احجيرة: التعديل الحكومي ماشي للترضيات وإنما لتسريع وتيرة البرامج

السعدي: لن ننخرط في الحملات التي تسيئ لوطننا بسبب حسابات سياسية ضيقة

بايتاس: منجزات الحكومة لا تدع مجالا للشك بكونها حكومة اجتماعية بامتياز

السعدي: الحكومة قامت بإصلاحات غير مسبوقة وهي مستمرة بفضل مشروعيتها الانتخابية

استياء الكازاويين من فرض رسم 70 درهما لدخول ساحة مسجد الحسن الثاني

سلطات شفشاون تعطي الانطلاقة الرسمية لوحدة فندقية جديدة

ما الذي يهدف إليه "نظام العسكر" الجزائري من وراء الحملة المسعورة التي يشنها ضد المغرب؟

ما الذي يهدف إليه "نظام العسكر" الجزائري من وراء الحملة المسعورة التي يشنها ضد المغرب؟

أخبارنا المغربية

بقلم : بلال التليدي

البلاغات التي صدرت من القيادة الجزائرية مؤخرا لفتت الانتباه، لاسيما وأن موضوعها واحد، هو المغرب، فالأمر لم يتوقف عند حدود المؤسسة العسكرية، التي تجاوزت حدود اللياقة، وصارت تتوغل في القضايا الدبلوماسية، بل تعددت تصريحات للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وكان آخرها، وربما أخطرها، ما صدر عنه في الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للأمن، فذهب في هذه التصريحات إلى حد الدعوة إلى إعادة النظر في العلاقات مع المغرب.

المثير في البيان الصادر عن هذا الاجتماع أنه حاول أن يبني قرار إعادة النظر في العلاقات مع المغرب، على حيثيات لم يتم تأكيدها في السابق، فالبيان يتحدث عن تواصل «أعمال عدائية من طرف المغرب وحليفه الكيان الصهيوني» في حين تحدثت الصحف التابعة للجيش (مثل صحيفة الشروق) بلغة الاستقبال، عن وجود «مخطط مغربي صهيوني لزعزعة أمن واستقرار الجزائر».

الرئيس الجزائري، لم يتردد في اتهام المغرب بأنه كان وراء الحرائق التي اندلعت في بعض الولايات، لا سيما ولايتي تيزي وزو وبجاية، إذ وجه الاتهام بشكل رسمي إلى حركتي «الماك» و «رشاد» بالضلوع في إشعالها وتورطهما في اغتيال جمال بن سماعين، واعتبرت أن المغرب يقف وراء هاتين الحركتين، ويقدم لهما الدعم لزعزعة أمن واستقرار الجزائر.

وبغض النظر عن الخطاب الجزائري التقليدي تجاه المغرب، ومحاولة الخروج من مآزق الداخل بالاستعانة بورقة العدو الخارجي (المغرب) فإن ثمة جديدا غير تقليدي، تضمنه بيان المجلس الأعلى للأمن، فلأول مرة بعد سنوات من التوتر الدبلوماسي يصل التصعيد لدرجة الدعوة لإعادة النظر في العلاقات المغربية (قطع العلاقات الدبلوماسية) وثمة قرار أمني وعسكري لاستئصال جذري للحركة الانفصالية في القبايل (قرار بإلقاء القبض على كل المنتمين للحركتين) وثمة حديث عن تكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية.

تركيب هذه القرارات الثلاثة، أن الجزائر تهيئ مزاج الشعب الجزائري لحالة حرب مع المغرب، وحرب مع «حلفائه» في الداخل، بما يعنيه ذلك، نسيان كل المشاكل الداخلية، والتفرغ لمشكل واحد، أو من شر واحد آت من الغرب، اسمه المغرب، الذي يهدد حسب تصريحات وبلاغات السلطات الجزائرية أمن واستقرار الجزائر.

وزارة الخارجية الجزائرية، هي الأخرى، في ردها على وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، اتهمت المغرب بأنه «يقوم هو وحليفه الشرق الأوسطي الجديد إسرائيل بمغامرة خطرة موجهة ضد الجزائر وقيمها» دون أن تكشف للرأي العام الجزائري والمغربي أيضا عن حيثيات هذه المغامرة، ولا أي معطيات تخص التهديد الجدي الذي يمثله المغرب بالنسبة إلى الجزائر.

وسائل الإعلام الجزائرية، لاسيما المقربة من دوائر السلطة، تعيد إنتاج الخطاب ذاته، وتحاول تعميمه وتكثيفه حتى بدون تقديم أي حجج يمكن أن ترفع من وعي المواطن الجزائري وتبصره بالتحديات الجدية التي تواجهها دولته.

لكن المثير للتساؤل، في مختلف المواقف التي عبرت عنها السلطات الجزائرية، بمختلف مستوياتها، العسكرية والرئاسية والدبلوماسية، أنها افتقدت إلى المعطيات المقنعة، التي يمكن بها أن تخاطب ضمير الشعب الجزائري الذي يهيأ كما العادة لحالة حرب، يلزم فيها بالاعتقاد بوجود عدو أجنبي اسمه المغرب، وأن الخطر القادم من حدوده، يفترض السكوت مطلقا عن أي انتقاد للسلطة، وتدبيرها للسياسات العمومية، حتى ولو حصلت كوارث صحية وطبيعية وتدبيرية، أظهرت الفشل التام لأجهزة السلطة في التعاطي معها.

