أخنوش:التصنيع سياسة حكومية متكاملة تهدف لتطوير الاستثمارات الكبيرة وتحقيق العدالة الاجتماعية

طفلة تحرج وزراء في حكومة أخنوش خلال جلسة برلمان الطفل

رئيس غرفة الفلاحة بجهة فاس مكناس يزف أخبارا سارة للراغبين في الاستثمار في الصناعات الغذائية

اندلاع حريق مهول بأكبر مصنع للنسيج بالمنطقة الصناعية المجد وسط طنجة

الكيحل.. إنتاج السيارات وقطع غيار الطائرات بالمغرب يسجلان أرقاما غير مسبوقة تدعو للفخر والاعتزاز

انطلاق المهرجان الدولي للسينما والهجرة بوجدة

موسم الهجرة الى مراكز الدعم الخصوصية

موسم الهجرة الى مراكز الدعم الخصوصية

محمد بادرة

هناك اجماع وطني على ان تعليمنا راكم ما يكفي من مؤشرات الازمة وتأكد للجميع وبالملموس ان الازمة حقيقية في جوهرها واشكالها وابعادها وان حدتها وانعكاساتها تتفاقم يوما بعد يوم وهوما يبين بما لا يدع مجالا للشك ان تطوير التعليم يجب ان يتم من خلال تقويم النظام التعليمي وتشخيص القصور في المدخلات والعمليات والمخرجات حتى يتحول التقويم الى تطوير حقيقي وضبط فعلي لجودة الخدمة التعليمية.

وتعتري منظومة التربية والتعليم صعوبات كثيرة من اهمها وجود كثافة تفاعلية بين التعليم وبين المجتمع فكلاهما من نسيج واحد، لذا ولأجل تحقيق المساواة التربوية والعدالة الاجتماعية والحد من مظاهر التعثر والفشل التعليمي لابد ان تكون منظومتنا التربوية فعالة ومؤثرة اولا بالقضاء على الهدر المدرسي الذي يغدي التفاوتات الاجتماعية للنجاح في التعليم وثانيا بمراجعة جميع البرامج والمناهج الدراسية والممارسات البيداغوجية قصد الرفع من الفعالية والمردودية الداخلية المؤثرة على جودة التعليم والتعلم. 

وسعيا الى تطوير منظومتنا التعليمية واذكاء فاعليتها في تحقيق الغايات والمقاصد المنشودة وعملا على الرفع من اداء المتعلمين والرفع من مردوديتهم وتدعيما للجانب المهني لذى المدرسين باستكمال تكوينهم في المجالات المرتبطة بممارستهم المهنية فان وزارة التربية الوطنية عملت على جعل الدعم التربوي مكونا فاعلا في تطوير كفايات ومهارات المتعلمين ووسيلة لتحسين المردود التعليمي وهذا ما يعطيه بعدا خاصا يستلزم تغيير نظرتنا الى الدعم التربوي والارتقاء به الى ان يصبح ثقافة تتجدر في العملية التربوية، ولهذه الغاية اصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة مركزية تحت عدد 104/15 بتاريخ 22اكتوبر 2015 تحت موضوع الوثيقة التاطيرية الخاصة بتفعيل تدبير(عتبة الانتقال بين الاسلاك) وجاءت هذه المذكرة (لمعالجة احدى الاشكاليات الرئيسية التي تعاني منها المنظومة التربوية والمرتبطة بانتقال عدد من التلاميذ من مستوى تعليمي لآخر ومن سلك تعليمي لآخر دون حصولهم على الحد الادنى من التحكم في التعلمات الاساسية. ويهدف هذا الاجراء التربوي التتبعي الفوري الى تصحيح هذا الوضع المختل من خلال خطة عمل ترمي الى ( ضمان تحكم التلاميذ في الحد الادنى من التعلمات الاساسية كشرط اساسي للنجاح) كما تضع هذه المذكرة مجال التدخل التربوي السريع عبر عمليات الدعم التربوي انطلاقا من النتائج المحصل عليها في تشخيص التعلمات التي تشرف عليها المؤسسات التعليمية.

