دويتشه فيله
دخلت عمليات البحث اليائسة عن آلاف المفقودين بعد فيضانات كارثية اجتاحت مدينة درنة الليبية يومها الثالث اليوم الأربعاء (13 سبتمبر/ أيلول 2023)، مع التأكد من مقتل الآلاف بالفعل وتوقع ارتفاع الحصيلة.
نتجت الفيضانات عن عاصفة قوية تسببت في انهيار سدين قرب المدينة لتنطلق موجة هادرة من المياه وتدمر رُبع، أو ما يزيد على رُبع، المدينة المطلة على ساحل البحر المتوسط جارفة بنايات بسكانها.
وقال مسؤولون في شرق ليبيا إن عدد الوفيات حتى الآن تجاوز خمسة آلاف وأنّه وبحسب التقديرات، هناك نحو عشرة آلاف في عداد المفقودين. ويُعتقد أن كثيرا منهم جرفته المياه إلى البحر.
وكان جهاز الطوارئ الليبي قد أكد في حصيلة سابقة أن 2300 شخص على الأقل لقوا حتفهم في الفيضانات التي اجتاحت مدينة درنة البالغ عدد سكانها مئة ألف نسمة جراء الإعصار دانيال.
وتسبب هذا الإعصار الذي ضرب العديد من المدن الليبية، بأمطار غزيرة لم تشهدها ليبيا منذ أكثر من 40 عاماً. فيما تحدّث الصليب الأحمر عن حصيلة قتلى "ضخمة".
وقبل ليبيا أدى الإعصار دانيال إلى وقوع فيضانات شديدة في اليونان وبلغاريا وتركيا.
وتسبب الطقس الحار بشكل غير عادي الذي خيم في الأيام القليلة الماضية على أوروبا الوسطى، واقتراب المنخفضات الأطلسية من الشمال الغربي في تحول تأثير الضغط المرتفع نحو الجنوب الشرقي.
ما هو الإعصار المتوسطي؟
ظهر مصطلح الإعصار المتوسطي (Medicane) في الثمانينيات عندما تم اكتشاف تشكيلات سحابية تشبه "الإعصار" في صور الأقمار الصناعية فوق البحر الأبيض المتوسط في أشهر الخريف. وهي ذات شكل حلزوني وفي وسطها منطقة خالية من السحب تسمى "العين". ومثل أي إعصار، تدور الغيوم والأمطار الغزيرة حول هذه العين.
ومن هنا جاء الاسم المركب من المقطع الأول لكلمة البحر الأبيض المتوسط (Mediterranean) والمقطع الثاني من كلمة إعصار (Hurricane).
كيف ينشأ الإعصار المتوسطي؟
يظهر هذا النوع من الأعاصير بشكل أساسي في فصل الخريف، ولكنها يمكن أن تحدث أيضاً في فصل الشتاء. وهي تنشأ عندما يتدفق الهواء البارد من خطوط العرض المعتدلة باتجاه خط الاستواء ويتشكل ما يسمى بالمنخفض القطعي (Cut off low) في طبقات الهواء العليا.
بسبب الصيف شديد الحرارة، لا يزال البحر الأبيض المتوسط دافئاً جداً. وعندما تكون درجة حرارة الماء أكثر من 24 درجة مئوية، يتكثف الكثير من بخار الماء وتتشكل دوامة سحابية.
عادة ما تصل مثل هذه الدوامة إلى سرعة رياح العاصفة الاستوائية (63-118 كم/ساعة). وتسبب الكتل الهائلة من المياه المرافقة في فيضانات مدمرة.
يبلغ قطر الأعاصير المتوسطية 300 كيلومتر كحد أقصى، وهي أصغر بكثير من الأعاصير الأخرى التي يمكن أن يصل قطرها إلى 1500 كيلومتر.
بالإضافة إلى ذلك، فإنها تتبدد عادة بعد بضع ساعات، ونادراً ما تستمر لمدة يومين، في حين أن الأعاصير الأخرى يمكن أن تستمر في كثير من الأحيان لمدة أسبوع كامل.
التضاريس الجبلية تزيد الطين بلة
وضرب الإعصار دانيال بشدة بشكل خاص مدن درنة والجبل الأخضر الساحلية وكذلك مدينتي المرج وسوسة. كما تأثرت مدينة البيضاء ومدينة بنغازي الساحلية المهمة.
ويرجع الدمار الكبير بشكل جزئي إلى التضاريس؛ إذ توجد خلف الشريط الضيق جداً من الأراضي الساحلية المنخفضة هضبة جبلية ترتفع بشكل حاد في قوس طويل يبلغ طوله حوالي 300 كيلومتر.
ويتراوح متوسط ارتفاع الهضبة بين 400 و600 متراً، وأعلى نقطة تصل إلى 880 متراً. الجانب الشمالي، الذي ينحدر بشكل حاد نسبيا نحو البحر الأبيض المتوسط، صخري ووعر للغاية، وتعبره العديد من الأنهار ومغطى بتربة حمراء فضفاضة.
تساقطت السحب المحملة بالأمطار الغزيرة على هذه الهضبة المرتفعة. ولم تتمكن الجداول والأنهار من امتصاص كتل المياه، فانحدرت المياه إلى الوادي في شكل فيضانات مفاجئة.
وحاصرت الفيضانات المدن في الشريط الساحلي الضيق. ولم تعد السدود قادرة على تحمل الضغط، فغمرت المياه مساحات شاسعة في وقت قصير جداً.
ألكسندر فرويند/خالد سلامة