دويتشه فيله
تبدو مشاهد انتشار فيروس كورونا في العالم مختلفة من بلد إلى آخر (بريطانيا، الهند، جنوب إفريقيا) وأحيانا متناقضة، في وقت تنشر فيه مزيد من الدراسات العلمية بشكل غير مسبوق حول طرق عمل هذا الفيروس المتحول، ما يزيد معرفتنا به من جهة، ويضع تحديات تقتضي تدابير جديدة من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عرفت بريطانيا حملة تلقيح واسعة، ساعدت في بداية عودة الحياة لطبيعتها، وفي الوقت نفسه اكتسحت النسخة المتحورة من فيروس كورونا "دلتا" عموم البلاد وبسرعة هائلة، وهي أشد عدوى بنسبة 60 في المئة من السلالات السابقة، كما أظهرت دراسة نشرت الجمعة (11 يونيو/ حزيران 2021) وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان قرار الحكومة برفع القيود الأخيرة. ولحسن الحظ فإن برامج التلقيح تحد من تأثير هذه السلالة وتمنع إلى حد كبير حالات المرض الشديدة.
وخلال الأسبوع الجاري ظهرت عدة دراسات بشأن المناعة ضد الفيروس سواء تلك المكتسبة عن طريق التطعيم أو عن طريق التعافي من الإصابة بالمرض. في ألمانيا كان هناك اهتمام بشكل خاص بما يسمى بالتطعيم المتبادل الذي يمزج بين لقاحين مختلفين، حيث أثبت دراسة أولية أن ذلك يمنح درجة عالية من المناعة. نفس الاهتمام طال فعالية الجرعة الأولى والثانية من اللقاحات ومدى قدرتها على التصدي للمتحولات. كما اقترب الخبراء بشكل أفضل من تحديد أسبابا إصابة ومعاناة الرجال من الفيروس بالمقارنة مع النساء وكذلك سبب إصابة المسنين بالفيروس بشكل أكبر رغم التطعيم.
دراسة مذهلة تمنحأمل الحصانة للمتعافين مدى الحياة؟
ما هي مدة الحصانة المكتسبة بعد الإصابةبفيروس كورونا والتعافي الفعلي منه؟ سبق لدراسات أولية أن أكدت أن الأجسام المضادة تختفي من الجسم بعد فترة من التعافي، غير أن دراسة جديدة أظهرت نتائج مغايرة تماما، إذ كشفت أن أي شخص متعافي من العدوى يمكن أن يصبح محصنًا ضد الفيروس مدى الحياة. في ألمانيا يُسمح عادة للمتعافين بالجلوس في الصفوف الخلفية حينما يتعلق الأمر بأولويات التطعيم لأنهم عادةً ما يملكون بالفعل أجسامًا مضادة كافية ضد الفيروس. وهناك افتراض بتمتعهم بالحصانة لمدة ستة أشهر على الأقل. وكان الباحثون يفترضون لحد الآن أن هذه الحصانة تنخفض بشكل تدريجي مع مرور الوقت.
غير أن دراسة أكثر عمقا وشمولية أظهرت نتائج مختلفة تماما، حيث أكدت بالفعل أن الأجسام المضادة تنخفض بعد مدة من التعافي، غير أن ذلك لا يعني أن القدرة المناعية تختفي بدورها . فقد أجرى فريق من الباحثين من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس دراسة على 77 شخصًا، أصيبوا جميعًا بكورونا منذ حوالي عام وكانت أعراضهم خفيفة. وحلال الدراسة، تم أخذ عينة دم من الأشخاص الخاضعين للاختبار في الشهر الذي تلى بالعدوى، ثم ثلاث مرات أخرى كل ثلاثة أشهر. وكانت النتيجة انخفضا في مستوى الأجسام المضاد، لكن العملية تباطأت بشكل مطرد. وقال علي البيدي، أحد مؤلفي الدراسة في تصريح لوسائل الإعلام "كان هناك سوء تفسير للبيانات في الدراسات السابقة. وأوضح أنه من الطبيعي أن تنخفض مستويات الأجسام المضادة بعد الإصابة الحادة، لكنها لا تصل إلى الصفر، بل تبقى على مستوى معين لا تنزل عنه". كما أورد ذلك موقع "براكسيس فيتا" الألماني (الرابع من يونيو/ تموز).
هل من مخاطر في استعمال تطعيمات متبادلة؟
ذكر باحثون ألمان من مستشفى شاريتي الشهير في برلين أنه من الممكن استخدام لقاحات متبادلة للتطعيم ضد كورونا، رغم وجود دراسات أخرى تشير إلى آثار جانبية حادة. فما مدى صدقية هذه البيانات؟ وفق صحيفة "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" (الثالث من يونيو/ حزيران 2021) فإن الباحثين الألمان توصلوا إلى أن استعمال جرعات من لقاحات مختلفة من بايونتيك / فايزر وأسترازنيكا في فترة تتراوح من عشرة إلى اثني عشر أسبوعًا جيدة التحمل وتثير استجابات مناعية مماثلة لتلك الموجودة في سلسلة اللقاحات التي تتكون فقط من لقاحات من نوع واحد فقط.
