دويتشه فيله
لجنة علماء بالحكومة الهندية، كانت من بين أولى الهيئات العلمية التي لفتت انتباه العالم لخطورة سلالة دلتا في تقرير نشر يوم الرابع من يونيو/ حزيران 2021. السلالة رُصدت أول مرة في الهند وتعتبر شديدة العدوى وقد يتأثر بها حتى من سبقت له الإصابة بالمرض أو من لم يتلق جرعة التطعيم كاملة. وقال باحثون باتحاد علم الوراثة (سارس-كوف-2) والمركز الوطني لمكافحة الأمراض في الهند إن السلالة التي أطلقت عليها منظمة الصحة العالمية (سلالة دلتا) تنقل العدوى بنسبة تزيد 50 بالمئة عما تنقله السلالات الأخرى، وحذروا من أن "الإصابات السابقة... والتطعيمات الجزئية لا تشكل موانع كافية أمام انتشارها، كما حدث في دلهي، وهناك حاجة لتحرك قوي فيما يخص مصالح الصحة العامة على مستوى العالم لاحتوائها".
وانتشرت هذه السلالة في أكثر من 50 دولة لحد الآن، منها بريطانيا، كما تم رصدها في ألمانيا أيضا.
وذكر موقع شبكة "في.دي.إير" (WDR) الألماني (21 يونيو/ حزيران) أن "باحثين متخصصين في دراسة الهواء من معهد ماكس بلانك الألماني، كشفوا أنه في الغرف المغلقة، تكفي بضع دقائق من الاتصال غير المحمي مع شخص مصاب قبل حدوث العدوى".
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أبدت ارتياحها (22 يونيو/ حزيران) بشأن تراجع حالات الإصابات بكورونا في ألمانيا، غير أنها دعت في الوقت نفسه إلى توخي الحذر نظرا لتطورات الوباء على مستوى العالم، في إشارة إلى سلالة دلتا. وأضافت أن "بعض الجهود أثمرت بشكل جيد (..) لكن الجائحة لم تنته بعد".
مخاطر تكرار السيناريو البريطاني في ألمانيا
عدد الإصابات الجديدة بكورونا في تراجع مطرد في ألمانيابعدما بلغ عدد الملقحين بجرعتين 32 مليون شخص، غير أن ظهور سلالة دلتا بات مصدر قلق للسلطات الصحية. ويرى خبير الفيروسات الألماني البارز كريستيان دروستن من مستشفى شاريتيه في برلين أن طفرة دلتا قد تتخذ مسارا مغايرا للمسار البريطاني. وأوضح في تسجيل إذاعي لشبكة (إن.دي.إر) (NDR)، في 22 يونيو/ حزيران أن الوضع الوبائي في ألمانيا يمكن أن يظل ثابتا نسبيا، وأشار إلى أن ألمانيا لم يصل إليها عدد كبير من حاملي سلالة دلتا القادمين مباشرة من الهند. وقال دروستن إن بريطانيا بها تركيبة مختلفة من السكان من خلال وجود مجتمعات من أصول أسيوية حيث انتشر الفيروس فيها على نحو كبير في البداية "ولذلك فإنه من الممكن ألا يكون الموقف عندنا مشابه لما حدث في بريطانيا".
وحسب بيانات معهد روبرت كوخ لأبحاث الفيروسات، فإن نسبة سلالة دلتا بين الحالات الإيجابية الجديدة للإصابة في ألمانيا وصلت مؤخرا إلى أكثر من 6% (في الأسبوع بين 31 أيار/ مايو حتى 6 حزيران / يونيو الجاري)، بارتفاع مقارنة بالأسابيع السابقة.
ويرى دروستن، أنه سيكون بمثابة "إشارة سيئة للغاية" في حال تضاعفت نسبة دلتا في الحالات الإيجابية في البيانات المقبلة. وقال إنه نظرا لأن هذه البيانات تكون متأخرة زمنيا بنحو أسبوعين من إعلانها، فمن غير الممكن التحكم في هذا الموضوع بأثر رجعي، ومن ثم فإن هناك تهديدا بمضاعفة نسبتها في الأسبوع التالي "وإذا أصبح الأمر كذلك، فإن علينا أن نتأهب لإمكانية أن تأخذ عوامل أخرى مسارا مثل الذي أخذته في بريطانيا مع سلالة دلتا".
