فاضل المناصفة
تدخل الحرب في روسيا شهرها الثالث مع استمرار صمود زيلنسكي تحت دعم من الغرب على رغم من خسارته لمدينة استراتيجية قد ترسم ملامح جديدة لمسار الحرب، حيث يسابق بوتن الزمن لحسم المعركة قبل أن تصل المساعدات العسكرية الأمريكية إلى كييف مع تصميم الإدارة الأمريكية على ان يكون هنالك جديد في هذا الشهر، إما من خلال الدفع نحو حل سياسي للأزمة لحفظ ماء الوجه، أو الاعتراف بالفشل أمام بوتن وترك زيلنسكي يواجه مصيره لوحده ومنحه بعض الأسلحة للدفاع عن بلده الى اخر رمق.
زيارة غوتريش لموسكو في الأيام المقبلة ستحدد ما إذا كان الروس مستعدين لوقف الحرب وهي زيارة تحمل في مضامينها نية الغرب إلى استعمال اسلوب الديبلوماسية بدل العقوبات الاقتصادية التي لم تكن كافية لردع الروس عن خيارهم العسكري، ويرجح ان غوتريش سيقدم عرضا لبوتن قد يساهم في حل الأمور ويحفظ ماء وجه الغرب أمام نجاح بوتن في الالتفاف على خطة أمريكا في محاربته اقتصاديا وكف زحفه المتواصل نحو العاصمة كييف الذي يبدو بطيئا ولكنه مدروس بحذر من قبل بوتن.
لقد اثبتت الجولة الأولى من الحرب قبل وقوع ماريوبول في يد الروس ان بوتن متجاهل تماما للوضع الانساني الخطير داخل أوكرانيا، والذي ينذر بحصول المزيد من المجازر والخسائر البشرية في صفوف الطرفين ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك استعداد من قبل بوتن لقبول الحل السياسي أم ان الرجل قد غاص في الوحل ولم يعد بالإمكان التفكير في العودة إلى الوراء؟
بالطبع بوتن يعلم يقينا أن الغرب غير مستعد لتقديم تنازلات في أوكرانيا لأن تقديمها سيكون بمثابة موقف ضعف : يرى الكرملين أنه يجب أن تأتي التنازلات من الطرف الاخر، لتصل الرسالة للسويد و فنلندا بأن الغرب قد يتخلى عنهما بنفس الطريقة التي مورست في حق أوكرانيا التي دفعت للانضمام الى الناتو وورطت مع الدب الروسي، حتى وان أظهر الغرب مساندته العسكرية لكييف إلا أنها تأتي متأخرة وغير قادرة على قلب موازين القوى مادامت الجيش الروسي هو من يهاجم وهو من يفرض قواعد اللعبة، كما ان بوتن لا يملك خطوطا حمراء في الحرب وبإمكانه استعمال الكيماوي، ولا يؤمن بأن هناك أخلاق في الحرب ومستعد لجعلها أكبر قذارة مما سبق : يكفي فقط أن احتفالات اعياد الفصح أتت تحت صوت المدفعيات والدبابات ولم تراعي أي شيء آخر.
لقد فشل الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانكوفيتش مع بوتن في القرم وفشل الغرب ايضا في سوريا وهم يتجهون إلى الفشل مع خطة بوتن لضم أوكرانيا بأكملها بالرغم من العقوبات الأميركية والأوروبية التي لم ولن تنجح في ردع تحرك الجيش الروسي ولا حتى عزل روسيا عن نصف الكرة الأرضية وهو ما يعني الآن أن الغرب يحس بالإحراج وقد ظهر هذا في تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأخيرة والتي أكدت بلا ما يدع شكا أن الغرب سيمضي نحو قبول ضم دونباس ودونتسيك مقابل ترك ماتبقى من أوكرانيا على وضعه، وربما سيترك الغرب العقوبات الاقتصادية المفروضة قائمة لعلها تصل إلى تدمير نظام بوتن داخليا من خلال ثورة الأزمة الاجتماعية التي ربما قد تنفجر على المدى الطويل، اذا بقيت روسيا مكبلة اقتصاديا وغير قادرة على تكوين حلف شبيه بالمعسكر السوفياتي سابقا.