يحيى طربي
لقد اظهرت الديبلوماسية المغربية اليوم للعالم مدى نضجها وقوتها و فعاليتها و نجاعتها أكثر من أي وقت مضى. فبعد أن صدمت ألمانيا و أصيبت بالحيرة جراء تعليق المغرب كل اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية و مع كل المؤسسات التابعة لها، و استدعاء سفيرة الرباط في برلين قصد التشاور، بسبب مواقف ألمانيا العدائية تجاه قضية الصحراء المغربية، ها هي إسبانيا تصاب بالفزع بعد أن قرر المغرب إعادة النطر في العلاقات التي تربط البلدين منذ عقود، بسبب تهور الحكومة الإسبانية و استفزازها للمغرب باستقبالها لزعيم البوليساريو الإرهابي، إبراهيم غالي، على أراضيها، و بهوية مزورة، بتواطؤ مع جنيرالات الجزائر، للعلاج، على نفقة دافعي الضرائب من الشعب الجزائري المفقر، و كأن المغرب غافل عما يخططون له. عمل صبياني غير مسؤول سرعان ما تم فضحه من طرف المغرب الذي أربك إسبانيا و جعلها تستقوي و تستنجد بالاتحاد الأوروبي، الذي بكل وقاحة، عوض أن يقف إلى جانب صاحب الحق الذي هو المغرب، و عوض أن يحث الحكومة الإسبانية على أن تعود إلى رشدها، قام بالتنديد بالهجرة الجماعية القانونية والشرعية لمئات المغاربة نحو مدينة سبتة، التي هي في الأصل و بقوة الجغرافيا و التاريخ و الأعراف و القوانين، مدينتهم و مدينة آبائهم و أجدادهم، و هدد بضم مدينتي سبتة و مليلية إلى فضاء و قوانين شنغن، بل اعتبر المدينتين امتدادا للحدود الخارجية للاتحاد بلا حياء و لا خجل. منتهى السيبة و العبث و التهور؛ بل الجنون بعينه و " لهبال و خرجان لعقل ".
الاتحاد الأوروبي الذي يضرب به المثل في الديمقراطية و المساواة و احترام حقوق الإنسان و الحيوان، يهدد المغرب باحتلال و استعمار جزء من بحره و أرضه في القرن 21 و في واضحة النهار و تحت أنظار المنتظم الدولي؛ و كأنه أستاذ يوبخ تلميذا.
يكفي أن المغرب أغلق معبري سبتة و مليلية الحدوديين، و منع دخول السلع الاسبانية المهربة إلى الأسواق المغربية، و أبعد إسبانيا من عملية العبور " مرحبا "، لتعرف المدينتين و منطقة الأندلس و كل الجنوب الإسباني ركودا تجاريا و اقتصاديا و سياحيا خطيرا؛ فما بالهم لو قامت السلطات المغربية بحل عقود الاستثمارات الأوروبية و الاتفاقيات التجارية، و قامت بإلغاء اتفاقية الصيد البحري بين المغرب و الاتحاد الأوروبي، و منعت أسطول الصيد الإسباني المتكون من مئات السفن من الصيد في المياه المغربية غربا و شمالا؟ مع العلم أنها لا تحترم بعض بنود الاتفاقية و دفتر التحملات. هل سيعوضهم الغاز الجزائري عن الأسماك و الفواكه و الخضر المغربية ذات الجودة العالية؟.
إن المشكل القائم بين المغرب و جارته الشمالية مشكل ثنائي. أما باقي دول الاتحاد الأوروبي فعليها أن تتحلى بالعقل و الشجاعة و الشفافية و تصرح عبر رؤسائها و حكوماتها و برلماناتها معترفة بمغربية الصحراء، كما فعلت أمريكا، و بمغربية سبتة و مليلية، و أن تحث إسبانيا على الخروج من المدينتين اليوم و ليس غدا؛ لأن شعارنا بعد " الله الوطن الملك "، هو " سوا ليوم سوا غدا، سبتة و مليلية ولا بدا " و ما مفاكينش.
و للتذكير فقط، إن المغرب يساهم بشكل كبير في استقرار و ازدهار الاتحاد الأوروبي الذي يشيخ يوما بعد يوم، و كل مساس بمصالحه الداخلية أو الخارجية هو مساس بمصالح أوروبا بطريقة أو بأخرى. و من تم كان حري بهذا الاتحاد أن يضم المغرب إليه عوض أن يستفزه بمثل هذه التصرفات المقززة و اللامسؤولة. لهذا نتمنى من الدبلوماسية المغربية، في إطار التعامل بالمثل، أن تحث دول الاتحاد الأوروبي على إعفاء المواطنين المغاربة من تأشيرة شنغن لدخول أراضيها و التي تهين المغاربة و تفرق بينهم، و إلا فالحكومة المغربية قادرة على اتخاذ قرارات قد تسبب لحكومات هذه الدول مشاكل و صعوبات مع مواطنيها الذين يحلمون بزيارة المغرب أو العيش و الاستثمار فيه. و قد أعذر من أنذر.