ان الوزارة الوصية حين وضعت استراتيجية للعمل في مجال الدعم التربوي اعتمدت على عدد من المسوغات منها: تفاوت قدرات المتعلمين في مسايرة وتيرة التعلم الجماعي – تدني معدلات التلاميذ وضعف مستوى تحصيلهم وعزوفهم عن الدراسة- تباين مقاربة المدرسين والفاعلين التربويين لمفهوم الدعم التربوي وحصر اغلبيتهم مفهوم الدعم في المراجعة وتكملة الدروس او اضافة التمارين دون ضبط معالجة مستوى الكفايات المطلوبة.. لكن تنظيم الدعم من حيث المهام والوظائف والوسائل يتطلب:  

أ-حصر التلاميذ المتعثرين انطلاقا من نتائج تشخيص التعلمات في المواد الاساسية –ب-  تشكيل اقسام خاصة بالدعم في المواد الاساسية –ج- برمجة حصص الدعم في المواد الاساسية –د- ايجاد الوسائل والتقنيات والصيغ البيداغوجية المناسبة لدعم التلاميذ –ه- تتبع مدى انجاز حصص الدعم ثم تحليل نتائج تقييم عملية الدعم وتقييم مدى فعالية الدعم في تحقيق الأهداف المتوخاة.

هكذا سيتضح ان الدعم المؤسسي كما ورد في الوثائق التربوية الرسمية هو الاجراء العملي الاكثر ملاءمة وشيوعا في نطاق تعميق الفهم وتطوير المهارات وترسيخ المكتسبات وتقليص الفوارق بين فئات التلاميذ وفي جميع مراحل التعليم واطواره. وكان الذي اعطى دفعا قويا لبيداغوجيا الدعم هو نظام التعليم الاساسي في منتصف الثمانينيات الذي لقي تأييدا ودعما من البنك الدولي ليظهر آنذاك مفهوم "بيداغوجيا الدعم والتقوية" كإحدى محاور مشروع اصلاح النظام التعليمي الهادف الى تعميم التعليم والزاميته في سنوات التعليم الاساسي. وحتى لا يكون السلك الاول من التعليم الاساسي (المستوى الابتدائي) ممرا فسيحا لكل التلاميذ المتمكنين وغير المتمكنين احدثت الوزارة الوصية استراتيجية ديداكتيكية (بيداغوجيا الدعم) للحد من الهدر المدرسي والتسرب والتكرار اوالتعثر والفشل الدراسي وبهذا الاستدراك التربوي_ البيداغوجي ظهرت بيداغوجيا الدعم كوليد شرعي للتعليم الاساسي مهمته دعم وتقوية وتصحيح ومعالجة التعثرات التي تعترض سير التلميذ اثناء تمدرسه خلال سنوات التعليم الاساسي. 

هذه الاستراتيجية التعليمية(بيداغوجيا الدعم) وان كانت لها اسسها ومقوماتها واستطاعت ان تحقق نجاحات ملموسة للحد من الوثيرة المتزايدة للتعثر والتسرب او الفشل والرسوب المدرسي الا ان هناك عوامل معرقلة متعددة - متنوعة ومتداخلة تسبب في التسرب والهدر او الفشل و تلعب دورا مهما في تفوق التلاميذ او تدنيهم دراسيا، منها: 

1- العوامل السوسيو ثقافية حيث ابرز علماء الاجتماع التربوي ان اطفال الفئات الشعبية البسيطة كثيرا ما تكون عوامل عدم تكيفهم الدراسي ناتجة عن انتمائهم السوسيو ثقافي ( نظرية بيير بورديو) ويبرزون كمثال عن عوائق هذا التكيف عامل اللغة حيث ان تفوق ابناء الفئات الاجتماعية الراقية سببه تفوق لغوي ذاك ان ابناءهم يتمكنون من اكتساب الصيغ والاساليب اللغوية في وسطهم السوسيو ثقافي (اللغات الاجنبية خصوصا)التي تتداول فيه بكثافة وهي اللغات والاساليب المعتمدة في المدرسة ولهذا فان الاسرة تؤهلهم نفسيا وتربويا واجتماعيا ولغويا لولوج المدرسة في ظروف مألوفة وطبيعية عكس التلاميذ والاطفال المنتمون للفئات الاجتماعية المحرومة والمخصوصة اجتماعيا وثقافيا ولغويا. 

