أخبارنا المغربية
محمد بوزفور
لم تكن طبيعة التناول الذي خصصها خطاب العرش لهذه السنة للعلاقات المغربية الجزائرية - منتظرة من طرف معظم المحللين والمراقبين المحليين والدوليين ، باعتبار ان الخطاب قدم مقاربة سياسية غير مسبوقة وجاء في ظرفية تتميز بأجواء سياسية عرفت ارتفاعا في حدة اللهجة العدائية على مستوى التعاطي الإعلامي بالجارة الشرقية ، على إثر استمرار تصلب المواقف الجزائرية التي كرست في محطات مختلفة ، الطابع المناوئ للوحدة الترابية للمملكة المغربية ..
فماهي يا ترى الاضاءات الاساسية في خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ؟
اولا : حرص المغرب على توطيد الامن والاستقرار في محيطه الاور متوسطي والافريقي وخاصة في جواره المغاربي.
ثانيا : تجديد الدعوة للأشقاء في الجزائر للعمل سويا ، دون شروط ، من اجل بناء علاقات ثنائية ، اساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.
ثالثا : يبقى فتح الحدود هو الوضع الطبيعي بين بلدين جارين وشعبين شقيقين . حيث ان لا مسؤولية لجلالة الملك وللرئيس الجزائري الحالي ولا حتى الرئيس السابق في إغلاق الحدود ، لكنها وضعية اضحت اسبابها متجاوزة و تطرح مسؤولية قائدا البلدين السياسية والأخلاقية امام الله والتاريخ والمواطنين .
وأكد جلالته ان اغلاق الحدود يترتب عنه إغلاق العقول التي تتأثر بالمغالطات التي تروج لها وسائل الاعلام كون المغاربة يعانون من الفقر ويعيشون على التهريب والمخدرات .
رابعا : ان الشر والمشاكل لن تأتي الجزائر أبدا من المغرب ، كما لن يأتيهم منه اي خطر او تهديد ، وما يمسهم يمسنا وما يضرهم يضرنا ، وان أمن الجزائر من امن المغرب واستقراره ، والعكس صحيح .
خامسا : يبقى العدو المشترك للبلدين هو العصابات التي تشتغل في مجالات الهجرة والتهريب والمخدرات والاتجار في البشر .
وانتهى الخطاب الملكي بدعوة الرئيس الجزائري للعمل سويا ، في اقرب وقت يراه مناسبا ، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبا البلدين عبر سنوات من الكفاح المشترك .
في تحليل أولي للخطاب الملكي على هذا المستوى ، بدا واضحا ان اليد المغربية ممدودة بصدق الى الأشقاء الجزائريين للعمل المشترك دون شروط ، وهو تعبير استعمل داخل الخطاب الملكي كمؤشر على استعداد المملكة لفتح صفحة جديدة بعيد ا عن اي اشتراطات مسبقة ، تعتمد على عوامل الثقة والحوار والجوار التي تحيل على إمكانيات واسعة لإخصاب شروط التواصل البناء والمباشر التي تخدم مستقبلا المصالح العليا للبلدين الذين " فرق بينهما جسم دخيل لا مكان له بينهما " .
والأكيد ان خطاب العرش تبنى كالعادة لغة الواقعية السياسية التي اعتمدت توجيه رسائل مباشرة الى القادة في الجزائر الشقيقة ، وذلك حين أكد جلالته على ان " لا مسؤولية لقائدي البلدين وحتى الرئيس الجزائري السابق في إغلاق الحدود" ، فهي اذن دعوة شجاعة من جلالة الملك للتخلص من ثقل الماضي وترسباته و لفتح آفاق أوسع تشرئب نحو الغد الآتي وتغليب كفة العقلانية والمنفعة المتبادلة في صناعة قواعد صلبة للعمل المشترك تنأى بالجانبين عن المقاربات المتجاوزة التي ترهن حاضر الاجيال ومستقبلها وتسهم في هدر طاقات البلدين التوأمين . كما ابرز جلالة الملك من جهة اخرى على ان العدو المشترك للبلدين هو تلك العصابات التي تنشط في الهجرة والتهريب والمخدرات والاتجار في البشر ، وهو ما يقتضي النهوض بتعاون أمني مشترك وإستراتيجي من اجل التصدي لجرائم عابرة للاوطان قد تخفي وراءها جملة من التحديات الأمنية الكبرى ، من ابرزها الخطر الذي تمثله الجماعات الارهابية !!
كانت لغة الخطاب الملكي موجهة ايضا الى الرأي العام الجزائري لتبديد اي التباسات ممكنة وتحييد اية مغالطات اعلامية محتملة ، حيث شدد جلالته على ان المشاكل والشر لن تأتي أبدا من المغرب ، كما لن ياتي منه اي خطر أو تهديد للشعب الجزائري .
لقد كان خطاب العرش لهذه السنة قوي الدلالة بكل المقاييس بطرحه لرؤية جديدة في التعاطي المغربي الجزائري قوامها الاحترام المتبادل وتكريس الثقة كرافعة لمجالات التعاون المختلفة ، ب وهو المعطى الذى أسقط أغلب الاستنتاجات المسبقة التي كانت تشتغل عليها بعض الاوساط الاعلامية والسياسية الاجنبية على وجه الخصوص المهتمة بالعلاقات بين البلدين ، سيما في ضوء السياقات الدبلوماسية السابقة على الخطاب الملكي والتي يبدو انه تمت قراءتها بصورة اوتوماتيكية وغير استشرافية من شأنها الابتعاد عن تفهم البعد الاستراتيجي في الفكر السياسي الذي يتمتع به جلالة الملك حفظه الله ، و الذي يجنح دوما - مهما كانت المنعطفات والمنحدرات - الى ترجيح ميزان التبصر والحكمة في معالجة القضايا العالقة بين البلدين ، بما يمكن معه تجاوز الوضع المؤسف الذي تجتازه حاليا العلاقات المغربية الجزائرية وصون عرى المحبة والأخوة بين الشعبين .!!
لقد تزامنت ذكرىح عيد العرش وما تمثله للمغاربة من رمزية ضاربة في أعماق الرصيد اللامادي للأمة المغربية الموحدة تحت لواء الدولة العلوية الشريفة ، مع دعوة التآخي التي أبى عاهل البلاد محمد السادس نصره الله الا ان يوجهها الى الرئيس الجزائري للعمل سويا - في أقرب وقت يراه مناسبا - من اجل تطوير العلاقات بين الجانبين ، وهي دعوة مفتوحة لخلق الأمل لدى الاجيال وتذويب الحواجز المادية و العوائق النفسية المتراكمة ، ورسالة غاية في الوضوح موجهة للقيادة والشعب الجزائريين معا من أجل إعادة فتح الأبواب الموصدة منذ ازمان ورفع القيود والاوهام التي عششت طويلا في العقول لفسح مساحات موضوعية أمام التعايش والتساكن وتحريك عجلة التعاون الاقتصادي القمين بخلق شروط النماء والازدهار للشعبين الجارين المتكاملين !!
لاريب ان الخطاب الملكي يظل تاريخيا بكل معاني الكلمة ، بالنظر الى كونه يروم امام انظار العالم التأسيس لأفق عقلاني جديد في التعاطي مع الاشقاء ، فهل تمد الجزائر يدها لاحتضان اليد المغربية الممدودة دون شروط ؟