سلالة دلتا قد تحول دون مناعة القطيع في ألمانيا
في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أوضح كارستن فاتسل، الأمين العام للجمعية الألمانية لعلم المناعة، أن "سلالة دلتا أكثر عدوى قليلا من سلالة ألفا السائدة حاليا. وبناء على البيانات الحالية التي لا تزال غير نهائية، لا بد أن يكون حوالي 85% من السكان محصنين؛ حتى يكون غير الملقحين محميين بشكل غير مباشر".
وأضاف فاتسل: "إننا نحتاج بذلك إلى الوصول إلى مناعة القطيع على نطاقات يصعب الوصول إليها في ظل عدم وجود لقاح معتمد للأطفال دون سن 12 عاما ولا توجد توصيات تطعيم عامة لأي شخص دون سن 18 عاما. وقد لا يمكن تحقيق مناعة القطيع إلا في بعض المرافق مثل دور رعاية المسنين، ولكن ليس لغالبية السكان".
وبهذا الصدد أورد موقع "ميركور دي.إي" (22 يونيو/ حزيران) ما صرح به وزير الصحة الألماني ينس شبان الذي أكد أن "السؤال لا يدور حول ما إذا كانت سلالة دلتا ستهيمن على كورونا في ألمانيا ولكن يدور حول متى سيحدث ذلك".
ويعتبر معهد "روبرت كوخ" الألماني لمكافحة الأمراض أن نسبة 80% من السكان المُطعمين والمتعافين من العدوى ضرورية من أجل الاستغناء إلى حد كبير عن تدابير وقواعد مكافحة كورونا. وفي بداية الجائحة، كان الخبراء يفترضون أن مناعة القطيع تتحقق بتحصين حوالي ثلثي السكان فقط. وأكد فاتسل ضرورة اليقظة الآن للحيلولة دون نشوء موجة جديدة مع سلالة دلتا، موضحا أنه يجب رصد المخالطين عن كثب، حال حدوث تفشٍ للسلالة الجديدة. ويرصد معهد روبرت كوخ نسبة متزايدة من سلالة دلتا في عينات كورونا الإيجابية التي تم فحصها في ألمانيا في بداية حزيران / يونيو الجاري، من 3.7 إلى 6.2%.
دوامة قد لا تنتهي ـ من "دلتا" إلى "دلتا بلوس"
أوردت صحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية (22 يونيو/ حزيران) في تقرير موسع بأن منظمة الصحة العالمية "أوصت بعدم تسمية النسخ المتحورة من الفيروس في اللغة اليومية بأسماء البلدان التي ظهرت فيها لأول مرة. وبدلاً من ذلك، يتعين استخدام أحرف الأبجدية اليونانية. وهكذا يكون اسم السلالة البريطانية ألفا، والجنوب أفريقية بيتا والبرازيلية غاما ثم الهندية دلتا. ولكن، ماذا لو تولدت الحاجة لأسماء جديدة وبالتالي الحاجة لإضافة حروف يونانية أخرى؟ (..) خطوة منظمة الصحة العالمية لها دلالات: الخوف من أن يصبح التوصيف الجغرافي للأسماء وصمة عار وأداة للإقصاء. فعلى سبيل المثال، سجلت حالة غضب وهجمات ضد أشخاص من أصل آسيوي، استاءوا باستمرار مما كان يسميه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب "فيروس الصين".
وبالفعل قد صدق حدس الصحيفة حيث أكدت السلطات الصحية الهندية اكتشاف سلالة جديدة أسمتها "دلتا بلس" تجري مراقبتها حاليا عن كثب. وبدأ الاهتمام يتحول إلى سلالة "دلتا بلس" وهى سلالة متحورة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسلالة دلتا الأكثر انتشارًا. وقال وزير الصحة الهندي راجيش بوشان في تصريح صحفي، نقلاً عن منظمة الصحة العالمية، إنه تم اكتشاف سلالة "دلتا بلس" الجديدة في ثماني دول أخرى إلى جانب الهند. بمعنى أن العالم قد يدخل في دوامات جديدة من السلالات قبل التمكن ن احتواء الوباء.