2- العوامل الذاتية المرتبطة بشخصية الفرد ومنها الخصائص المزاجية _ الوجدانية والعمر العقلي ودرجة الدافعية والاستعدادات والقابليات ومقدار النضج العصبي والنمو الفيزيولوجي الذي يبلغه الفرد المتعلم بل يمكن ادراج النقص او العيوب في الحواس كمسبب في التعثر(ضعف البصر_ عمى الالوان_ الصمم_ ..) كما ان المناهج المعتمدة في مدارسنا لا تراعي الفروقات الفردية بين المتعلمين اما استخدام وسائل واساليب الدعم التربوي لمساعدة بطيء التعلم فهو امر غير دائم في مؤسساتنا. 

3- - العوامل الديداكتيكية وهي حينما لا تكون هذه الاخيرة متناغمة مع الاهداف التي خططت في العمل التعليمي، ولهذا تتعدد اجراءات الدعم والمعالجة والتصحيح بتعدد المتدخلين حيث تتدخل المؤسسة بدعم بيداغوجي داخلي مؤسساتي ويتدخل "المدرس" الخصوصي في مراكز الدعم بدعم خارجي – اعتباطي غير مدروس مما يضعنا امام مجموعة من "البيداغوجيات" غير المتجانسة وغير الموفقة في اختيار ادوات الدعم والتقويم فنرتبك امام تعدد التعريفات والاسماء والمسميات المرتبطة بالدعم ومنها: الدروس الخصوصية – دروس الدعم والتقوية – الساعات الاضافية وقد تكون ارادية _ مجانية _اجبارية- مؤدى عنها.. وهذا ما قد يفترص وجود مجموعة من البيداغوجيات المتعارضة بعدد الإجراءات الخاصة بالدعم ومنها التعويضية - التصحيحية – التدعيمية – العلاجية.. وهو ما قد يسقطنا في ضبابية نوع الدعم المراد تمريره هل هو دعم وقائي؟ ام دعم مؤسساتي؟ ام دعم السيرورة المصاحب للتعلم؟ ام دعم تتبعي فوري- مستمر؟ ام دعم دوري ومرحلي وتعويضي؟... 

الامتحانات ومرض الادمان على الدروس الخصوصية

تعتبر الدروس الخصوصية احد ابرز مظاهر التسليع في تعليمنا وهي مثال صارخ _ فاضح حين النظر الى التعليم كسلعة معروضة للبيع في السوق السوداء دون عقد اخلاقي حيث يضطر المتعلم او المترشح للامتحان الى شراء هذه البضاعة الخصوصية على الرغم من تردي نوعيتها وتدني جودتها ولكن تضطر الاسر للجوء الى هذه الساعات الخصوصية طمعا في حصول ابنائها على نقط متميزة في الامتحانات او في فروض المراقبة المستمرة. وامام هشاشة هذا الوضع التربوي يجد الاباء انفسهم مرغمين على الاستسلام لهذا النوع من الضغط رغم التكاليف المادية الاضافية التي لا تقدر هذه الاسر ذات الدخل المحدود من توفيرها الا عبر اتباع مسطرة الديون البنكية وغير البنكية .. لكن ما حيلة هذه الاسر امام هوس الامتحان.

الهوس بالامتحان يكون دائما سببا رئيسيا في انتشار ظاهرة دروس الدعم الخصوصية لاعتقاد الاسر انها قد ترقى بالمستوى الدراسي لأبنائها وتساعدهم في الحصول على معدلات عالية وكسب نقط ممتازة في المراقبة المستمرة، لكن الحقيقة هي ان مردودية هذه الساعات الخصوصية حسب خبراء التربية والتعليم لا تكون دائما مفيدة بل كثيرا ما ترهق التلميذ وتحرمه من الراحة واسترجاع النفس والثقة في الذات كما تهدد مبدا تكافؤ الفرص التعليمية وتضعف قيمة المؤسسة التعليمية في الوسط الاجتماعي وتقلل احترام المتعلمين لسلطتها ورمزيتها.. هي دروس خصوصية هجينة اشبه بالأكلة السريعة حيث لا لون ولا طعم لها بل تدخل في تنافر وصدام بيداغوجي _ ديداكتيكي مع كل اساليب وتقنيات الدعم التربوي المتبعة في النظام المدرسي. ولقد وصف احد التربويين الدروس الخصوصية بانها مرض مزمن تراكمت اسبابه وتفاقمت اعراضه وهي اشبه بأزمة سرطانية يصيب انتشارها مجمل الجسم التعليمي لتؤثر سلبا على المناهج وطرق التدريس واساليب التقييم والتقويم وكذا العلاقة بين المدرس والمتمدرس، ولهذا المرض ضحيتان هما الفرد والمجتمع وعليه فظاهرة الدروس الخصوصية ما هي الا عودة الى جذور ازمة التعليم !!! 

الوزارة الوصية على القطاع فشلت في محاربة هذه الظاهرة المنفلتة عن المراقبة والتحكم بل انها تعاملت مع الظاهرة وكان الامر لا يهمها لتتزايد اعداد مراكز الدعم الخصوصية الى درجة انها تفوق عددا واعدادا المراكز والمؤسسات التعليمية العمومية بل يمكن اعتبارها المدرسة الاولى للمتعلم لأنها اصبحت تتحكم في مسار التلميذ في كل الاطوار والمستويات الدراسية !!!

من سلبيات هذه الدروس الخصوصية التي تؤثر سلبا على منظومتنا اضافة الى ما ذكر سابقا:

- تهديد مبدا تكافؤ الفرص التعليمية لان معظم من يلجؤون اليها هم من ذوي المستويات الاجتماعية والاقتصادية المرتفعة في حين يحرم منها كثير من ابناء وبنات الفقراء وان كان فئة من هذه الفئات البسيطة والفقيرة بولوج مراكز الدعم الخصوصية فالثمن هو رهن حياة مستقبلهم بالديون وغيرها اما في البوادي والقرى فالظاهرة غير منتشرة بكثرة لأنها سوق لا تغري تجار التربية والتعليم الخصوصي !!

- عدم اهتمام مراكز الدعم الخصوصية بكل المواد الدراسية مع الاقتصار على مواد الامتحانات الاشهادية ودون الالتزام بالضوابط المنهجية والمعرفية المطلوبة حسب قواعد وضوابط الاطر المرجعية كما تدفع هذه المراكز الخصوصية زبناءها من المتعلمين الى اقتناء السلسلات الدورية الخاصة بالامتحانات او شراء المطبوعات المختزلة للدروس هذه المطبوعات والدوريات التي بدلا من ان تكون مجرد مراجع للاستزادة والافاضة فانهم تسببوا في تحويل المقررات المدرسية الى شبه صياغات مختزلة او كما يقال "كبسولات" قابلة للابتلاع والاسترجاع قبل الامتحان!        

 - التعب النفسي والبدني والحرمان من الحصول على أوقات للراحة والأنشطة المجتمعية وغالبا ما يؤدي التلميذ الذي يصارع المقرر والامتحان في المؤسسة وفي مراكز الدعم الخصوصية ثمنا باهظا حين يتعرض للفشل او الانهيار النفسي والبدني وهذا ما يلاحظه الكثير عند قرب الامتحان حين يدلي الاباء واولياء الامور بشواهد طبية عن عجز او مرض ابنائهم وبناتهم و تعرضهم لنوبات مرضية نفسية طارئة... 

ان حال تعليمنا لا يبعث على التفاؤل حيث الدراسات والتقارير التي صدرت عن هيئات وطنية واجنبية كلها تعطي مؤشرات مخيفة عن الفشل الدراسي والهدر المدرسي (اكثر من 400الف تلميذ وتلميذة يسقطون في خانة الهدر والتسرب والانقطاع الدراسي كل سنة) ان الفشل ذريع والمشكلة ليست في اتاحة التعليم للجميع، وانما في توفير تعليم ذي جودة ونوعية. امام هذا الوضع المازوم لتعليمنا ونقائصه الجسيمة اضطرت الاسر الى اللجوء الى الدروس الخصوصية ليس اختيارا ولكنه اضطرارا بسبب فشل هذه المنظومة التعليمية في تقديم جودة ونجاعة تربوية، ولهذا اخذت الدروس الخصوصية منحى مخيفا اذ انتشرت الى حد انها اصبحت تعليما موازيا وحتميا لكل من يرغب في الفوز والنجاح !!! 

على كل المسؤولين على القطاع التعليمي وكل العاملين والمتعاملين مع الشأن التربوي الى ابتداع منهاج تربوي مغربي جدي وجاد وجديد في افق بناء استراتيجية حقيقية للدعم التربوي المندمج داخل مؤسساتنا ومنهاجنا التربوي حتى تساهم في الرفع من مستوى التحصيل الدراسي والتقليص من نسبة التأخر المدرسي درءا ومواجهة لتزايد اعداد "المهاجرين" الى مراكز "الدعم " الخصوصي التي يفتقد بعضها للشرعية التربوية والمشروعية المجتمعية.  

 

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات