إبراهيم أبو ريشة
تندرج اللقاءات بين اللجنة التقنية المكلفة بصياغة النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية - بوصفها طرفا ممثلا للحكومة - وممثلي النقابات الأكثر تمثيلية باعتبارها طرفا ثانيا، في سياق محاولة الوزارة الالتزام بمهلة ثلاث سنوات التي حددها القانون - الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين للحكومة؛ من أجل إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتنزيله على أرض الواقع، وعرضها على مسطرة المصادقة. كما أكدت النقابات حرصها على أن يكون النظام الأساسي المقبل منصفا وعادلا حتى لا يتكرر سيناريو نظام 2003 الجاري به العمل. ولا شك في أن الوزارة أول المدركين ـ وليست في حاجة إلى من يلفت عنايتها ـ إلى أهمية صياغة نظام أساسي عادل ومنصف؛ إذ من شأنه وضع حد لمظاهر الاحتقان والاحتجاج، أملا في أن ينصرف موظفو الوزارة بجميع فئاتهم إلى مزيد من التركيز في عملهم بعيدا عن تشويش الإحساس بعدم الإنصاف والمساواة.
النظام المرتقب لا يتصور أن يكون منصفا وعادلا ما لم يعالج مظاهر عدم الإنصاف في نظام 2003 الجاري به العمل منذ 20 سنة. إذ لا يتصور أن يستيقظ ضحاياه ذات صباح فيجدوا أنفسهم قد نسوا ما حدث من إجهاز وتراجع على مكتسباتهم. ولا تكاد النقابات تفوت فرصة - كما يجدر بها - للتأكيد على كون مكتسبات الشغيلة عموما خطا أحمر.
ولقد كان من الطبيعي أن تذكر كل فئة من فئات موظفي وزارة التربية الوطنية بملفها المطلبي العادل والمشروع، مع الحرص على عدم الإضرار بمصالح غيرها من الفئات. ولقد سجل خروج فصيل نقابي عن هذا المبدإ؛ إذ خول لنفسه حق الخوض فيما لا يعنيه، ونصب نفسه مفاوضا فيما يتعلق بفئات أخرى لم تفوضه للقيام بذلك. ولا خلاف في كون ذلك انحرافا عن ضوابط العمل النقابي الجاد والمسؤول.
لقد كانت هيئة التوجيه والتخطيط من جملة المتضررين من النظام الحالي؛ إذ أفقدها توازنها وفتت لحمتها. وبيان ذلك فيما يأتي:
ألم يكن الالتفاف على حق تغيير الإطار من مستشار في التوجيه أو التخطيط إلى إطار مفتش في التوجيه أو التخطيط، وحرمان من ولجوا المركز بعد 2003 من هذا الحق، وتضييع فرصة استرجاعه للجميع سنة 2011 وبالا على جميع مكونات هيئة التوجيه والتخطيط مستشارين ومفتشين؛ كما هو منصوص عليها في النظام الأساسي الجاري به العمل لحد الساعة؟ ألم يكن تراجعا تعسفيا عن المكتسبات وضربا لمبدأ الحق المكتسب؟
أما كان أولى بالنقابات في 2011 الإصرار على استعادة حق تغيير الإطار من مستشار إلى مفتش، لخريجي مركز التوجيه والتخطيط الذين ولجوا المركز بعد صدور النظام الأساسي 2003؟ بدل الاتفاق سرا مع الوزارة على إقبار هذا المطلب، مقابل معالجة ملفات العالقين من ذوي الحق بأثر رجعي الذين ولوجوا المركز قبل تفعيل النظام الأساسي المذكور، وتلكأت الوزارة لسنين في تمكينهم من هذا الحق؛ إذ لم تكن مطالبتهم بالتسوية أصلا مطلبا نقابيا، ما دامت حقا مكتسبا يؤطره القانون؟
أما كان يجدر بالنقابات في حينه نصح المعنيين باللجوء إلى القضاء بدل وضع مطلب يؤطره القانون على رأس مطالب أطر التوجيه والتخطيط، فتكون الوزارة بقبول تسويته قد طبقت القانون فقط دون تقديم أي تنازل يضيف شيئا إلى مكاسب الهيئة؟
