عبدالسلام لعريفي
تأتي هذه الورقة، في ظل النقاشات التي رافقت تنزيل آليات الديمقراطية التشاركية على المستوى الواقعي، من خلال تجارب ميدانية/عملية بمختلف الإشكالات التي طرحتها، ومن ثم مساءلة خيار البعد الديمقراطي التشاركي كأساس للنظام الدستوري للمملكة الذي نهجه دستور فاتح يوليوز لسنة 2011، في عملية صنع السياسات العمومية وتتبع تنفيذها وتقييمها.
لذلك تسليط الضوء على هذا الموضوع، بجد أساسه ومبرره الموضوعي، في محاولة تقديم بعض الأجوبة لهذه الإشكالات التي أبانت عنها الممارسة التطبيقية، وذلك بالتزامن مع انعقاد الاجتماع الأول للجنة التنسيق المشتركة بين الحكومة والبرلمان بخصوص تعديل القانونين التنظيمين المتعلقين بممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية وتقديم الملتمسات في مجال التشريع.
وفي هذا الإطار، سنركز قدر الإمكان على بعض جوانب الإصلاح والتطوير، التي يمكن من شأن اعتمادها أن تساهم في بناء منطق تشاركي حقيقي، يتيح الفرصة للمواطنين والمجتمع المدني بشكل فعال في إعداد السياسات العمومية وتتبع تنفيذها وتقييمها، تماشيا مع رغبة المشرع الدستوري في إطار الوثيقة الدستورية لسنة 2011.
يمكن التركيز عبر هذه الجوانب على ثلاثة أبعاد أساسية: البعد الأول قانوني، يجد أساسه في كون القواعد والشروط الحالية المنصوص عليها في القوانين المتعلقة بالديمقراطية التشاركية في مستوياتها الوطنية والترابية، تعتبر من بين المسببات التي تحول دون مشاركة حقيقية وبالتالي تطرح إشكالات عملية، لذلك ينبغي التركيز في سبيل تعديلها على ما يلي: إعطاء الحق لمجموع المواطنات والمواطنين في تقديم الملتمسات والعرائض دون شرط القيد في اللوائح الانتخابية أو شرط آخر من هذا قبيل، إعمال التوقيع
الإلكتروني، توضيح صريح لمفهوم المصلحة العامة كشرط لقبول الملتمس أو العرائض، فتح خلية بالديوان الملكي لتلقي العرائض والملتمسات، إعطاء الحق لمقدمي العرائض من اللجوء الى مؤسسة الوسيط أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو القضاء المختص في حالة عدم قبول العريضة، كما يجب على المستوى الترابي أن يتم توسيع موضوع العرائض المقدمة في هذا الإطار لتقتحم التدبير العملي، عوض الاكتفاء بالمطالبة بنقطة في جدول أعمال ربما ينتهي بها الأمر في سلة المهملات..
أما البعد الثاني تأطيري، يتمثل أساسا في بذل مجهودات مضاعفة في سبيل الدعم المقدم لجمعيات المجتمع المدني على مستوى التكوين والتأطير في مجال الديمقراطية التشاركية والترافع، بتنظيم ورشات وموائد وندوات وحوارات...، تتيح إمكانية التعرف على هذه الحقوق الدستورية الهامة والتدريب على ممارستها، كذلك يجب توفير الدعم التقني والمالي لأصحاب العرائض وتقديم كل ما من شأنه أن يساعدهم في هذا الإطار، كما يجب على الأحزاب السياسية تنخرط في دعم هذا الاتجاه، من خلال دورها التأطيري والتكوين.
ويتجلى البعد الثالث في مدى تفاعل الجهة التي تقدم إليها العرائض، وذلك بالتركيز أساسا على بعض الإشكالات في هذا الإطار، حيث يمكن هنا التذكير بتجربة تقديم عريضة إلى رئيس الحكومة أطلق عليها إسم "عريضة الحياة" كنموذج، حيث كان موضوعها المطالبة بـإحداث صندوق لمكافحة السرطان، في احترام تام لكافة الإجراءات والشروط القانونية المطلوبة، لكن الحكومة رفضت إحداث هذا الصندق، وغيرت من موضوع العريضة كحق دستوري وقانوني، وهنا يطرح التساؤل عن جدوى ممارسة هذا الحق، إذا كانت رغبة مقدمي العريضة في مصلحة عامة محددة، تصادرها رغبة السلطات العامة !
ختاما لابد من التأكيد على أن تعديل هذه القوانين، سيسمح من دون شك في ترسيخ هذا البعد التشاركي الذي ذهبت فيه بلادنا مع دستور 2011، وذلك لضمان الانخراط الإيجابي في تدبير الشأن العام وصنع
السياسات العمومية وتتبعها وتقييمها، من خلال توفير آليات بشروط وقواعد معقولة، وتفاعل مسؤول للسلطات العمومية مع مآلاتها، من أجل ديمقراطية تشاركية، مواطنة، فاعلة