، فإذا بهم يرون القرد يتجول والسكين محمول بيده .
وحينها علا الصياح طلبا للإغاثة، والاطلاع على الفاجعة، بل وهرع السكان نحو مقر السلطة للحضور ومعاينة الواقعة .
وحين حضور رجل السلطة وأعوانه من الجماعة، وقفوا مشدوهين على هول الواقعة، وكيف يعقل أن تنقلب الألفة إلى فاجعة .
عندها طلب رجل السلطة متطوعين من الجماعة، لهم القدرة على المصارعة لنزع السكين من يد القرد .
الحلقة الاخيرة من حياة القرد :
هي حلقة واقعة حية من مواجهة دائرة العراك، دخل فيها اثنان من المتطوعين يحملان هراوة المطاردة، كل من جهته والقرد حاملا السكين، بينما الحلقة العريضة تطوق القرد بإعلاء الصياح والتشجيع، لرفع الحماس البشري في مواجهة القرد .
واستمر التلويح والتهديد بالضرب من المطاردين بالهراوات، والقرد يعلي السكين في وجههما ويكسر أنيابه لافتراسهما، يقفز من هنا ويواجه من هنا، والمطاردة سجال بين الأطراف المتصارعة، وأجواء الخوف والوعيد تسيطر على نفسية الجميع من إنسان وحيوان .
وهكذا استمرت المواجهة أشواطا بين الأطراف إلى أن تصيد الإنسان الضربة القاضية على القرد التي أردته قتيلا، من جريمة اقترفها بسكين أودى به، وأودي منه .
التشريح الطبي :
من النهاية المفجعة لهاته الواقعة التي أنهت حياة أنس مع قرده، تم نقل جثة أنس، مصحوبة بجثة قرده إلى مصحة التشريح لمعرفة أسباب الواقعة .
وبعد التحليل الطبي لجثة القرد، تم الكشف عن سبب الجريمة، إذ اتضح من التشريح وجود معدة القرد خالية من الطعام، وأن سبب الواقعة يعود إلى ترك أنس من تأثير المخدر القرد جوعانا يبيت على الطوى، وأن إهمال أنس إخفاء السكين بجانبه عن أعين القرد من حالة غرق في النوم ، دفع القرد إلى ارتكاب الجريمة حين بات يتدور جوعا .
وهكذا ينجلي من الألفة بين الإنسان والحيوان، أنها تنتهي حين تنتفي معاملة الألفة وانعدام الرفق، إما هروبا أو صداما يجري على أرضية الواقع .