محمد بونوار
حقق مغاربة العالم قفزة نوعية في تحويل العملة الصعبة الى بلدهم الام – المغرب – وجاء ذالك في فترة كورونا والحجر الصحي ، وهكذا ستناهز تحويلات مغاربة العالم 90 مليار درهم هذه السنة ، ويتسائل بعض كبار موظفي الدولة عن أسباب هذه الظاهرة والتي لم يجدوا لها تفسيرات مقنعة ، حيث كان المنطق يميل الى جهة التراجع عوض الارتفاع ، انطلاقا من مناخ العمل والاعمال وتراجع الاقتصاد عالميا جراء وباء – كورونا - . لكن ماجرى هو العكس وهو ما يفسر التلاحم والتألف والتأزر بين مغاربة العالم وذويهم في المغرب .
هذه التحويلات متعارف عليها دوليا أنها تساهم بشكل كبير في تقليل العجز في الميزان التجاري وتوفر سيولة من العملة الصعبة في البنوك المغربية ، وتساهم أيضا في تقليل الفقر والتخفيف من حدته .
رغم كل هذه المحاسن دون أن نذكر قيمة الهدايا و الملابس والاثاث والمعدات المختلفة والاشياء الاخرى التي يرسلها مغاربة العالم الى أقاربهم ، وبعض المساعدات التي ترسلها الجمعيات من كراسي متحركة و سيارات الاسعاف و آليات العمل و حافلات للنقل المدرسي . رغم كل هذه المعطيات والتي تنعش الاقتصاد المغربي من جوانب مختلفة ، لازالت الجالية تعاني من مشاكل كبيرة ، وفي غياب كامل لما يسمى بمجلس الجالية والذي لا يواكب طلبات مغاربة العالم ، ولا يهتم بها ولا يعيرها أي اهتمام وذالك طبعا ناتج عن ضعف وعدم الاٍلمام بالمسؤولية الملقات على عاتق المجلس .
لتشجيع هذه التحويلات دأب المغرب على منح منحة مالية صغيرة لكل من يحول الاموال الى المغرب ، كما دأب المغرب على تخصيص ميزانية لنقل الاموات من البلدان الاروبية الى بلدهم الام . لكن مع قدوم وباء كرونا ألغت وزارة الجالية هذه الميزانية ولم يعد ممكنا نقل الاموات من أروبا الى المغرب على حساب وزارة الجالية ، والتي قامت الحكومة الجديدة برئاسة السيد أخنوش باٍلغائها من لائحة الوزارات والاكتفاء بكاتبة الدولة مكلفة بالجالية .
خلاصة القول مغاربة العالم لن يتراجعوا عن القيام بالتحويلات المالية ، سواء تم تعيين وزير الجالية ، أو لم يتم ، وسواء كان مجلس الجالية قانوني أو غير قانوني ، والسبب بسيط ويسير على الفهم ، ألا وهو الارتباط بالوطن وبالعائلة والتعاطف الانساني والتشبث بقيم التعاون والمساعدة والجري وراء أعمال الخير والاحسان .
تابعنا نحن مغاربة العالم خلال هذا الاسبوع مناقشة الميزانيات المخصصة لقطاعات الصحة والتعليم وشراء المعدات الحربية والخدمات العمومية وغيرها من المجالات الاخرى ، لكن هناك أشياء أخرى لها علاقة بالجالية ولا أحد يعيرها أي اهتمام رغم أن تحويلات مغاربة العالم تعتبر من الركائز الاساسية في اقتصاد المغرب .
مغاربة العالم يحتاجون الى تعزيز الاسطول البحري والجوي لضمان صلة الرحم بالاقارب والاحباب والوطن ، الى غاية اليوم ورغم كل الاراباح التي تجنيها الدولة من مغاربة العالم ، لازال المغرب لا يتوفر على أسطول بحري وطني يربط أروبا بالمغرب ، وهو الامر الذي يجعل الدولة تلجأ الى خدمات السفن الايطالية والفرنسية ، والتي غالبا ما تكون غالية ومتعالية في تعاملها مع أفراد الجالية المغربية .
حينما نطرح الحديث عن الجالية المغربية ، يجب التعامل مع هذه الفئة بحكمة ورزانة وبعد النظر ، لأن عددهم كبير وكثير، وخصوصياتهم تختلف من بلد الى آخر .
صحيح أن الجالية تشكل قوة اقتصادية في الاقتصاد المغربي ، وصحيح أيضا ، أنها تشكل عامل تحفيزي للشباب العاطل في المغرب والذي لا يتراجع عن المغامرة في المخاطرة بحياته من خلال امتطاء قوارب الموت . لكن يجب العمل بالمثل الذي يقول لا توجد ورود بدون أشواك .
مؤشرات ارتفاع تحويلات مغاربة العالم يمكن تلخيصها في ثلاثة نقط رئيسية : أولا تقاوم الجالية المغربية التهميش والعنصرية والاسلاموفوبيا في بلدان اقامتها لوحدها ، وبمجهوداتها الذاتية .
ثانيا ، تقاوم الجالية الفقر في بلدها الاصلي من خلال مساعدة الاقارب والمحتاجين في مناسبات مختلفة وفي حالات طارئة كما هو الحال الان ، حيث قلصت – كرونا – من مداخيل الاسر على العموم .
ثالثا ، تقاوم الجالية التهميش السياسي الذي تعاني منه في بلدها الاصلي والذي لازال لم يصل الى درجة التنزيل ، رغم الوعود التي تتبناها الاحزاب في كل مناسبة وفي كل مهرجان . هذه الاحزاب سارعت الى احتواء الحدث بخلق جمعيات وفروع حزبية لا تتبنى أي مبادرات ولا أي اقتراحات اٍلا اٍذا كانت نابعة من مركزية الحزب ، وهو الامر الذي يجعل مغاربة العالم خارجين عن التغطية الاعلامية .
اذا كانت مساهمة مغاربة العالم كبيرة في تخفيف أعباء الاقتصاد المغربي ، فانها من جهة ثانية لم تستطع كبح نوايا بعض الشباب الذين يغامرون بحياتهم في قوارب الموت ، منهم من نجح في الوصول الى أروبا ، ومنهم من توفى في البحر ، ومنهم من لازال محتجزا في معتقلات دول أجنبية ، وفي مقدمة هذه الدول تأتي دولة ليبيا والتي يتعذب الشباب المغربي في سجونها والبعض الاخر من الشباب االمغربي يعاني العقوبات بالضرب المبرح والمعاملة الغير الانسانية من طرف جنود حراسة الحدود بدولة اليونان .
نرجو من السلطات المغربية أن تتدخل لدى هذه الدول لفك العقوبات عن هؤلاء الشباب ، ولو أنهم هاجروا بطرق غير قانونية من المغرب ، وذالك لاعتبارات انسانية واجتماعية واقتصادية وجغرافية .
ولرد الاعتبار الى الجالية المغربية وكجزاء على العملة الصعبة التي توفرها لخزينة الدولة بشكل مستمر ومواضب ومضطرد ، نتمنى أن يفكر المسؤولون على توفير أسطول بحري وطني يضمن الربط بين أروبا والمغرب