رضوان قطبي
من المعلوم أن الأنظمة الديمقراطية عبر العالم لاتستطيع تأدية أدوارها والقيام بوظائفها اعتمادا على التقسيم التقليدي للسلط : التشريعية والتنفيذية والقضائية، بل لا بد لها من إشراك المواطنين- أو إيهامهم بالمشاركة- عبر التواصل السياسي في دينامية صنع القرارات وتخطيط السياسات. من هنا تأتي أهمية وسائل الإعلام الجماهيري ولاسيما الصحافة التي حملت لقب صاحبة الجلالة لقوة تأثيرها، وأصبحت تمارس سلطة رمزية تنعت بالسلطة الرابعة.
** ولا أحد ينكر الأدوار التنويرية والإعلامية التي مارستها هذه السلطة عبر مسيرتها التاريخية، بيد أن تصدع السلطة الرابعة بات أمرا واقعا يتم تكريسه يوما بعد يوم، فقد تحولت من موقع الدفاع عن حقوق وحريات الناس ومراقبة السلطات الثلاث، ومنعها من الانحراف وتجاوز القانون، إلى موقع الدفاع عن الشركات الاحتكارية الكبرى ومصالحها الرأسمالية المتوحشة. هذه الأخيرة أفرغت السلطة الرابعة من مضمونها وجردتها من أهدافها، بل أخطر من ذلك بدلا من أن يكون الإعلام أداة فاعلة بيد المواطن، صار أداة ضاغطة بيد السلطة الحاكمة وتحالفاتها (الشركات، والأنظمة السياسية). وتحولت المؤسسات الإعلامية الكبرى التي تسيطر على المجال العام والفضاء الإعلامي، إلى فروع تابعة للشركات الاحتكارية والمؤسسات المالية المهيمنة على اقتصاد الكوكب.
** لكن في ظل الثورة الرقمية التي عرفها العالم، برز شكل جديد من الإعلام يسمى بالإعلام الجديد أو البديل، لا زال مستعصيا حتى الآن عن الإخضاع الكلي وإن تم اختراقه وتوجيه بعد منصاته. هذا الإعلام يعيد نسبيا السلطة الرمزية للمواطنين بالنقد والتعبير الحر ، وفضح وكشف التجاوزات والخروقات التي يمارسها المسؤولون عن تدبير الشأن العام ورجال السياسة. وبالتالي أصبحنا أمام سلطة جديدة تسمى لدى الأوساط الإعلامية بالسلطة الخامسة، التي أطاحت إلى حد كبير بالسلطة الرابعة، واحتلت مكانها بل أكثر من ذلك وسعت من فضاء تواجدها وقدرتها على الفعل والتأثير. إنها تعيد تشكيل الفضاء العام باعتباره مجالا سياسيا للحوار وإطارا لمختلف القدرات والأفكار والتعبيرات في أفق تحقيق قدر معقول من التوافقات أو الاتفاقات.
** إن الرهان الحقيقي هو بناء وعي الإنسان وتثمين حسه النقدي، وانتشاله من إديولوجية مجتمع الاستهلاك وعقلية التتفيه ، وصحافة التابلويد التي تتفنن في نشر فضائح المشاهير والفنانين والقصاصات التافهة. وإدماجه بالمقابل في منظومة القيم والمصالح الإنسانية المشتركة (قضايا حقوق الإنسان، والقضايا البيئية والمناخية.. )، عبر استثمار كل الإمكانات التي يتييحها الفضاء الرقمي بوعي وحذر وانتباه، لأن سيف الرقابة والهيمنة مسلط أيضا على رقاب سكان الكوكب الافتراضي. وهذا ما تثبته وقائع الحجب المتكرر التي يتعرض لها المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية من فايسبوك وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي.