أخبارنا المغربية
بقلم : بلال التليدي
شكوك كثيرة تحوم حول مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية، فلحد الآن لا يزال معبرا سبتة ومليلية مغلقين، ولم يرشح لحد الآن أي خبر عن طبيعة التفاوض الجاري بين البلدين.
وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، فضل أن يختار نهج الهدوء في إدارة التفاوض مع المغرب، وإبعاد وسائل الإعلام عن أي حيثية تخص المحادثات التي تجري بين البلدين. لكن في المقابل، فإن الصحافة الإسبانية ومختلف المراقبين والمحللين في الداخل، ينظرون إلى مؤشر واحد يقيسون به أداء وزارة الخارجية الإسبانية، وما إذا كانت نجحت في حلحلة الأمور، وإقناع المغرب بعودة العلاقات إلى طبيعتها، أم أنها لا تزال في نقطة الصفر. فعودة السيدة كريمة بن يعيش، سفيرة المغرب في مدريد إلى مقر السفارة، هو ما يمكن أن يقنع الإسبان، بأن نهج السيد خوسي مانويل ألباريس قد آتى أكله.
وسائل الإعلام الإسبانية تابعت بكل قلق، عددا من التطورات التي لا تقدم مؤشرات إيجابية على أن الأمور تسير في اتجاه عودة العلاقات إلى طبيعتها، فالمغرب الذي اشترط على إسبانيا أن تخرج من منطقة التردد والازدواجية بخصوص قضيته الوطنية، لم يكتف بالصمود على موقفه، بل أضاف إلى ذلك، تقوية تحالفاته، مع الكبار، من أجل نزع فعالية الورقة العسكرية التي كانت إسبانيا تهدد باللجوء إليها، وأيضا مع مكونات من داخل الاتحاد الأوروبي (دول أوروبا الشرقية)، للدفاع عن مصالح المغرب، وعزل إسبانيا.
التطور الجديد الذي سجل هذا الأسبوع جاء من برلين، وذلك مباشرة بعد انتقال السلطة من المستشارة أنجيلا ميركل إلى المستشار الجديد أولاف شولتز، إذ صدر بلاغ من وزارة الخارجية الألمانية، يشيد بمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لحل نزاع الصحراء تحت السيادة المغربية، واعتبرته الخارجية الألمانية مساهمة مهمة للمغرب في تسوية النزاع حول الصحراء المغربي، وأبرزت دعمها للجهود المبذولة من طرف المبعوث الأممي، ستافان دي ميستورا، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل، دائم ومقبول على أساس القرار 2602.
ما من شك أن ألمانيا تريد بهذا التصريح الذي يخدم الموقف المغربي، ويكشف عن تطور مهم في الموقف الألماني، أن تعود العلاقات المغربية الألمانية إلى سابق عهدها، وهي تصر على ذلك، وتقدر أنها فقدت الكثير من جراء جمود العلاقات بين البلدين، وجعلت فرصا كثيرة تضيع من يدها، وتوضع في يد فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية حليفي المغرب الاستراتيجيين. لكن في المقابل، ثمة تقديرا مختلفا من طرف الجارة في الشمال (إسبانيا). فمدريد التي كانت تعيش جمود العلاقة مع المغرب، مثلما تعيشها برلين منذ شهور، كانت تعتقد أن دخول المغرب في خط الأزمة مع البلدين، سيجعل الاتحاد الأوروبي في صفها في حالة الخلاف مع المغرب، لكن التغيير في الموقف الذي عبرت عنه الخارجية الألمانية، سيجعل مدريد في الركن الضيق، وستشعر بأنها معزولة حتى داخل الاتحاد الأوروبي، بحكم أن الأقوياء في الاتحاد الأوروبي أصبحوا حلفاء المغرب، وصاروا حريصين على تحسين العلاقات الدبلوماسية معه، وأن من شأن ذلك أن يزيد في تقوية الموقع التفاوضي للمغرب، ويدفعه إلى توسيع سلة مطالبه لتشمل جلاء إسبانيا عن سبتة ومليلية المحتلتين..
الصحافة الإسبانية، وبشكل خاص، صحيفة «لاراثون» الواسعة الانتشار، نظرت إلى هذا التطور باعتباره مؤشرا على تعثر الدبلوماسية الإسبانية وجمودها، في مقابل حركية الدبلوماسية الألمانية ونجاحها في حلحلة الوضع مع المغرب، ودفعه نحو إعادة علاقاته الدبلوماسية مع برلين، واعتبرت الموقف الألماني بمثابة مؤشر على قرب انفراج العلاقات بين برلين والرباط، وأن احتفاء الرباط بتغير موقف برلين المشيد بالمبادرة المغربية للحق الحكم الذاتي، يعتبر مؤشرا على نهاية الأزمة بين البلدين.