جدل التطعيمات المختلطة اندلع بعد توصية لجنة التطعيم الدائمة (Stiko) الألمانية بهذا الشأن بعد ظهور مضاعفات نادرة ولكنها خطيرة، خاصة لدى فئة الشباب. وفي تقييم بين المخاطر والفوائد، يُنصح التلقيح المتبادل للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 60 عامًا والذين سبق لهم تلقي تلقيح أسترازنيكا، حيث يُنصح بأخذهم للجرعة الثانية على شكل لقاح بايونتيك / فايزر. ومع ذلك، لا يزال عدد من الخبراء يرى أنه من السابق لأوانه الحسم بشكل نهائي في الموضوع بسبب نقص كبير في بيانات موثوقة حول سلامة وفعالية هذا المزيج الجديد حسب الخبراء.
التطعيم التبادلي ـ استجابة مناعية عالية..
موقع "تاغسشاو" التابع للقناة التلفزيونية الألمانية الأولى (التاسع من يونيو) نقل نتائج دراسة أجرتها جامعة سارلاند الألمانية توصلت إلى نتيجة مماثلة، وأكدت أن الاستجابة المناعية بعد مزيج اللقاحات تكون أقوى بشكل ملحوظ مما يكون عليه الحال بعد لقاحين فقط من أسترازنيكا من حيث عدد الأجسام المضادة وتكوين ما يسمى بالخلايا التائية وهي خلايا مهمة في جهاز المناعة، فهي التي "تتذكر" مسببات الأمراض، وتهاجم الفيروسات الدخيلة. غير أن البيانات الأولية تستند إلى 250 متطوع فقط ولم يتم التحقق منها علميًا أو نشرها. غير أن أستاذة علم المناعة مارتينا سيستر من جامعة سارلاند أبدت تفاؤلها بالقول "نحن نعتقد أنه إذا توصلت فرق بحثية أخرى إلى نتائج مماثلة، يجب التفكير بجدية في هذا النوع من مزيج اللقاحات".
ويذكر أن منظمة الصحة العالمية سبق وأن رفضت الحسم رسميا في فعالية التطعيم التبادلي، إذ أكدت المتحدثة باسم المنظمة مارغريت هاريس في أبريل / نيسان الماضي أنه لم تتوفر بعد بيانات كافية بشأن المخاطر المحتملة لجرعة تطعيم أولى من لقاح أسترازينيكا وجرعة ثانية بلقاح آخر. وفي تصريحاتها، أشارت هاريس إلى توصية أولية بهذا الشأن لهيئة خبراء بمنظمة الصحة العالمية في شباط / فبراير، ووفقا لهذه التوصية، يتعين الحقن بجرعتين من نفس اللقاح.
السلالات المتحولة ـ الجرعة الثانية حاسمة للمناعة
أظهرت دراسة جديدة أن اكتساب المناعة ضدالسلالات الجديدة يقتضي بالضرورة تلقي الجرعة الثانية من اللقاح. هذا التطعيم الثاني، المعروف أيضًا بين الخبراء باسم "التطعيم المعزز"، ضروري للحماية الفعلية من الفيروس، وفقًا لدراسة بريطانية نشرتها مجلة "لانسيت" العلمية المتخصصة. الدراسة وضعت تحت المجهر الأجسام المضادة المفرزة في الدم بعد التطعيم الأول. ثم تم تعريض الدم إلى أنواع مختلفة من فيروس كورونا في المختبر.
ورصد الباحثون أن التطعيم بالجرعة الأولى يساعد فعلا على الحماية من السلالة الأصلية للفيروس التي انتشرت في العالم بداية عام 2020. بل ويحمي أيضا من السلالة الثانية، أما بالنسبة للسلالات الأخيرة، فيبدو الأمر أكثر صعوبة، مثل السلالات Alpha (B.1.1.7) وBeta (B.1.351) وDelta (B.1.617.2) وهي سلالات على التوالي من بريطانيا، جنوب إفريقيا والهند. "فرانكفورتر روندشاو" كتبت في استعراض لهذه الدراسة (العاشر من يونيو) أن "الباحثين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن هذه المتغيرات تثبت أن الأجسام المضادة المُفرزة بعد التطعيم الأول غير كافية. كان منها عدد قليل للغاية لمحاربة الفيروس أو تحييده بشكل فعال" واستطردت الصحيفة موضحة أن الدراسة أظهرت أيضا أن التطعيم بالجرعة الأولى يحمي مع ذلك بشكل أفضل من الأعراض الشديدة للوباء بالمقارن مع أولئك الذين لم يتلقوا أي تلقيح.
