بدرالدين الخمالي
تلعب الصحافة و الاعلام دورا أساسيا في إشاعة ثقافة حقوق الانسان من خلال جوهر رسالتها القائم على تكريس حرية الرأي و التعبير و حرية الصحافة كما ينص على ذلك الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 19 التي تنص على ( أن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي و التعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الاراء دون مضايقة و في التماس الانباء و الافكار و تلقيها و نقلها للاخرين باية وسيلة و دونما اعتبار للحدود.)
و من خلال دورها في كشف انتهاكات حقوق الانسان و فضحها و الحيلولة دون افلات مرتكبيها من العقاب اذ ان الصحافة في كثير من الأحيان ما تزود السلطات القضائية و خاصة النيابة العامة بالمعطيات الضرورية لتحريك المتابعات الجنائية في حق المنتهكين لحقوق الإنسان.
و تبدو الادوار التي تقوم بها الصحافة و الاعلام في نقل الاخبار المتعلقة بحقوق الإنسان و الانتهاكات التي تطالها ذات أهمية بالغة ابان الصراعات و النزاعات المسلحة سواء الدولية او الداخلية حيث يصبح نقل الخبر و نقل الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني عملا في غاية الخطورة و الصعوبة بالنسبة للصحفيين مما يعرضهم في كثير من الأحيان للاعتداءات و الانتقام.
كما انه من بين الادوار التي لايجب ان نغفل عنها هي تلك المتعلقة بأعمال الحق في معرفة الحقيقة و حفظ الذاكرة و خاصة ذاكرة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
اذ انه في كثير من التجارب غالبا ما تعمد الأنظمة السياسية إلى طمس الحقيقة و طي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مثل الاختطاف و التعذيب و الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي و الإعدام خارج نطاق القانون و عدم اطلاع الجمهور على حقيقة ما حدث و على جسامة الانتهاكات و مصير الضحايا و الكشف عن اماكن الاعتقال.
و لذلك تعمد الصحافة الاستقصائية من خلال عملها الى كشف الحقيقة و اطلاع الجمهور و تمكينه من الحق في معرفة الحقيقة و حفظ الذاكرة.
و نستحضر هنا ما جاء في كتاب (كذلك كان ) الذي حرره كل من شوقي بنيوب و امبارك بودرقة فيما يتعلق بكشف مصير ضحايا ثكنة الوقاية المدنية بالدار البيضاء الذين قضوا في احداث 20 يونيو 1981 حيث إستفادت هيئة الانصاف و المصالحة بشكل اساسي من التحقيق الاستقصائي الذي أنجزته الصحفية مرية مكريم لمجلة الايام الأسبوعية.
اما بالنسبة للتجارب الدولية فالامثلة اكثر من أن تحصى سواء تعلق الأمر بالانتهاكات التي اقترفتها الدول الإستعمارية ابان فترة الاستعمار او بعدها او خلال الحروب و النزاعات المسلحة.
و يعتبر الدور الذي تقوم به الصحافة في هذا الباب يجمع بين عمل المؤرخ و المحقق الجنائي اذ تعمل الصحافة على جمع الوثائق و دراستها و تمحيصها و جمع الأدلة و الشهادات و القرائن التي تفيد في معرفة الحقيقة.
و رغم ان عددا كبيرا من البلدان التي خاضت تجربة العدالة الانتقالية سرعان ما طوت صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بمجرد انتهاء اعمال لجان الحقيقة فإن الصحافة المستقلة تلعب مع ذلك دور الفنار المتيقظ و اللجان الدائمة لكشف الحقيقة و ايصالها للجمهور.