هند الصنعاني
وحيدة تجلس في عنبر اليائسات، ببراءة الأطفال تتذكر المشهد الوحيد لوالدتها عندما أتت بها إلى الملجأ، سلمتها لأيام ظالمة ومظلمة، اختفت... وتركتها بين الجدران الحزينة.
شعر أبيض منسدل على كتفيها، تجلس أمام تلفاز قديم خليلُها الوحيد في واقع مرير، رفضت الزواج بعد طلاقها، فهجرها ابنها الوحيد وتركها تشتكي وحدتها للجدران الحزينة، تبتسم عندما تسمع صدى ضحكته التي كانت تملأ أرجاء البيت.
بعدما أخد علاج السكر و الضغط، تمدد في سريره يتحسر على صحته وشبابه وماله، آمن للدنيا ولم يعمل حساب غدرها، يتأمل في صورة حبيبته المعلقة على الجدران الحزينة التي تزوجت غيره بعد طول انتظارها له.
قصص كثيرة، أبطالها يعيشون بيننا بأجسادهم فقط، بداخلهم أحزان مدفونة، لا يملكون حق إعلانها، يعيشون في بيوت ماتت أرواحها، خفقت أنوارها وصدأت أقفالها، رحلوا ساكنيها وغادروها إلى عوالم بعيدة، أسبابهم متعددة ونهاياتهم واحدة...جدران حزينة.
أحزانهم كانت قديما أحلاما، تحولت إلى هلوسات عقيمة، صرخات حادة، ضحكات باهتة، حياتهم أصبحت خريفا دائما لا يُسمع فيه إلا حفيف أوراق العمر المتساقطة.
أحلامهم كانت واقعا فتحولت إلى نذبات عميقة تؤلمهم عندما تزورهم ذكريات الماضي المبعثرة، تعيد فوضى عواطفهم المنطفئة، تدخلهم في صراع بين الأيمان والكفر، يقاومون ضمائرهم التي تعود للحياة وتجلد ذاتهم، فهم لم يطمعوا يوما في سعادة مطلقة أو حياة خاوية من الخيبات، لكن حملوا أمانيهم في قلوبهم وعاشوا على أمل الوصول إلى ذلك النور البعيد الذي كانوا يظنون أنه سيضيء خواتيم أعمارهم.