أما كان أولى لأطر التوجيه المفتشين - الذين ترقوا بدبلوم مستشار(سنتين) زائد أقدمية 10 سنوات شرط ترتيبهم في الدرجة الأولى (السلم11)- تفهم مطالب أطر التوجيه المفتشين بالدبلومين - دبلوم مستشار(سنتين) زائد دبلوم مفتش (سنتين أيضا) - بالإنصاف والعدالة؟
أما كان أولى للمفتشين بالدبلومين المطالبة بحقهم - الذي لن يختلف اثنان في مشروعيته - بالتمييز الإيجابي على كافة هيئة مفتشي التعليم بجميع فئاته، لكونهم خضعوا لتكوينين متوجين بدبلومين في مركز التوجيه والتخطيط مدة كل واحد منهما سنتان، بدل الحديث حصرا عن التمييز داخل هيئة التوجيه والتخطيط؟
وقد أدى ضيق الأفق والتفكير الأناني والإقصائي المتطرف لدى البعض إلى النتائج الكارثية التالية:
1. خروج هيئة التوجيه والتخطيط بخفي حنين من اتفاقات 2011 بما سمي استرجاع حق تغيير الإطار، في حين أنه لم يسترجع شيء يذكر؛ إذ لم تقدم الوزارة أي تنازل أو مكسب حقيقي؛ بل تراجعت عن تعسفها ضد من ولجوا المركز قبل 2003؛ لأنهم خاضعون بقوة القانون لنظام 1985، ولا يحق للوزارة أن تطبق عليهم مقتضيات نظام 2003.
2. هروب جماعي لفئة مفتشي الدبلوم (توجيه وتخطيط)، وارتماؤهم في أحضان نقابة المفتشين طلبا للحماية وخوفا من دكتاتورية الأغلبية.
3. وجدت نقابة المفتشين نفسها مضطرة إلى إرضاء منتسبيها ال VIP الجدد، ولا يهم إن كان بضغط منهم أو بمبادرة ذاتية منها. فضربت عصفورين بحجر واحد؛ بل ضربت مفتشي التوجيه والتخطيط (دبلوم واحد من جهة ودبلومين من جهة أخرى) بعضهم ببعض. فمن جهة اعتبرت حق تغيير الإطار دون المرور من مركز للتكوين في (سلك التفتيش) بهذا المسمى غير شرعي، وترى أن المستفيدين من هذه الترقية - التي كانت حقا مكتسبا في ظل النظام الاساسي لـ 1985- مجرد عناصر غريبة عن هئية التفتيش، وأن على الوزارة أن لا تعود إليه مرة أخرى في المستقبل. وما زالت نقابة المفتشين مصرة على موقفها المهين هذا؛ رغم انضمام عدد كبير من مفتشي (الدبلوم الواحد + ترقية بالأقدمية) إليها وحصولهم على بطاقة العضوية فيها. ومن جهة أخرى ضمنت تحييد أي مطالبة لاحقة بالتمييز المستحق لمفتشي التوجيه والتخطيط بالدبلومين، على اعتبار مسارهم المهني الحافل بتكوينين نوعيين مدة كل واحد منها سنتان كما سبق الذكر. وبدأت حملة تنمر على المفتشين بالترقية السابقين والجدد (والمستقبليين)، وليس المهم إن كانت عن قصد أو غير قصد؛ لأن كلا الوجهين لا يتصور من نقابة تعتبر نفسها ممثلا لطليعة موظفي وزارة التربية الوطنية. وتجدر الإشارة إحقاقا للحق إلى أن نقابة المفتشين منذ إنشائها سنة 2003 لم تتورط فيما ذكر أعلاه إلى حدود سنة 2011، حين تمت تسوية ملف العالقين من أطر التوجيه الذي ولجوا التكوين في كنف النظام الاساسي ما قبل 2003، فقد انضم إلى النقابة عدد كبير من مفتشي الدبلومين كرد فعل على هذه التسوية، فتغير موقف النقابة وبدأت بدعة التحريض على فئة أخرى في مخالفة مشينة للعمل النقابي النزيه. كما تجدر الإشارة إلى أن كل ذلك اللغو المسيء لأطر التوجيه في بيانات نقابة المفتشين لن ينال من علاقة الود والاحترام والتقدير المتينة والراسخة منذ عقود طويلة، والمتبادلة مع هيئة التفتيش بكل فئاتها.
