( المغاربة مدربون وأطباء وعلماء اجتماع وسياسيون وخبراء .. إذا اقتضى الأمر الحديث من المدرجات ومن موقع المشاهدة ، لذلك يسقط الكثير منهم في تناقضات شتى تعكس - بشكل ضمني - حبهم للوطن الجريح وحقدهم على وضعه المتردي و الهش .. الأمر ينطبق أكثر على منتخبنا لكرة القدم ، حيث تبدو هذه الازدواجية أكثر وضوحا ، في بواطنهم حب للمنتخب المغربي يظهر حال الانتصار وفي ظاهرهم غير ذلك يتجلى حالة الهزيمة ، مما ينعكس على حالاتهم الانفعالية التي تطغى عليها المزاجية في القول والفعل فهم لا يحبون الهزيمة لذلك يختبئون حول هذه المشاعر المتضاربة التي تخفي حقيقتهم .. ولان المناسبة شرط كما يقولون أحببت أن استغل فرصة مشاركة المنتخب المغربي لكرة القدم في كاس الأمم الإفريقية لأنقل مشاهد من الواقع عن تفاعل المغاربة وانفعالاتهم المتغيرة مع مباريات الفريق الوطني ، بشكل مجرد دون أن اقصد شخصا بعينه بقدر ما اعني المشاهد الشاب المغربي ، رغم أن جل الحوارات المكتوبة في النص مأخوذة مما سمعته في المقهى الصادرة من طرف مجموعة من الشبان ) .
&&&&&&&&
حصل على مقعد في مقهى " رام الله " أربع ساعات قبل موعد المباراة ، فموعد اليوم لن يتكرر إلا بعد سنتين .. جل المقاعد يبدو أنها محجوزة ، وضعت في معظمها علامات تدل على ذلك : ورقة مطوية ، منديل من " كلينيكس" ، كاس قهوة فارغ ، أو حارس يقظ … كلما هم احدهم بالجلوس على مقعد تجيبه المؤشرات أو يجيبه احد الجالسين : " عامر اخويا عامر " … تمضي ساعة بدقائقها الطوال .. تنطلق المباراة الأولى .. هذه لا تهمه لكن سيشاهدها من اجل النتيجة و التعرف على نقاط ضعف الفريق الخصم القادم .. يسخر من الطقوس الإفريقية التي وصفها بالبدائية كما وصف ساكنة جنوب إفريقيا " بالفقراء و المزاليط الذين تجوز الصدقة في حقهم " .. رقصات متنوعة ممزوجة بأهازيج حماسية وألوان مزركشة : احمر واصفر واخضر وازرق ….. جمهور مختلط يواصل احتفالاته طوال المباراة ، لا يهمه أكثر من سجل أو من انتصر ما يهمه أن يغني ويرقص على إيقاعات " الفوفوزيلا " ذات الأصوات المزعجة … يصيح باستغراب في وجه أصدقائه : " الأفارقة لا يحسون بالبرد انظر أجسادهم عارية .. يكتفون بالسراويل القصيرة ونحن تقشعر أجسادنا من فرط القر " .. يرد عليه أخر : إنهم مخمورون فالخمر غير محرمة في جنوب إفريقيا وتباع كالماء .. تمنى لو كان في جنوب إفريقيا لأفرط في النشاط حتى الثمالة كل ليلة .. سال صديقه : وأين توجد جنوب إفريقيا .. رد عليه بثقة : إنها في القارة الإفريقية يا صديقي .. " وا مالكوم مكلخين " يرد عليهما ثالث بسخرية لاذعة .. " وأنت هو الملكخ " يهاجمانه بعنف .. يتلاسن الثلاثة .. ثم ما لبثوا أن عادوا إلى هدوئهم كان شيئا لم يقع .. سجل الفريق الأول صفقوا معا وصرخوا .. سجل الفريق الخصم فصفقوا وصرخوا كذلك .. نظرات الاستغراب تتجه إليهم ودون أن يتم طرح سؤال مباشر عليهم أجاب احدهم : نحن نصفق على أي هدف سجل " المهم أو أننا نشوفو الكرة .. وعاش الملك " .
يدردش مع أصدقائه حول التشكيلة المحتملة للمنتخب الوطني .. كلهم مدربون طبعا بحكم القليل من الموهبة والكثير من الخبرة التي تكونت لديهم من فرط مشاهداتهم لمباريات كرة القدم .. ويرشفون من دخان السيجارة التي يشعلون الواحدة منها تلوى الأخرى دونما انقطاع .. كما يستنشقون الهواء المشبع بدخان السجائر المحترقة والذي شكل ضبابا كثيفا لان المقهى محكم الإغلاق بحكم الأجواء الباردة لشهر يناير .. ثم يحتسون القهوة السوداء .. وكلما اقترب الموعد ازداد توترهم الذي يتضح من خلال تزايد العنف في كلامهم و ارتفاع صراخهم .. انتهت المباراة الأولى بانتصار الفريق المنظم للبطولة .. مما يحتم على فريقنا الانتصار في مباراته الثانية ما دام سيواجه "البفانافانا " في أخر لقاء لتجنب الاقصاء المبكر .. المقهى امتلئ عن أخره .. حتى أن النادل يجد صعوبة في التحرك .. ويحاول أن يجمع قناني المشروبات الغازية كؤوس الشاي والقهوة لتخفيف الخسائر المحتملة .
أطلقت صافرة البداية .. تعالت الهتافات و الصراخ .. إنها نفس التشكيلة التي توقع أن يدخل بها المنتخب الوطني . أثنى عليه بعضهم لقوة حدسه وتوقعه .. كما عبر بدوره عن ثقته في فوز كاسح على الرأس الأخضر وفي التهام الأسود له من دون طهي .. تساءل احد أصدقائه عن موقع هذه الدولة ، أجابه أخر : إنها تقع في إفريقيا كذلك ما دام فريقها يلعب معنا .. ضحك السائل فقال : لكن أين يقع الرأس الأخضر بالنسبة لإفريقيا ؟؟ أجاب احدهم بنباهة : في إفريقيا السوداء فبشرتهم تدل على موطنهم .. في الحقيقية لا يهم الموقع بقدر ما تهمنا الوقعة و النزال ..
اشتد الوطيس واشتعلت نار المواجهة .. التعليمات تصدر للاعبين من رواد المقهى كأنهم في ملعب الكرة .. في بعض الأحيان يصرخ احدهم لينبه احد اللاعبين : " وراه لهيه عطيه " ..سباب وشتم مصحوبان بثناء و تقدير … مشاعر متناقضة و عبارات متضاربة .. " الحاصول كلها يلغي بلغاه " .. نطق احدهم بكلام من قاموس ما تحت الحزام .. وبخه آخرون .. رد عليهم بلامبالاته .. " برد أصحابه السوق " تجنبا منهم لمشاهدة مباراة من نوع أخر في المقهى : " راه ماشي نورمال راه منغم واسمحوا لينا " تفهم الآخرون الوضع وقبلوا اعتذارهم ، ليلخص أخر ما يجري في قوله " واهذي هي القهوة .. ومن لم يعجبه جوها فليمكث في بيته مع العيالات " .. تعالت الضحكات والقهقهات على هذا القول وأشار إليه رجل كهل بإبهامه يحييه .. أجابه شاب " الرجولة من الطفولة " .. هدا الصراخ لترتفع السنة الأدخنة المتصاعدة من " ماركيز وكازا " ..
تواصلت أطوار اللقاء .. ضغط الفريق الخصم متواصل.. المشاهدون يطلبون " السلامة " .. خطا أخر في التمرير هجمة سريعة .. هدف جميل على فريقنا نزل عليه كالصقيع.. هذا ما لم يكن يتمناه .. سب المدرب كما سب الجامعة والوزير وسب اللاعبين معهم .. " لو دخل فلان مكان فلان ولو اخرج فلان ولماذا لم ينادي على علان .. " . بدأ يراجع التشكيلة التي دخل بها المنتخب ، واتهم المدرب انه ضعيف لا يتحكم في اللاعبين ولم يدخل التشكيلة المثالية .. بل لم يكن على الجامعة أن تختار الطاوسي .. غريتس أفضل منه .. أين موقع خرجة و بوصوفة ؟… لماذا لم يتم اعتماد الزاكي؟؟ .. نادى برحيل الجامعة كما نادى برحيل الوزير .. حتى المعلق لم يسلم من السب والشتم فهو علامة نحس وفأل شؤم على المنتخب .. وطالب من نادل المقهى أن يغير القناة لسهرة نهاية الأسبوع " نغمواتاي أو السهرة لكم " لأنها لا تثير الأعصاب وان كانت تثير الغرائز و الشهوات .. تذكر انه اليوم يوم أربعاء ، فطالب بدلا من ذلك ببرنامج مباشرة معكم رغم انه لا يستسيغ مشاهدته فسيكون أفضل من عرض الفريق الوطني ..
أكد أن الأسود لم يعودوا اسودا بل هم " قطط و شيخات " يتم التراقص بهم في الملعب .. ثم بدا يشجع الفريق الخصم .. اختلط عليه الحابل بالنابل وأيام الأسبوع وساعات اليوم كما اختلطت عليه مشاعر الحب والحقد والكراهية لم يعد يعرف أين سيصنف الوطنية .. تذكر كل ماسيه .. البطالة و حفر الشوارع و الزطلة ..لا شيء يفرح في هذا الوطن .. تزايد دخان السجائر في التصاعد .. الكل يعيش على أعصابه في نرفزة واضحة .
تحرك المنتخب الوطني في العشرين دقيقة الأخيرة ، عاد من جديد إلى تشجيع منتخبنا ... كالطفل الصغير الذي يجمع بين الضحك والبكاء .. ضيع اللاعب الكرة .. هاجمه بأقبح النعوت واقدح الألفاظ :" يا للحمار ، يا ولد .." سجل نفس اللاعب الهدف : " برافو خويا ، شديد يا ولد ميمتي " ... يرتفع الصراخ والصياح و التهليل مع كل إعادة كأن الهدف سجل من جديد .. دخل إلى المقهى كل المارة القريبين الذين سمعوا الصراخ .. تهللت وجوههم بالفرحة لهذا الهدف .. وتمنوا تسجيل الثاني .. تحول السب والشتم كله إلى الفريق الخصم الذي يضيع الوقت والى الحكم الذي يعلن – في نظرهم – عن أخطاء غير موجودة أو يحرم منتخبنا من فرص حقيقية للتسجيل ولو كان التسلسل واضحا : " ودير اصاحبي عين ميكة .." ، و مع كل زاوية تتعالى الهتافات : اللهم صلي عليك أرسول الله ، اللهم صلي عليك أرسول الله .. انتهت المقابلة بالتعادل " تاسف على ضياع الانتصار ، لكن نشوة الفرحة ظاهرة عليه .. " اللهم نصف خسارة ولا خسارة .. لازال الأمل قائما .. سننتصر على جنوب إفريقيا بالتأكيد " .
&&&&&&&&&&
من خلال ما سبق يتضح أن اغلب المغاربة لا علاقة لهم بالكرة ( غير مزطمين ) .. مندفعون وجدانيا لحب فريق يمثل الوطن ..وأنا – بالمناسبة - أطالع التعاليق الواردة في الفايسبوك .. أجد اغلبها - طبعا - حول مباراة المنتخب المغربي التي جرت مساء يوم الأربعاء .. لكن المثير للانتباه هو أن اغلب من كانوا يكتبون قبل المباراة عن ضعف المنتخب المغربي .. تفاجأوا للعرض الهزيل الذي قدمه أمام الرأس الأخضر ... ففي هذا تضارب .. الأمر الطبيعي هو أن يصدقوا توقعاتهم بدم انجليزي ... أما نرفزتهم وعصبيتهم وحسرتهم على عدم تحقيق الفوز تعني أنهم متناقضون لسببين : أما أن ما كتبوه لم يصدر من أعماقهم او كانوا يرجون حدوث معجزة تحول الأسد الأليف إلى أسد مفترس ...وهو ما يعني أن العاطفة الوطنية – البعيدة عن الواقعية - تطغى على تحليلاتهم أي انتقد بشدة و أتوقع الأسوأ ومع ذلك أتمنى أن أكون مخطئا ليفوز المنتخب ..