محمد إبراهيم الزموري
كان بالإمكان ألا أكون، أن يسكنني الجنون و تتوطن في ملامحي سيرة الجفون، أن تسقط الأفكار وترتد الغصون. كان بالإمكان أن أكون شاعرا، منسق حدائق، أو بائع وعود. كان بالإمكان أن أكون عداد الأماني الضائعة أو حارسا للنيازك والنجوم. كان بالإمكان أن أولد في اليونان القديمة، اسبارطا أو ربما آثينا، وأتوج بلقب سيد الفنون، أو أن أكون عازف ربابة في حدائق بابل المعلقة، أو على أسوء تقدير حكيم من قبائل "الأباش" الأمريكية في ماض السنون.
كان بالإمكان ألا أكون كل ماسبق، ربما علقة في مياه أدغال راكدة، أو ذرة غبار في سديم الفضاء الشاسع، أو مجرد خربشة على سور مدرسة عتيقة تأرخ لحب طفولي من طرف واحد. كان بالإمكان ألا أكون، حيث العدم لا يصنع التاريخ، والذكرى تزول بزوال أسباب الوجود.
كان بالإمكان أن أكون مجرد استعارة مكنية في متن أدبي ركيك، أو جملة شرطية في مبنى مقال رديء، أو لنقل على سبيل الألم شاهد قبر مهجور يراقب العابرين. كان بالإمكان أن أكون خيبة أمل، أو رجاء منتظر، أو وسواس قهري تتداوله الأيام، أو مجرد زفرة تقتات صباحا على أنفاس من ناموا في النصف الثاني من الكرة الأرضية.
كان بالإمكان أن أكون أسطورة، حكاية، تجلي صوفي داخل أنشودة، أو مجرد لحن لا تعزفه آلة ولا تغنيه حنجرة. كان بالإمكان أن أكون كما أنا، تائه ما بين جحود السؤال وعسر الجواب، مجرد تراكمات على مشبك الشك وتلاشي اليقين، علامة استفهام في آخر متن أدبي، تقول أعرب ما تحته خط. كان بالإمكان أن أكون إجتماعيا أكثر من "مونتسكيو"، وجوديا أعمق من "سارتر"، فوضويا أكثر من "باكونين"، يمينيا مثل "كاليغولا"، يساريا أقل بقليل من "غرامشي"، أخلاقيا مثل "كانط والفارابي"، أناركيا أكثر من "تشومسكي"، إنطوائيا مثل أبطال روايات "دوستوفسكي"، أو لنقل عدميا مثل رواد ميكانيكا الكم.
كان بالإمكان أن أكون رسما بدائيا في كهف جليدي عميق، وشما على ذراع محارب محنط، أو مخطوطة صينية تشرح طريقة التشافي بالكبريت. كان بالإمكان أن أكون صدى صوت عابر، ترنيمة تتداولها الأيام، أو مجرد سطر في قصيدة المتنبي أناجي العلة التي بدلت لها المطـارِف والحشايـا لكن عافتهـا وباتت فـي عظامـي.
كان بالإمكان أن اكون مدون أخبار، ناقدا للمتون والأشعار، أو رقيبا على جودة الأعمال، أو محارب ساموراي في فيلم لا حبكة فيه ولا آداء.
كان بالإمكان أن أكون احتمالات لا متناهية، مقهى منسي، عمود كهرباء يشتم العابرين، أو مجرد ساعة تتقاتل داخلها العقارب والثواني، كان بالإمكان أن أكون ممكنات مترامية الأطراف، لكن ها أنا اظل أنا وكما أنا، هاوٍ يعشق اللعب بالكلمات.