4. كما أن كل ذلك شجع الوزارة على الهروب إلى الأمام تحت ضغط نقابة المفتشين في موضوع شرعية ممارسة مهام التفتيش؛ إذ اختزل الموضوع في الإصرار فقط على ضرورة ولوج سلك التكوين تحت مسمى (سلك التفتيش)؛ وليس في جودة وحدات التكوين النوعية، وجودة الأطر الادارية والتربوية المشرفة عليه، وصعوبة اجتياز مباراة الولوج إليه وصرامتها - إذ لم يرتبط اسم مركز التوجيه والتخطيط بما يلوث السمعة من فضائح - وعدد سنوات التكوين، وجودة بحوث نهاية التكوين... إلا أنه والحق يقال، لم يتم الوقوف على تورط حتى أعتى المتعصبين في مقارنة بين التكوين في سلك المستشارين بمركز التوجيه والتخطيط، والتكوين في سلك المفتشين في مركز تكوين المفتشين، لا قبل إنشاء سلك التفتيش في مركز التوجيه والتخطيط ولا بعده (سنعود لحدث أنشاء سلك التفتيش هذا لاحقا)، كما لم يسجل مطلقا تورط قيادة نقابة المفتشين -حديثة الإنشاء منذ 2003 في مقارنة من هذا النوع، مع أنها كانت لتكون مفيدة لدعم موقفها الداعي إلى ضرورة التكوين تحت مسمى سلك التفتيش لو كانت المقارنة في صالحها، لبداهة إدراك أن التبجح بالتكوين ومتانته لو كان له محل بين فئات موظفي التربية، وجاز الحديث عنه أصلا لكان خريجو سلك التبريز أولى به بحق.
5. مشكلة أخرى على قدر من الأهمية لا يبدو أنها كانت على جدول أعمال نقاش ملف التوجيه والتخطيط؛ وهي معضلة مفتشي الدبلوم الواحد مع وقف التنفيذ. فبعد موافقة الوزارة على تسوية وضعيتهم - بأثر رجعي كما سبق ذكره في 2011 - لم تمكنهم من ممارسة مهام التفتيش المنصوص عليها في النظام الأساسي الجاري به العمل؛ بل اشترطت عليهم ضرورة المشاركة في الحركة الانتقالية للمفتشين، ولا يزال أغلبهم يمارس مهام المستشارين في التوجيه أو التخطيط، والأدهى أن منهم من يمارس التفتيش والاستشارة معا في وضعية تناف صارخة، ومنهم من يفتش نفسه حصرا. والغريب في الأمر أن نقابة المفتشين لم تكلف نفسها عناء مطالبة الوزارة بتمكين هؤلاء من ممارسة مهامهم بوصفهم مفتشين في غياب التنصيص على أي شكل من أشكال التمييز بين مفتشي التوجيه والتخطيط في النظام الأساسي الجاري به العمل؛ مما يجعل فكرة افتراض حسن النية المشار إليها سابقا هشة، ويدفع إلى الاعتقاد أن تلكؤ الوزارة وتقاعسها عن وضع حد لهذا التمييزالذي لا يدعمه سند قانوني ناتج عن ما يشبه "الفيتو"، سمحت جهة ما لنفسها دون وجه حق بالتمتع بالتلويح به كلما رأت مصلحة ضيقة لنفسها.
كان هذا الوضع ليعتبر عاديا لو أن مرحلة انتقالية محدودة المدة تم التنصيص عليها في حينه لتمكينهم تدريجيا من ممارسة مهامهم المنصوص عليها قانونا. لكن استمرار هذا الوضع منذ 2011 إلى 2023 دون أي أفق للحل؛ إذ لم يتبث أن الوزارة فكرت في حل لهذه المشكلة أو وضعتها على جدول أعمال نقاشها لملف التوجيه والتخطيط - إن كان قد تم فتحه أصلا - مما يشي بأن الوزارة تعتبر الوضع الحالي لمفتشي الدبلوم الواحد + ترقية عاديا، ولا إشكال في استمراره، ولا داعي للاستعجال في مناقشته، ولا خلاف أن كل ذلك تعسف ما بعده تعسف. وإذا لم يتضمن النظام الأساسي المرتقب حلا لهذه المشكلة فسيكون مجحفا بل ظالما.
