عبد العزيز الإدريسي
سنة 1975 أشعلت الجزائر الزيت الحارقة في قضية الصحراء المغربية حيث افتعلت خلق ما يسمى بالبوليساريو الانفصالية، وبها عاكست المغرب في استكمال وحدته الترابية بحجة أن الجزائر تدافع عن الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها، وظلت تدعم هذه الجبهة الانفصالية من سنة 1975 حتى 2021 معتبرة أن الشعب الصحرواي يجب أن يقرر مصيره وينال استقلاله، ولو أن هذا الشعب المزعوم ليست له أرض ولا بحر ولا حدود دولية، ولا حتى عدد السكان المطلوب توفرهم في الدولة التي تطالب بالاستقلال، ودامت هذه المعركة الدبلوماسية القائمة بين المغرب والجزائر إلى أن حسمت الولايات المتحدة الأمريكية في القضية واعترفت وأقرت بمغربية الصحراء وقبلها اتحاد الخليج العربي، كما اقترح المغرب الحكم الذاتي في الأقاليم الصحرواية الجنوبية، ولقد دارت الأيام وانقلب الوضع إذ اليوم يطالب شعب القبائل المستعمر من طرف ما سمي بالجزائر من طرف الاستعمار الفرنسي، حيث انتفضت شعوب القبائل في مسيرات سلمية مطالبة بتقرير المصير وبالتالي الاستقلال عن الجزائر التي يحكمها الكابرانات، وهنا لابد من تعريف شعب القبائل.
قبل هذا التعريف، من يكون شعب القبائل؟
هذا الشعب هو عريق التاريخ وجد قبل وجود ما أصبح يطلق عليه اسم الجزائر التي لا تاريخ لها، شعب القبائل "الأصيل" يمكن القول أن القليل من شعوب العالم لم يسمعوا بهذا الشعب المضطهد من طرف حكومات الجزائر المتعاقبة على الحكم، كما أن الكثير من الشعوب لا تدري أين يقع جغرافيا هذا الشعب المحروم من حقوقه في تقرير المصير، لذا لابد من إشارة مختصرة عن هذا الشعب القبائلي الذي عانى الأمرين من حكام الجزائر منذ استقلال هذه الأخيرة سنة 1962.
1- الموقع الجغرافي لشعب القبائل:
القبائل هي منطقة ثقافية طبيعية في شمال شرق الجزائر، وهذه المنطقة تغطي عدة ولايات منها بومرداس، ولاية تزي وزو، ولاية بجاية، ولاية البويرة، ولاية المدية شمال ولاية برج، بوعريريج شمال ولاية سطيف، ولاية جيجل شمال ولاية ميلة
غرب ولاية سكيكدة، و تنوع نظام المنطقة البيئي يجعلها مقرا للتنوع الحيوي الذي تحميه عدة حدائق وطنية، ويمكن أن يشمل مناخها شتاء قاسيا وصيفا حارا قاحلا.
2- تضاريس المنطقة:
تعد منطقة القبائل جزءا من سلسلة الأطلس التلي بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط، وتشكل وحدة جغرافية من خلال سلاسلها الجبلية غير أنه يتم تقسيم المنطقة إلى جزأين.
الأول، هي القبائل الكبرى بولاية تزي وزو وبومدراس، وجزء كبير من ولاية البوبرة.
الثاني: هي القبائل الصغرى مع اختلاف في تحديد الحدود الجغرافية للمنطقتين.
وتحديد منطقة القبائل الكبرى بولاية تزي وزو وبومدراس، وجزء كبير من ولاية بومدراس شمال برج بوعريريج شمال سطيف، جيجل، وشمال ولاية ميلة.
3- السكان:
يتوزع السكان في منطقة القبائل على شكل مدن وقرى، حيث أن منطقة القبائل يقطنها حوالي 3 ملايين نسمة موزعين على مدن كبرى مثل بجاية وتيزي وزو، ومدن صغرى كالبويزة وقرى، أما خارج منطقة القبائل فهم موزعون على عدة ولايات من الوطن بعدد يقدر ب 2.5 مليون نسمة أغلبهم يقطنون الجزائر العاصمة وقسطنطينة ووهران، والمدن الصحراوية بالنسبة للمستثمرين.
4- على مستوى الهجرة:
للقبائل جالية كبيرة في فرنسا بعدد يقدر ب 800.000 شخص، كندا ب 300.000 شخص أساسا في مدينة كيبيك لاستخدامها اللغة الفرنسية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية جالية تقدر ب 200.000 شخص، ألمانيا وبريطانيا بعدد يقدر ب 200.000 شخص، كما أن للقبائل جاليات صغيرة في منطقة الشرق الأوسط كالسعودية والإمارات العربية المتحدة، وبعض مناطق تركيا ودول خليجية أخرى.
5- الثقافة القبائلية:
الأغنية القبائلية لعبت دورا هاما في تقوية الوعي بالانتماء إلى الهوية الامازيغية بمنطقة القبائل ورواد الأغنية القبائلية هم كثيرون بحيث الأغنية القبائلية لها قاعدة
شعبية هامة كما أن لهذا النمط من الأغاني القبائلية جمهور واسع وعريض في الداخل والخارج، وقد عرفت الأغنية طريقها في الفترة مابين 1945/1950 عندما قام جيل من الشباب القبائلي المناضلين في صفوف التيار الوطني بتأليف أغاني ملتزمة باللغة الامازيغية.
وكان أساس وجوهر الأغنية القبائلية يغلب عليه الأثر الوطني الثوري والسياسي في محاولة تصحيح أخطاء النظام والدعوة إلى التحرر، والجدير بالذكر أن الجزائر وقع لها الاستعمار الفرنسي عقد الازدياد سنة 1839 بينما القبائل كانت موجودة قبل هذا التاريخ بعقود من الزمان، حيث لما قرر الاستعمار الفرنسي الخروج من الجزائر حار في أمر هذه القبائل لكن بعد عجزه على إيجاد اسم لدولة القبائل ترك الملف جانبا حتى كاد أن ينسى ومنح الاستقلال إلى الجزائر التي كانت معروفة باسم العاصمة الجزائر، وهي المدينة الكبرى آنذاك من حيث المساحة والسكان، وذابت دولة القبائل في هذا الإسم بينما هي الأكبر من حيث المساحة الجغرافية والسكانية.
ومع حلول سنة 1200 برز المتحدث بالأغنية القبائلية معتوب لوناس الذي أحيى شعب القبائل من خلال ما سمي بالربيع الأسود وحينها بدأ الوعي الأمازيغي القبائلي في محاولة المطالبة بالحرية والاستقلال حيث بدأت الشرارة الأولى يوم 20 أبريل من عام 1980 مع ما يسمى بالربيع الأسود وحينها بدأ الوعي القبائلي الامازيغي يتشكل رغم ما سجلته الحركة من عدد كبير من الضحايا بفعل تدخل النظام العسكري في الجزائر حيث قتل وسجن العديد الكثير من أفراد القبائل.
وسنة 2001 يبرز متحدث باسم القبائل أحيى شعب القبائل أمثال أحموش من خلال الأغنية الامازيغية حيث جعل منها واقع فرض ولادة مجموعة من الفنانين أمثال معتوب لوناس الذي حمل قضية القبائل ودافع عنها بقيثارته وكلماته المدغدغة لشعب القبائل من أجل المطالبة بالحرية والاستقلال من خلال تقرير المصير.
ومع حلول سنة 2001 ظهر نفس المتحدث أحيى شعب القبائل من خلال الربيع الأمازيغي، وهناك قتل النظام العسكري الجزائري العديد من المناضلين منهم ماسينيسا كرماح ونجل المناضل الكبير فرحات مهني وغيرهم كثير.
وبعد هذا تجبر النظام الجزائري مما دفع شعب القبائل إلى تكوين حكومة في المنفى في فرنسا يرأسها الآن فرحات المهني وهي تتضمن وزراء منوطة بكل واحد منهم مهمة خاصة فقاموا باستفتاء على علمهم ونشيدهم الوطني، وهي حكومة قائمة الذات في المنفى كما لها كل مقومات الدولة التي تشترطها الأمم المتحدة، حيث اعتبرها
النظام العسكري في الجزائر منظمة إرهابية وما هي كذلك بل لأن أعضاءها لم يحملوا سلاحا، وهكذا فكثرة العنف الذي مورس على شعب القبائل جعل الكثير منهم يرفضون صفة جزائري ويعتبرون أنفسهم قبائليين وليس جزائريين، وهناك لازال الكثير منهم يقبعون في سجون النظام الجزائري إلى حدود الساعة.
ومن باب الإنسانية ومساعدة الشعوب المضطهدة المطالبة بحقها في تقرير المصير يلاحظ أن الجزائر ترفض طلب القبائل التي هي محقة في ذلك ويتغاضى النظام الجزائري على هذا الطلب ويحاول تحويله إلى شعب لا يطالب به وهو في بلده معززا مكرما كما هو الحال فيما يخص ملف الصحراء المغربية التي تحاول الجزائر التوسع من خلالها ونشر الفتنة بين الأشقاء، ومن باب حسن الخلق وحقوق الإنسان وتصفية الاستعمار من إفريقيا يلاحظ أن شعب القبائل هو أحق بحق تقرير المصير ونيل الاستقلال الذي ناضل من أجله لما يفوق قرن من الزمن، وفي هذا الإطار كان لسفير المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة السيد عمر هلال لما أتيحت له فرصة تقديم الدعم لشعب القبائل ومن خلال المذكرة التاريخية التي قدمها على إثر حق الرد على تدخل وزير الخارجية الجزائري الاستفزازي وهو يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير، وهو يتنكر لهذا الحق نفسه على شعب القبائل وهو أحد أقدم الشعوب في إفريقيا تعاني من أطول احتلال أجنبي وهو يعني الجزائر، ويشدد السيد السفير مشكورا فإن شعب القبائل الشجاع المرابط يستحق تقرير المصير ونيل الاستقلال وهو مسار يعود بنا الى سنة 1975 عندما أشعلت الجزائر فتيل الزيت الحارق حيث أسست ما يسمى بجبهة البوليساريو الانفصالية المزعومة وهي كذبة فارغة ألهت بها دول الأمم المتحدة لمدة 50 عاما، ولكن كان لها المغرب بالمرصاد، وها رماد تلك الزيت يحترق بها النظام الجزائري بحيث لا غرابة ولا عيب ولا حرام أن يدعم المغرب شعب القبائل في حقه في تقرير المصير وهو أحق به حيث له جميع المقومات وشروط تأسيس الدولة، وهو الشعب الذي ناضل وكافح في صمت رهيب من أجل تحقيق حق المصير والاستقلال عن حكام الجزائر العسكريون.
لذا فعلى النظام الجزائري أن لا يلوم المغرب على ما قام به لأنه لا يفعل إلا ما تطالب الجزائر وهي تدعي دعم الشعوب في التحرر، وما على الجزائر إلا أن تقبل بالأمر الواقع وتبحث لها عن حل ناجع بتعاون مع المغرب وتصفية جميع الملفات العالقة بما في ذلك ترسيم الحدود، أما و إن التهديد لن يزيد الطين إلا بلة وهي تعلم أن المغرب لا يرضخ للتهديد وهو قادر على حماية حدوده وفي إطارها شعبه الأبي.
وبالمناسبة من خلال هذا المقال المتواضع أقدم شكري واعتزازي بدبلوماسية المغرب التي تنهج سياسة الاعتدال ودبلوماسية الصمت مع "اسبانيا نموذجا" فالدبلوماسية الصامتة سلاح ذو حدين وهو فتاك في هدوء، مما يربك العدو ويبعثر الأوراق.
وفي الختام المطلوب منكم السيد سفير المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة أن تتزودوا بالمراجع وتستمروا في الدفاع عن شعب القبائل المحتل من طرف الجزائر وهو أقدم احتلال عرفه شمال افريقيا، فضلا عن هذا المطالبة باسترجاع منطقة تندوف المغربية التي يقر المحتل الفرنسي بمغربيتها راجع الوثيقة المؤرخة ب 16 ماي 1962، وأنت السيد السفير المحنك دبلوماسيا وحكيما مبرزا تتمتع بالشجاعة المثالية.