بوسلهام عميمر
ترى لو تم تفعيل مبدأ الأخذ مقابل العطاء في المجال السياسي، وتم قياس التعويضات
والامتيازات ما يظهر منها وما يخفى بالمردودية، كما هو الحال في المجال التجاري
أو الصناعي أو الفلاحي أو في المجال الرياضي خاصة، المبني أساسا على الإنجاز
الملموس على أرض الواقع داخل الميادين، والخاضع للقياس والمعيرة، فماذا سيكون مصير
جل سياسيينا؟
فلو تم التعامل مع السياسيين كما المجالات الأخرى وفق دفتر تحملات واضح المعالم، كل
نقطة فيه خاضعة للحساب والضبط والقياس، لا مجال فيها للمناورة "غير طبل أو علق
الطبل"، فهل يُتصور أن يبقى التهافت على السياسة من طرف كل من هب ودب على أشده؟
إنها اليوم في غياب المحاسبة الحقيقية والدقيقة أصبحت مهنة لمن لا مهنة له، و أنها أقصر
سبيل للاغتناء بدون عناء؟
أليست السياسة لعبة فيقال "اللعبة السياسية"، فلِم لا نأخذ قوانين أية لعبة ونحتكم إليها في
الحقل السياسي، ابتداء من اختيار المدرب الكفء إلى انتقاء اللاعبين الذين يتشرفون بحمل
قميص الفريق، بناء على الكفاءة والمهارة والقوة البدنية وتحقيق النتائج على أرضية
الملاعب. لا مجال فيها للادعاءات الزائفة والوعود المضللة. إنه مصير الفريق لا يمكن
بأية حال الرهان على الأحصنة الخاسرة. و حتى لما يشتد الوطيس فعين المدرب و
مساعدون على أداء كل لاعب، فلا يترددون لحظة لتعويض كل من يرون أن الفريق
سيؤتى من جهته. فهل الأوطان أقل قيمة من الملاعب؟
رغم الانتكاسات التي تتكررعلى أكثر من صعيد، و رغم الأداء المتدني لعدد غير قليل
ممن يركبون أي مركب للوصول إلى كراسي المسؤولية "الغاية تبرر الوسيلة"، ورغم
الكوارث التي تنجم عن سياساتهم التدبيرية إن على المستوى المحلي بالمدن أو القرى أو
على مستوى تدبير الشأن العام، مع ذلك فلا أحد منهم يبادر للاعتراف بعدم أهليته أو بنفاذ
ما بجعبته ويترك المجال لغيره يمكن أن ينهض بالمهمة المنوطة به. ففي حق هؤلاء
المفروض "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". والأدهى كيف تسمح لهم أنفسهم
بالحصول على تعويضاتهم كاملة مكمولة، بل ويناضلون بشراسة من أجل المزيد، بدل
النضال من أجل مصالح من صعدوا على ظهورهم فتقلدوا المناصب ونالوا المكاسب.
ترى لو تم تقييم كل مسؤول عن أدائه برلمانيا في مجال تشريع القوانين ومراقبة عمل
الحكومة، أو وزيرا أو رئيسا جماعيا أو نائبا مقارنة بما يأخذه من مال الشعب وما يخول له
من امتيازات، فهل نصل إلى العتبة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين والوسط. لعل حال
مدننا وقرانا يغني عن الإجابة، فهل يمكن العثور على واحد خلق المفاجأة وجعل مدينته أو
قريته نموذجا تكون في مستوى الانتظارات.
في عز الأزمة التي أحدثتها جائحة كورونا مست شرائح عريضة من المواطنين ولا تزال،
نجد سياسيينا الأشاوس منشغلين بالدفاع المستميت عن معاشاتهم ومصالحهم، ليبصم عليها
السيد "البيليكي" بغزوته التاريخية المعروفة تحت قبة البرلمان، سار بذكرها الركبان ولا
أعتقد أنها ستنسى يوما.
ألم تكن هذه الجائحة فرصة ذهبية لكل السياسيين بمختلف أطيافهم، ولو من باب البراكماتية،
ليظهروا ارتباطهم بالفئات الهشة، بالتنازل عن جزء من الامتيازات لصالحها، و يبيضوا
وجوههم خاصة و الانتخابات على الأبواب، حتى إذا جد الجد يجدون ما يقدمونه للمواطن
من أفعال ملموسة وليست أقوالا لا أساس لها على أرض الواقع. ألا يعرفون أن مواطن
اليوم مع الثورة التكنولوجية غير مواطن أمس؟
أستغرب للحكومة الحالية بقيادة العدالة والتنمية الذي يتحدث عن ولاية ثالثة. ماذا بقي له في
جرابه يقدمه للمواطن، هذا إذا سلمنا أنه قدم له شيئا، أو بالأحرى ما الذي بقي له لم يجهز
عليه؟ لم يكفه ما لحق بالموظفين برفع سن التقاعد و الزيادة في الاقتطاعات و تقليص
التعويضات، نسمع هذه الأيام عن إعداد قانون للرفع من نسبة الاقتطاعات من أجل
الصندوق الصحي، (الطامع فالزيادة رد بالك من النقصان) نأمل أن لا يكون الخبر صحيحا.
ترى ماذا سيكون مصير الحكومة لو تم تفعيل قانون المحاسبة وفق معادلة الأخذ و العطاء،
أمام العجز عن محاربة الفساد. فأين شعار "اعطيونا أصواتكوم وخليونا منا ليهوم" الذي
رفعه رئيس الحكومة السابق، و أمام العجز عن ابتكار سبل خلق الثروة والتخفيف من حدة
البطالة و تعويض حقيقي للفئات المتضررة من جائحة كورونا؟