الوزارة هنا أمام أحد أمرين: إما أن تمكن هذه الفئة من حقها المشروع في ممارسة مهام التفتيش كباقي المفتشين دون شروط ليس لها أساس قانوني؛ مما سيؤدي إلى إفراغ القطاعات المدرسية للتوجيه من أطر التوجيه الممارسين لمهام الاستشارة وإرباك استمرارية خدمات الاستشارة والتوجيه لفائدة التلاميذ، وقس على ذلك ما يخص التخطيط. وإما الإمعان في تمديد معاناة هذه الفئة من التمييز دون أساس، وحرماناها من حقها العادل في ممارسة المهام المخولة لها قانونا إلى أجل غير مسمى؛ فيكون بذلك ادعاء الوزارة المستمر أنها قد حلت ملف التوجيه والتخطيط غير مؤسس وغير مقبول. ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان السيد الوزير السابق سعيد أمزازي يصرح مرارا لوسائل الاعلام وفي قبة البرلمان أن إصدار المرسومين المتعلقين بولوج مركز التوجيه - المتفق عليهما مع النقابات الأكثر تمثيلية- حل نهائي لملف التوجيه والتخطيط، والنقابات لم تعلق في حينه على تصريحه نفيا أو تأكيدا، والصمت في هذه الحالة يفيد التأكيد، وأغلب الظن أن الأمر لم يكن يستحق التعليق لعدم واقعيته مع افتراض حسن نية الجميع. إذ كيف يكون ذلك حلا لأطر تخرجوا أصلا منذ سنوات من المركز وصار خلف ظهورهم.
كل هذه المشاكل نتجت عن القرارت غير المدروسة المتتالية لمسؤولي الوزارة المتعاقبين، التي كان مبتدؤها إحداث سلك للتفتيش في مركز التوجيه والتخطيط - المومأ إليه سابقا - لتكوين المفتشين (سنتان) يلجه من سبق وتخرج من نفس المركز من سلك الاستشارة (سنتان أيضا) بعد أقدمية أربع سنوات على الأقل في إطار مستشار بالتوازي مع إمكانية ترقية خريجي سلك الاستشارة من نفس المركز بعد عشر سنين على الأقل مع شرط الترتيب في الدرجة الأولى؛ وقد كانت هذه الشروط الأخيرة مقبولة على اعتبار وجاهة القول بعدم إمكانية التخرج مفتشا فيما لم تسبق ممارسته. وقد نتج عن هذا القرار فئة جديدة لم تكن موجودة سابقا فرض عليها المرور من مركز التوجيه مرتين على مدى 4 سنوات لولوج إطار مفتش دون أي امتياز يذكر، وهو ما لا نجد مثيلا له لدى من ولجوا سلك التفتيش التربوي في مركز تكوين المفتشين؛ إذ تكفي سنتان بعد أقدمية في التدريس فقط للتخرج والحصول على إطار مفتش تربوي. لم يكن لإحداث سلك التفتيش في مركزالتوجيه والتخطيط أي جدوى مبررة، ولم يحقق للخريجين أي مكاسب إضافية تبدو مستحقة ومنطقية، سوى أنه مهد لمصادرة حق أطر التوجيه في الترقي لإطار مفتش وفق الشروط السابقة الذكر أعلاه. ولعل مناط مطالبة نقابة المفتشين بتمييز إحداث درجة جديدة ما بعد الدرجة الممتازة، وعيها بأحقية مفتشي التوجيه والتخطيط الخرجين مرتين من مركز التوجيه والتخطيط بهذا التمييز، إذ ليس من الانصاف خلاف ذلك الحديث عن درجة إضافية لأي فئة أخرى وبعض الفئات ما زالت تناضل من أجل تمكينها من حقها كباقي الفئات في الدرجة الممتازة.
لم يتبث مطلقا أي اعتراض من أي جهة كانت على طريقة ولوج إطار مفتش في التوجيه والتخطيط لا قبل إحداث سلك التفتيش ولا بعده، حتى كان ما كان في 2011 مما سبق ذكره، فالتقطته نقابة المفتشين الوليدة منذ ثمان سنوات فأثخنت في أطر التوجيه والتخطيط طولا وعرضا على نحو ما أسلفنا أعلاه، وها هي في كل مناسبة تصدر بيانا تحرض فيه الوزارة وتزين لها موقفها في الاستمرار في هذا الحيف في سابقة خطيرة لم تسبقها لها فئة أخرى من فئات موظفي التربية الوطنية. ومما يزيد الأمر مرارة أن موقف نقابة المفتشين يعني أن ترقية أطر التوجيه والتخطيط لإطار مفتش لم تكن مستحقة في يوم من الأيام، وفي ذلك إساءة للأحياء والأموات على حد سواء. ولعل أطر التوجيه والتخطيط - الذين قضوا وانتقلوا إلى الرفيق الأعلى ولم يشهدوا قرارت الوزارة المجانبة للتوفيق ولا ولادة نقابة المفتشين أو على الأقل تغير موقفها في 2011 - يتقلبون في قبورهم لما آلت إليه الأمور بعد رحيلهم، رحمة الله عليهم جميعا.
كانت ذروةُ القرارات المجانبة للتوفيق من كل ما سبق حرمانَ مستشاري التوجيه والتخطيط دون مبرر من حقهم التاريخي المشروع والمكتسب في تغيير الإطار إلى مفتش في التخطيط أو التوجيه، بعد ممارسة الاستشارة لمدة 10 سنوات على الأقل مع الترتيب في الدرجة الأولى (السلم 11) كما كان منصوصا على ذلك في النظام الأساسي الذي كان جاريا به العمل من 1985 إلى 2003. فكان أطر التوجيه والتخطيط من جملة ضحايا نظام 2003 الجاري به العمل إلى حدود كتابة هذه السطور. والوزارة تبعا لذلك هي المعنية بحل هذه المشاكل بمعالجة أسبابها؛ وذلك بإرجاع الحق إلى أصحابه بدل محاولة ترقيع المرقع دون جدوى.
لا شك في أن فتح النقاش الصحيح بخصوص ملف التوجيه والتخطيط بجميع فئاته المذكورة أعلاه، سيؤدي بالوزارة إلى اكتشاف عوار التصور الحالي لمهام التاطير والمراقبة في مجال التوجيه والتخطيط على الخصوص. وسيؤدي لا محالة إلى مقاربة ملف التوجيه والتخطيط بما يضمن العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص لجميع المكونات ودون المساس بمصالح فئات أخرى في المنظومة التربوية. ويراهن الجميع على أن تحافظ الوزارة على مسافة متساوية من جميع فئات موظفي منظومة التربية والتكوين، وتعتمد معايير موضوعية موحدة في التعامل مع جميع الملفات، وتتفادى منطق الأغلبية والأقلية المناقض لهدف الإنصاف المنشود، وتتجاهل مطالب السيادة والرياسة لفئة على حساب غيرها من الفئات من منطلق أن الفئات ليست في تدافع مع بعضها ولا ينبغي لها ذلك؛ بل هي مدعوة إلى تكامل الأدوار لتحقيق الإصلاح المنشود. ولو كان للرياسة محل في منظومة التربية والتكوين، أو جاز الحديث عنها أصلا لكانت هيئة التدريس أولى بها بحق من جميع الفئات.
كما يجدر في الختام بوزارة التربية الوطنية والرياضة، وهي بصدد إعداد نظام أساسي جديد، اغتنام هذه الفرصة لتكون أول المبادرين لإلغاء التفتيش من قاموس إدارات الدولة، والمقصود هنا مسمى "التفتيش" و"المفتش" و"المفتشية" وليس الهيئة التي تمارس المراقبة والتأطير لما لها من دور مهم في المنظومة التربوية؛ لكون هذا المصطلح - فضلا عن كونه يختزل دور الهيئة المذكورة في مهمة المراقبة بمفهومها العقابي على حساب مهمة التأطير بمفهومه الواسع - يحيل على ذكرى مؤلمة ومأساوية في تاريخ البشرية جمعاء؛ ويتعلق الأمر بمحاكم التفتيش في الأندلس التي نكلت بالمسلمين المورسكيين وأجبرت فئة منهم على تغيير معتقدهم، وقتلت فئة أخرى منهم، وطُردت البقية إلى شمال إفريقيا، إذ لا تزال فئة من الشعب المغربي فخورة بأصولها الموريسكية. وعليه فإن الاستمرار في تداول هذا المسمى - الذي يحلو للبعض أن يتبجح بالقول إنه تاريخي وكأن مبتدأ التاريخ عندهم يوم أمس فقط - يلكأ جرحا قديما ويمجد ذكرى مأساوية في تاريخ أمتنا العظيمة.