اسماعيل الحلوتي
لأن سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، تتلمذ وسلفه عبد الإله ابن كيران على أيدي نفس الشيوخ وتشبعا معا بنفس الفكر والتوجهات، كان من الطبيعي أن تسير حكومته على هدي سابقتها من حيث التخبط والارتجال وسوء التدبير. إذ ظلت هي الأخرى منذ تعيينها منفصلة عن هموم وانشغالات المغاربة، وبدل أن يبادر قائدها إلى استعمال صلاحياته الدستورية في تجاوز الاختلالات القائمة، الوفاء بوعود حزبه الانتخابية المتمثلة في تحسين ظروف عيش المواطنين ومحاربة الفساد والقيام بالإصلاحات الضرورية في التعليم والصحة ومعالجة الملفات الكبرى من قبيل ملف التشغيل ومراجعة نظام التشغيل بالعقدة في التعليم، الذي ما انفك يثير جدلا واسعا واضطرابات متواصلة داخل المؤسسات التعليمية، يؤدي ثمنها غاليا الأبرياء من تلامذتنا...
فإنه أبان عن انصياعه الكامل لإملاءات المؤسسات المالية والدولية، غير عابئ بما لذلك من عواقب وخيمة على البلاد والعباد. حيث أنه طالما اعتمد في مواجهة اشتداد الأزمات الاقتصادية واستعصاء الحلول، على إثقال كاهل المواطن برفع الضرائب والزيادات المتوالية في أسعار المواد الواسعة الاستهلاك، والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية. إذ أنه وبعد سلسلة من القرارات الجائرة، والكشف عن نية حكومته في إلغاء الدعم عن مواد السكر والدقيق وغاز البوتان وفق ما هو مسطر في البرنامج الحكومي الذي قدمه أمام البرلمان في أبريل 2017، تتميما لما بدأه سلفه من "إصلاح" صندوق المقاصة، وفي إطار مراجعة بنيات أسعار المواد المدعمة والتحرير التدريجي للسكر، مع الإبقاء على دعم المواد الأساسية في مشروع قانون المالية برسم سنة 2021، ارتأى في الوقت الميت من ولاية حكومته أن يحسم في الموضوع المثير للجدل والتخوفات الذي ظل يتأجل لعدة أسباب، وكأننا به أراد أن يقدم للمغاربة آخر هداياه المسمومة، ويزرع للحكومة القادمة قنبلة ملغومة...
ذلك أن وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، وفي كلمة له في اجتماع للجنتي المالية والتنمية الاقتصادية بمجلسي النواب والمستشارين انعقد يوم الأربعاء 28 يوليوز 2021 حول: "أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2022" أكد على أن الحكومة قررت الشروع في الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة، وفق مقتضيات القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية وضمان تمويل هذا المشروع التنموي الهام وخاصة تعميم التعويضات العائلية. وهو القرار الذي ستنطلق مرحلته الأولى سنة 2022 بتحرير تدريجي لمادة السكر والتقليص من الحصيص المحدد من الدقيق الوطني للقمح اللين، على أن يتلوه في السنة الموالية 2023 التحرير الكلي للحصيص المحدد من الدقيق الوطني للقمح اللين والسكر "القالب" والسكر المجزأ و50 في المائة من غاز البوتان، الذي سيتم تحريره الكلي أي مائة في المائة سنة 2024...
من هنا يتضح أن حكومة العثماني شأنها شأن حكومة ابن كيران السابقة، يعوزها هي أيضا تلك الرؤية الاستشرافية والكثير من الجرأة في خلق الثروة، القدرة على اجتراح الحلول المناسبة لمعالجة عديد الملفات وتنزيل البرامج الإصلاحية والمشاريع التنموية. إذ كثيرا ما ظلت تكتفي فقط بالحلول السهلة والجاهزة المتمثلة في تقويض القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة تحت ذريعة "الإصلاح"، كما حدث مثلا عند رفع الدعم عن المحروقات وتحرير أسعارها لفائدة "اللوبيات"، وما إلى ذلك من الأمثلة المتعددة. فمن يا ترى سيدفع اليوم ثمن هذا الإصلاح المزعوم، ومن هي الجهة السعيدة الحظ التي ستستفيد هي الأخرى من ملايير هذا "التحرير" الجديد، إذا ما سلمنا جدلا بأن الحكومة ستعجل
بتفعيل برنامج الدعم والمساعدة الاجتماعية الموجهة للفئات الفقيرة، وفق مشروع القانون رقم: 18.72 المصادق عليه في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 31 يناير 2019 ؟
فبشهادة عدد من الأحزاب السياسية في المعارضة والأغلبية، هناك شبه إجماع على أن حكومة العثماني أخفقت في تحقيق التطور المرجو والانتقال بالمغرب إلى مصاف البلدان المتقدمة، رغم كل الجهود المبذولة من قبل ملك البلاد محمد السادس. كما أنها فشلت في الاستجابة لانتظارات وتطلعات المواطنين، ولم تعمل سوى على إجهاض أحلامهم. ناهيكم عما عرفته في عهدها وسابقتها معدلات النمو ومؤشرات التنمية من تراجع رهيب، وما ترتب عن سوء التدبير والتقدير من ارتفاع نسبة البطالة، إفلاس عديد المقاولات وتزايد الاستدانة الخارجية بشكل لافت. فأين نحن من كل تلك البرامج الانتخابية التي تعاقد بشأنها حزب المصباح مع الناخبين في الحكومة السابقة والحالية، وهو الذي توفر له من شروط لنجاح واترجمة شعاراته ووعوده إلى حقائق ملموسة، ما لم يتوفر لمن سبقه من الأحزاب التي تعاقبت على تدبير الشأن العام؟
إن الطبقات الفقيرة والمتوسطة لم تعد قادرة على تحمل المزيد من القرارات اللاشعبية، التي ظل البيجيدي يتخذها منذ وصوله إلى سدة الحكم، لما نتج عنها من غلاء فاحش وبطالة وهشاشة في العمل وضعف الخدمات الاجتماعية وإجهاز على المكتسبات، وترفض بشكل قاطع أن يتم مرة أخرى تمويل برنامج الحماية الاجتماعية على حسابها، عوض الاتجاه نحو فرض ضرائب على كبار الأثرياء والشركات الكبرى التي تمتص دماء المغاربة. ألم يكن حريا بالعثماني اطلاع الشعب على حصيلته الكارثية والاعتذار عن الهدر التنموي والاجتماعي، الذي تسبب فيه حزبه جراء القيادة السيئة والمرتعشة للحكومة على مدى عشر سنوات، عوض اللجوء إلى خطاب المظلومية والمؤامرة والترويج للأكاذيب؟