دويتشه فيله
ساد اعتقاد لوقت طويل أن التستوستيرون يزيد من الرغبة الجنسية والعدوانية لدى الرجال، لكن دراسة جديدة أظهرت أن له جانبًا محبوبًا أيضًا.
وخلال التجارب المعملية، حقن باحثون هرمون التستوستيرون في ذكور الجربوع وراقبوا كيف ستتصرف تلك الحيوانات مع شركائها. ولدهشتهم وجد هؤلاء أن الحقن بالهرمون عزز "السلوك الودي" ومهد لحدوث "تفاعلات اجتماعية إيجابية" بين الحيوانات.
يقول الباحثون إن هرمون التستوستيرون يؤثر على نشاط الأوكسيتوسين - ما يسمى بهرمون "الاحتضان" أو "الحب" المرتبط بالترابط الاجتماعي - على الرغم من أنهم وحتى الآن لا يعرفون كيف يحدث الأمر، بحسب ما نشر موقع صحيفة ديلي ميل البريطانية.
أجرى الدراسة الجديدة باحثون في جامعة إيموري في أتلانتا بولاية جورجيا ، بقيادة الأستاذة المساعدة في علم النفس أوبري كيلي وزوجها ريتشموند طومسون، عالم الأعصاب.
وقالت كيلي: "للمرة الأولى أثبتنا أن هرمون التستوستيرون يمكن أن يعزز بشكل مباشر السلوك غير الجنسي، والسلوك الاجتماعي، بالإضافة إلى العدوانية كما هو معروف، وذلك لدى الفرد نفسه".
وتضيف: "يعد الأمر مثيرا للدهشة لأننا عادة ما نفكر في هرمون التستوستيرون على أنه السبب زيادة في السلوكيات الجنسية والعدوانية، لكننا أظهرنا أنه يمكن أن يكون لها تأثيرات أكثر دقة، اعتمادًا على السياق الاجتماعي".
تضمنت الدراسة، التي نُشرت في دورية Proceedings of the Royal Society B ، تجارب على الجربوع المنغولي، وهو نوع من القوارض الصغيرة، التي استخدمت في التجارب العلمية منذ القرن التاسع عشر، وتعرف بأنها تشكل روابط زوجية دائمة وتربي صغارها معًا.
وتشير الدراسة إلى أنه يمكن للذكور أن يصبحوا عدوانيين أثناء التزاوج وعند الدفاع عن أراضيهم، لكنهم يظهرون أيضًا سلوكًا حميمياً كالعناق والاحتضان بعد أن تصبح الأنثى حاملاً ، كما يظهرون سلوكًا وقائيًا تجاه صغارهم.
في إحدى التجارب، تم تقديم ذكر إلى أنثى من هذه الحيوانات، وبعد أن شكلوا زوجًا وأصبحت الأنثى حاملاً، أظهر الذكور سلوكاً رقيقاً كان منه احتضان شركائهم. ولمعرفة أثر الهرمون أعطى الباحثون الذكور حقنة من التستوستيرون، معتقدين أن زيادة مستوياته في الجسم سيقلل من السلوكيات الرقيقة لدى الذكور.
تقول البروفيسورة كيلي: "بدلاً من ذلك، فوجئنا بأن ذكر الجربوع أصبح محبوبًا وأكثر إيجابية مع شريكته".
وفي تجربة لاحقة، قام الباحثون بإخراج الإناث من الأقفاص بحيث يكون كل ذكر من الجربوع تلقى حقنة التستوستيرون يقبع بمفرده، بعدها تم إدخال ذكر غير معروف إلى القفص، مما قد يعزز إمكانية بدء القتال بين الخصمين.
قالت كيلي: "في العادة ، يطارد الذكر ذكرًا آخر يدخل قفصه، أو يحاول تجنبه". لكن بدلاً من ذلك، كان الذكور الذين يقيمون بمفردهم في الأقفاص وتم حقنهم سابقًا بهرمون التستوستيرون أكثر صداقة مع الوافد الجديد.
غير أن السلوك الودود تغير فجأة عندما أُعطي الذكور حقنة أخرى إضافية من هرمون التستوستيرون. وبسبب الحقن الإضافي، بدأ الذكر في مطاردة الجروع الذكر المنافس أو تجنبه تمامًا، وفق ما ذكر موقع نيوروساينس.
وعلقت كيلي: "كان الأمر كما لو أنهم استيقظوا فجأة وأدركوا أنه لم يكن من المفترض أن يكونوا ودودين في هذا السياق". وتوضح أن التستوستيرون "يعزز السلوك المناسب للسياق الذي يوجد فيه الحيوان"، بل إنه يمكن أن يلعب دورًا في "تضخيم الميل إلى أن يكون محبوبًا ووقائيًا أو عدوانيًا".
ووجد الباحثون أن الذكور الذين يتلقون حقن التستوستيرون أظهروا نشاطًا أكثر للأوكسيتوسين في أدمغتهم أثناء التفاعل مع شريك أنثى مقارنة بالذكور الذين لم يتلقوا الحقن، ما يعني أنه من المحتمل أن يؤثر التستوستيرون على نشاط الأوكسيتوسين، لكن الباحثين لا يعرفون بالضبط كيف يحدث ذلك.
قالت كيلي: "نحن نعلم أن أنظمة الأوكسيتوسين والتستوستيرون تتداخل في الدماغ ولكننا لا نفهم حقًا السبب".
وتؤكد الدراسة على أنها لم تستخدم سوى حيوان الجربوع، ولذلك يجب تطبيق النتائج بحذر شديد على الحيوانات الأخرى، وأن هذا قد لا يعد مقياساً لما يمكن أن يحدث مع البشر.
ويقول العلماء إن السلوكيات البشرية أكثر تعقيدًا بكثير من سلوكيات الجربوع، لكن النتائج قد توفر أساسًا للدراسات في الأنواع الأخرى، بما في ذلك البشر.