وكشفت آخر البيانات البريطانية إصابة حوالي 12 ألف شخص يوميا بالفيروس، بدون أعراض، وفقا لدراسة أعدتها شركة "زد.أو.إي". وازدادت حالات الإصابات بصورة أسرع بين السكان الذين لم يحصلوا على اللقاح بعد. ورغم حملة التلقيح الواسعة في بريطانيا، فإن البلاد تعرف ارتفاعا في الحالات الجديدة للوباء. فيما قل حجم الزيادة التي طرأت على أعداد حالات الإيداع في المستشفيات وحالات الوفاة. وقد حصل أكثر من 77 بالمئة من البريطانيين البالغين على الجرعة الأولى من اللقاح، بينما حصل 54 بالمئة منهم على اللقاح كاملا.
على الرغم من تطعيم غالبية قاطني دور رعاية المسنين في ألمانيا، إلا أن هناك حالات متكررة لتفشي فيروس كورونا في هذا الوسط. فقد كشف باحثون من "برلين شاريتيه" (التاسع من يونيو) في دراستين نشرتهما في مجلة "الأمراض المعدية الناشئة" سبب استمرار انتشار الوباء لدى المسنين على الرغم من التطعيمات المزدوجة، أن جهاز المناعة لدى كبار السن يتفاعل بدينامية أقل مقارنة مع الشباب. الباحثون أكدوا أنه من المهم تحصين طاقم التمريض وزوار دور المسنين مع الحفاظ على تدابير الوقاية والنظافة واختبارات الفيروس. وعلى المدى المتوسط ، لابد من تطعيم معزز إضافي لكبار السن لتحسين مناعتهم ضد الفيروس. غير أن اللقاحات تتمتع بمزايا كثيرة، إذ أكد فيكتور كورمان، نائب رئيس المختبر الاستشاري الألماني لفيروسات كورونا أنه "من ناحية، يمكننا أن نرى أن التطعيم وفر الحماية للمسنين، بحيث يكون مسار المرض في حال حدوثه أكثر اعتدالًا (..) في الوقت نفسه، فإن زيادة عدد الإصابات تجعل من الواضح أن اللقاح في بعض الأحيان لا يكون فعالاً بشكل كامل عند كبار السن". حسبما أوده موقع "تي.أونلاين" (العاشر من يونو).
وفي إحدى الدراستين، قارن فريق البحث الاستجابة المناعية للقاح بيونتيك / فايزر لدى مرضى تزيد أعمارهم عن 70 عاما وآخرو يبلغ متوسط أعمارهم 34 عاما. وأظهرت تحاليل الدم أنه بعد ثلاثة أسابيع فقط من الجرعة الأولى، طور حوالي 87% من الأصغر سنا أجساما مضادة ضد الفيروس، بينما بلغت النسبة بين كبار السن حوالي 31% فقط. وعقب شهر واحد من الجرعة الثانية كانت لدى جميع الشباب الذين تم تطعيمهم تقريبا (99%) أجسام مضادة في دمائهم. وبلغت هذه النسبة عند كبار السن 91%. بالإضافة إلى ذلك، نضجت الأجسام المضادة بشكل أبطأ لدى كبار السن، أي أن الأجسام المضادة كانت أقل قدرة على الارتباط بالفيروس.
الرجال أكثر عرضة للحالات الخطيرة من كوفيد
الرجال معرضون أكثر من النساء للأعراض الشديدة من الفيروس. باحثون أمريكيون كشفوا عن أدلة جديدة تفسر هذه الظاهرة. منذ ظهور الوباء، لاحظ الأطباء في مختلف أنحاء العالم أن الرجال المصابين بكورونا في المتوسط حالاتهالمسنيني وكورونا، م أكثر خطورة من النساء، كما لديهم أيضًا مخاطر أعلى للوفاة. وتفترض إحدى النظريات أن السبب يكمن في الاختلافات الهرمونية بين الرجال والنساء والتي قد تلعب دورًا في هذا الوضع، لكون الرجال ينتجون هرمون التستوستيرون أكثر بكثير من النساء، وتوقع بعض الخبراء أن مستويات التستوستيرون المرتفعة يمكن أن تكون مسؤولة عن شدة الحالات. غير أن دراسة أجرتها كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس أكدت أن العكس هو الصحيح، حيث ترتبط مستويات هرمون التستوستيرون المنخفضة في الدم بتطورات المرض الأكثر خطورة.
وبهذا الصدد كتب موقع "تي.أونلاين" (السادس من يونيو) نقلا عن هذه الدراسة أنه كلما انخفض مستوى هرمون التستوستيرون، كلما زادت مخاطر تطوير الأعراض الشديدة. وكتب الموقع أن "الرجال الذين لديهم بالفعل مستويات منخفضة جدًا من التستوستيرون تبلغ 53 نانوغرام لكل ديسيلتر وقت دخول المستشفى، غالبًا ما عانوا من أعراض شديدة وكان لابد من علاجهم بشكل مكثف وأحيانًا كانوا في حاجة لأجهزة التنفس وكان متوسط مستوى هرمون التستوستيرون لديهم هو 19 نانوغرامًا لكل ديسيلتر".
حسن زنيند