الأطفال والمراهقون في دائرة الخطر؟
يشعر الخبراء الألمان بقلق بالغ من انتشار سلالة دلتا بفعل عدواها الشديدة ولكن أيضا بسبب استهدافها للشباب والأطفال. وبهذا الشأن، نبه فرانك أولريش مونتغمري رئيس الجمعية الطبية العالمية من أن التخفيف الحالي لقيود كورونا قد لا يكون مثمرا. فيما نصح رئيس مؤتمر وزراء الصحة في الولايات الألمانية، كلاوس هوليتشيك "بأقصى درجات اليقظة". كما يشعر الخبراء بشكل خاص بالقلق بشأن الأطفال والمراهقين غير الملقحين على الرغم من انخفاض خطر تعرضهم للمرض في حالة الإصابة "فالانتشار الهائل للعدوى في بريطانيا يشمل الشباب بشكل خاص"، وفق تحليل لـ "إمبريال كوليدج لندن" ونشرته مجلة "برتيش ميديكال جورنال" الطبية المتخصصة، ذلك أن معدل نتائج الاختبار الإيجابية لدى الفئات العمرية الصغرى (حتى 24 عاما) أعلى خمس مرات من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا.
وبهذا الصدد رصد موقع "شبيغل أونلاين" (16 يونيو/ حزيران) انتشار سلالة دلتا في ألمانيا بالخصوص "في مراكز الرعاية النهارية للأطفال وفي المدارس في عموم الولايات الألمانية. وتم بالفعل عزل وفرض حجر على العديد من الأطفال وموظفي الرعاية والمعلمين".
صحيفة "فرانكفورته نويه بريسه" (22 يونيو/ حزيران) كتبت من جهتها محذرة: "تبدو الآفاق قاتمة في الأشهر القادمة، خاصة بالنسبة لأطفال المدارس. وبات شيء مهم على المحك ألا وهو التعليم المدرسي. وهكذا دعت رابطة حماية الأطفال إلى حماية عاجلة لهم بفرض مزيد من إجراءات الوقاية في المدارس".
حتى إسرائيل الأكثر تلقيحا تخشى سلالة دلتا
وفي إسرائيل تبحث وزارة الصحة إمكانية إعادة إلزام السكان باستخدام الكمامات في المدارس والأماكن المغلقة تحسبا لتفشي سلالة دلتا. وتأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من إلغاء إسرائيل فرض استخدام الكمامات، على خلفية تراجع أعداد المصابين. وشهدت إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية ارتفاعا في حالات الإصابة خاصة بين الطلاب. وتردد أن تفشي الفيروس مؤخرا يرتبط بأشخاص عائدين من الخارج، وسلالة دلتا بالذات.
وينظر خبراء الفيروسات في العالم إلى النموذج الإسرائيلي باهتمام، ذلك أن الدولة العبرية التي يبلغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، بدأت حملة التلقيح في كانون أول/ ديسمبر الماضي. وحتى الآن، حصل ما يقرب من 5.5 مليون على الجرعة الأولى من اللقاح، فيما حصل أكثر من 5.1 مليون على الجرعتين المطلوبتين. وتراجعت الإصابات الجديدة وحالات الإصابة الشديدة في الأشهر الماضية بصورة كبيرة، حيث تراجع عدد الأشخاص الذي يعانون من أعراض خطيرة إلى نحو 20 حالة حاليا، مقابل 1.200 في نهاية كانون الثاني / يناير. وبدأت إسرائيل قبل أسبوعين بتلقيح المراهقين في الفئة العمرية بين 12 و15 عاما ضد كورونا. وفي هذا السياق، كتبت شبكة الإعلام الألمانية "إن.إير.دي" (22 يونيو/ حزيران) أنه تم "رصد أكثر من 100 حالة كورونا جديدة في إسرائيل في يوم واحد، لأول مرة منذ حوالي شهرين (..)".
فيما صرح المدير العام لوزارة الصحة تشيزي ليفي أن "حوالي 70 في المائة من الإصابات الجديدة مرتبطة بسلالة دلتا. كما أن نصف المصابين حديثًا هم من الأطفال، كما أن ثلث المصابين سبق تطعيمهم".
حسن زنيند