ومع أن العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وبرلين لم تعد بعد إلى طبيعتها، إلا أن جزءا كبيرا من الرأي العام الإسباني القلق من استمرار جمود العلاقات بين الرباط ومدريد، يرى أن الخاسر الأكبر من ذلك هو إسبانيا، وأن الرباط، تتقدم بكسب مزيد من الحلفاء، وتعمل على كسب حلفاء جدد من داخل أوروبا (أوروبا الشرقية) إلى جانب حليفتها الاستراتيجية فرنسا، وهي الآن تضع اللمسات الأخيرة لإنهاء التوتر بينها وبين ألمانيا، وتضيق الخناق على إسبانيا، وتفرض عليها عزلة في محيطها الإقليمي، وعزلة أخرى داخل فضائها الأوروبي ذاته، إذ ستكون معزولة من أي دعم في حالة ما إذا لم تختر النهج ذاته الذي اختارته ألمانيا في لإنهاء الأزمة مع المغرب، أي الخروج من المساحة الرمادية، أو من دائرة التردد والازدواجية فيما يخص الموقف من نزاع الصحراء.
الدبلوماسية الإسبانية لحد الآن لم تستوعب التطورات المتسارعة التي فرضها الحراك الدبلوماسي المغربي، فهي لا تزال تتبنى البراديغم التقليدي، الذي يربط تحسن العلاقات بين البلدين، بالبقاء في مربع الحياد من قضية الصحراء، وعدم القيام بأي عمل مستفز للمغرب بهذا الخصوص، وتصحيح الأخطاء التي وقعت بهذا الخصوص. ولذلك، لا تزال الانتظارية والحذر، هي السمة المميزة لهذه الدبلوماسية، إذ في الوقت الذي تراقب فيها مدريد التطورات الجارية ونموذج التحالفات القوية التي دخل فيها المغرب، تكتفي بطمأنة الداخل الإسباني، بأن المغرب لم يصل في سعيه نحو التسلح إلى مرحلة مقلقة يختل فيها التوازن العسكري بين البلدين، وأن تفكيره في استرجاع سبتة ومليلية عسكريا أمر مستبعد، في حين، تحقق الدبلوماسية المغربية تقدما مطردا يضيق الخناق على مدريد، ويقلل خياراتها ويزيدها عزلة، ويخلق خلافات داخل البيت الإسباني بخصوص كلفة الاستمرار في نهج الازدواجية من قضية الصحراء، والضرر الذي تتعرض له المصالح الإسبانية من وراء ذلك، إذ لم يعد لوبي الصيد البحري في إسبانيا، هو اللوبي الوحيد الممتعض من موقف الحكومة الإسبانية من قضية الصحراء، بل أضحت العديد من النخب الاقتصادية الإسبانية المتضررة من جمود العلاقات الإسبانية المغربية، تطرح سؤال جدوى الاستمرار في تبني مواقف تضر بإسبانيا، ولا تخدمها.
ما من شك أن تغير الموقف الألماني، ليس حدثا صغيرا يمكن تفسيره فقط بتغير أسلوب إدارة الدبلوماسية من حزب إلى آخر، أو من عهد إلى آخر، فألمانيا، بقيت سنوات عديدة تحمل الموقف نفسه من قضية الصحراء، ولم تدخل في مناكفة مع المغرب بهذا الخصوص إلا في السنة الماضية، وذلك بعد تطور نظر برلين إلى المصالح الألمانية لاسيما في الأقاليم الجنوبية. ومن ثمة، فالموقف الجديد الذي عبرت عنه برلين، هو في الجوهر محاولة لتصحيح المقاربة، ومحاولة للاستدراك مخافة أن تجد ألمانيا نفسها مبعدة بشكل كامل عن الفرص الاقتصادية الضخمة التي أضحى المغرب يوفرها سواء داخل الأقاليم الجنوبية، أو عبرها إلى العمق الإفريقي.
ومن ثمة، فالمؤكد أن خط الاستدراك والتصحيح لن يبقى فقط مقتصرا على برلين، وإنما ستصبح مدريد مجبرة عليه، بحكم العزلة التي ستدخل فيها، إذ سيحكم عليها واقع توسع تحالفات المغرب بالتراجع كشريك اقتصادي وتجاري، كما سيحكم عليها بالعجز عن تعبئة دول الاتحاد الأوروبي لتكون في صفها ضد المغرب. ولذلك، فليس من المستبعد أن تتجه إسبانيا إلى مسايرة نهج برلين في قضية الصحراء حتى تخرج من دائرة العزلة وتقنع الرباط بالحاجة ليس فقط إلى عودة العلاقات بين البلدين، بل إلى تحسنها بشكل سريع وفوري.
عن القدس العربي