لنذهب أبعد من ذلك، ولنفترض أن السلطة الجزائرية تريد أن تخلق حالة حرب في مزاج المواطن الجزائري، وأن تصرف نظره عن المشاكل الداخلية، وتقوي مناعته الوطنية لمواجهة عدو خارجي اسمه المغرب. لنفترض كل هذه الفروض، فهل الهدف يتوقف عند حدود صرف الشعب عن الأزمة الداخلية، وتوجيه جهوزيته لمواجهة التحديات الخارجية؟

ثمة شرائح واسعة من الجزائريين، لم تعد مقتنعة تماما بحكاية وجود خطر خارجي يمثله المغرب، بل أصبحت تعتقد أن الجزائر يستعمل هذه الحجة في إدارة أزماته الداخلية، لاسيما وقد اجتمع في الآونة الأخيرة التدبير السيئ لجائحة كورونا وأزمة الأوكسيجين، مع الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية المؤلمة (مؤخرا أزمة الحليب) مع استمرار الحراك الشعبي معبرا بذلك عن أزمة شرعية في الحكم، مع التحديات الإقليمية التي يمثلها ما وقع في تونس، والدعم الإقليمي الكثيف (الإمارات ومصر وفرنسا) لعدو الجزائر الجنرال خليفة حفتر، والثقب الكبير الذي أصاب جدار الأمن القومي الجزائري، مع التحدي الإرهابي في دول الساحل جنوب الصحراء (مالي) لاسيما بعد تراجع الدور الفرنسي، فضلا عن الخسارات المتتالية للجزائر في ملف دعمها لجبهة البوليساريو، والتقدم الذي حققه المغرب على أكثر من مستوى اقتصادي وسياسي ودبلوماسي وحتى عسكري، بل وفي قضيته الوطنية أيضا.

التقدير في تفسير الخطابات الأخيرة للسلطات الجزائرية بمختلف تشكيلاتها، أن الأمر لا يتعلق بحرب مع المغرب، فالجزائر تدرك أن الإمكان العسكري المغربي، لاسيما في السنوات القليلة الماضية قد أحدث تقدما نتج عنه اختلال كبير في التوازن العسكري بين البلدين لصالح الرباط، ثم إن الوضع الاقتصادي والأمني وحتى الإقليمي للجزائر لا يسمح بمثل هذه المغامرة.

كما أن الأمر لا يتعلق فقط بخلق حالة حرب في وعي الجزائري لصرفه عن نقد السلطة وشكل تعاطيها مع المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والطبيعية، فهذه العملية، قد استعملتها السلطات الجزائرية أكثر من مرة، وكان يكفي فيها التنبيه على المخاطر الآتية من المغرب، لا التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية، واتهام المغرب (الذي سارع لتقديم المساعدة) بإشعال الحرائق في الولايات الجزائرية، والإشارة لوجود مخطط مغربي صهيوني يستهدف أمن واستقرار الجزائر وما إلى ذلك من الاتهامات الأخرى.

ينبغي التوقف كثيرا عند استعمال السلطات لمصطلح «الاستئصال الجذري» لحركتي «الماك» و«رشاد» لاسيما في هذه الظروف التي تعاني منها منطقة القبايل من تداعيات الحرائق المؤلمة، فالاستئصال الجذري، يعني حركة أمنية وعسكرية واسعة، تستعمل فيها كل الوسائل القمعية، ليس لإيقاف واعتقال منتمين لهاتين الحركتين، ولكن لما هو أشمل من ذلك. فغالبا ما تحتاج التغييرات الأمنية والعسكرية المستعصية داخل بنية الدولة، خلق حالة رهاب شعبي من عدو خارجي، وخلق مبررات لعمل أمني وعسكري واسع، لا يتقيد بالقانون ومقتضياته، وذلك بتصفية كل من لم ينضبط من القوى الأمنية والعسكرية للتغييرات القسرية الجذرية التي تفكر السلطات القيام بها.

البنية الأمنية والعسكرية الجزائرية عرفت تحولات عدة في السنوات القليلة الماضية، فعملية التطهير الذي حصل للمقربين من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لم تصل إلى منتهاها، وثمة أسئلة استفهام كثيرة عن ملابسات موت أحمد قايد صالح رئيس الأركان الجزائري السابق، والمؤسسة الأمنية والعسكرية الحالية، تنظر إلى التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الجزائر على أنها مؤشرات اختراق حاصل داخل بنيتها، ولذلك، هي تسابق الزمن، من أجل القضاء على كل الجيوب الأمنية والعسكرية، التي لا تزال تحتفظ بولائها السابق.

 

الحاصل، أن خلق حالة الحرب في ضمير الشعبي الجزائري، وتبرير القيام بحملة أمنية وعسكرية واسعة، هدفه الأساسي، إعطاء المبرر والشرعية لتطهير أمني وعسكري واسع، لا يجد أي ممانعة، لاسيما وأن السلطات الجزائرية أدخلت إلى الوعي الجزائري حكاية مخطط مغربي صهيوني، فالحجة أصبحت جاهزة لكل من لم يدخل إلى الصف من القوى الأمنية، ومانع التغييرات الجذرية التي ستحدث مستقبلا في البنية الأمنية والعسكرية الجزائرية.


ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات