محمد ابريجا
احتفل العالم أمس الخميس 5 أكتوبر بيوم المعلم العالمي، وهو مناسبة دولية تروم التركيز على تقدير وتقييم وتحسين ظروف وأداء المعلمين في العالم، وتشير منظمة اليونسكو إلى أنه يمكن للجميع المساعدة من خلال الاحتفال بالمهنة، ونشر الوعي حول قضايا المعلم، والتأكيد على أن احترام المعلم جزء من النظام الطبيعي للأشياء. إذا كان هذا هو المغزى من الاحتفال باليوم العالمي للمدرس، فإن الدولة المغربية وأدواتها الوصية في قطاع التعليم اختارت أن تقدم هدية مسمومة لعموم نساء ورجال التعليم سواء الهيئات الخاصة بالتدريس أو التكوين أو التدبير، من خلال المرسوم المشؤوم 2.23.819 بشأن النظام الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية.
إن الذي يقرأ ديباجة هذا المرسوم/ الفضيحة الكبرى، يقف أمام مجموعة من المرتكزات الأساسية كتحقيق التكامل والانسجام، والاستقطاب للمهنة، وإلزامية التكوين الأساسي والمستمر، وتثمين الاستحقاق. لكن بمجرد أن يطلع بعد ذلك على أبواب ومواد- (12باب) و( 98 مادة)- هذا المولود المسخ، سرعان ما سيذهل مما سطرته الأيادي الماكرة للثعاليب العجوزة المعمرة في دواليب وزارة التربية الوطنية والنقابات التعليمية.
فعوض التكامل والانسجام؛ استطاع نظام بنموسى زرع الفتنة بين الشغيلة التعليمية، من خلال التمييز بين الهيئات، وتجلي ذلك اقصاء وتهميش متعمد للهيئة المحور التي هي هيئة التدريس في الأسلاك الثلاثة الإبتدائي، والإعدادي والثانوي. وهذا سيؤثر على الانسجام الوظيفي وبالتالي على مردودية القطاع. أما عن الاستقطاب للمهنة فهذا من قبيل الضحك على الذقون فمهنة التربية والتعليم فقدت جاذبيتها، ولولا البطالة التي يعانيها الشباب وخريجو الجامعات، لما تقدم أحد لهذه الوظيفة التي حولتها سياسات الحكومات المتعاقبة عن إصرار وترصد إلى مهنة بئيسة. وبخصوص مرتكز إلزامية التكوين الأساس والمستمر؛ فنقول للوزارة وشركائها في الفضيحة، عجزتم عن توفير المراحيض في المؤسسات وتوفير الحد الأدنى من المستلزمات، والمدرسة المغربية اليوم بدون نموذج بيداغوجي بعد فشل صفقات بيداغوجيا الكفايات والادماج، فأشبعوا الناس خطبا عن أوهام التكوين.
أما الاستحقاق؛ فقد أعدمتموه عندما ضربتم مبدأ تكافؤ الفرص عرض الحائط، وعندما غيبتم الإنصاف والعدالة الأجرية، والتعويضات عن المهام الجسيمة التي يضطلع بها عموم رجال ونساء التعليم وفي القلب منهم هيئة التدريس، أما عن تولي المناصب والمهام فمعروفة الدروب التي توصل إليها من ولاءات ومحسوبية وزبونية، وتوفير المظلة للمحميين. وإلا فأعطوا النموذج من مديرياتكم المركزية، والمفتشيات والمديريات الجهوية والإقليمية، ومختلف مناصب المسؤولية. عفوا –تذكرنا الآن- لقد أعطيتمونا النموذج فعلا من خلال الزلزال، فكوكبة من شهداء الواجب المهني قضوا تحت الأنقاض بعد الزلزال وهم مرابطون في جبال الأطلس، لكن لابواكي لهم في وزارة التربية الوطنية، لا تكريم ولا ترقية، ولا حتى زيارة مواساة للأسر. أما عن الاستحقاق بين التلاميذ فأنتم إنما تكذبون على الشعب وعلى الأسر المغربية في هذه النقطة بالذات، فلا استحقاق بأقسام السلاسل(من التحضيري للسادس) في القرى والبوادي المغربية، ولا بالأقسام المضاعفة (2 أقسام في قسم/50 تلميذ ) في المدن. لكن الاستحقاق حققتموه لأبنائكم الذين يدرسون في مدارس البعثات وفي الدول الأجنبية. وييسر لهم الدخول للوظائف والمهن التي تشرف عليها حكومتكم للأسف، وما مباراة المحاماة منا ببعيد.
ثم إن هذا النظام المطبوخ بعقلية تحكمية وافدة من الداخلية، وعقلية نقابية بيروقراطية، تحدث في ديباجته -دائما- عن غايات يسعى لتحقيقها وهي: التوحيد، والتحفيز، والالتزام والمسؤولية، والمردودية. وعندما تدقق في التفاصيل حيث يكمن الشيطان، تجد أن هذا النظام مشتت ويسعى لضرب وحدة الشغيلة التعليمية، ونشير هنا أن هذا النظام الخاص بالتعليم من المفروض أن لا ينزل في الحد الأدنى عن النظام العام للوظيفة العمومية، اللهم إن أضاف امتيازات. لكن لماذا نجد الفروق بين رجال ونساء التعليم، وبين نظرائهم في قطاعات أخرى في الوظيفة العمومية التي حضيت بزيادات عامة مهمة في الأجور؟ هل وزراء الحكومة في القطاعات الأخرى يشتغلون بمنطق مغاير؟ أما داخل قطاع التعليم فالحكومات المتعاقبة ووزرائها في التربية الوطنية، عملوا دوما على تشتيت الشغيلة التعليمية، مستخدمة منطق المستعمر"فرق تسد" فالفروق واضحة في حركة الترقي، وفي الأجور، والتعويضات البئيسة، وفي الأطر القانونية التي توظف بموجبها الأساتذة والأستاذات، حتى أصبح داء الغثائية والفئوية المقيتة يمزق أوصال المهنة.
والغاية الثانية؛ هي التحفيز والذي تم من خلال إعادة تدوير مكتسب جاء به حوار 26 أبريل 2011 المتعلق بالدرجة الممتازة لجميع الأسلاك، وهو مكسب مهم طال انتظاره، لكن لا يغني عن إقرار زيادة عامة صافية في الأجور لا تقل 2500 درهم كما وعدت بها حكومة الباطرونا عندما كانت تتسول الأصوات قبيل انتخابات 8 شتنبر، أما عن الخضوع لنفس الحقوق والضمانات ونفس الواجبات والالتزامات، فهذا ليس متحققا فالجسم الإداري خاصة المناصب والمهام -مركزيا وجهويا واقليميا- في قطاع التعليم متضخم ويستفيد من امتيازات في السكن والنقل والتعويضات السنوية السمينة، وهذا التحفيز السخي لا ينعكس على مستوى المهام والواجبات مما يستوجب التقييم والتقويم والمحاسبة، فهيكل إداري بدد ملايير البرنامج الاستعجالي، والميزانيات التي ترصد لاصلاح التعليم على مدى عقود يجب أن يوضع تحت المجهر.
والوجه المقابل لغياب التحفيز الحقيقي في هذا النظام، هو حضور لغة العقاب، التي حضرت بشكل يعبر عن عقلية استبدادية متخلفة في الباب التاسع المخصص للعقوبات التأديبية وفي مادته 64 وفق سلم من أربع درجات. وإسناد تقييم الأداء المهني لأطر التدريس للمدير والمفتش. علما أن كلا الإطارين-مع الاحترام الواجب لكل الشغيلة التعليمية- بعيدين عن الممارسة المهنية، مما يجعل التقييمات هي نفسها في حاجة إلى تقييم. فكيف يراقب الأداء المهني لأستاذ في الثانوي قضى 30 سنة مدير لم يتجاوز في عمله في القسم 10 سنوات؟ أم كيف يراقب مدير كان يدرس بسلك مخالف مدرسا بسلك آخر؟
وبخصوص الغاية الثالثة؛ المتعلقة بالالتزام والمسؤولية فإننا نؤكد على أهمية هذا المبدأ على أن يدشن من الإدارة المركزية والإدارات الجهوية والإقليمية، وكذلك توفير المستلزمات وظروف وشروط العمل والتكوين الأساسي والمستمر. ويعد ذلك مرحبا بالمحاسبة نحاسب أنفسنا ونحاسبكم وتحاسبوننا لاضير. أما التلويح بعصا العقوبات والمراقبة الإدارية، وبجزرة الشواهد التقديرية الكارتونية، فهذا أمر يبعث على الضحك.
وبالنسبة للغاية الرابعة؛ والمتعلقة بالمردودية فهي تحتاج قبل تقييم أداء الأستاذ لتقييم أداء الوزارة وهياكلها فيما يتعلق بتوفير شروط العمل، فالأستاذ(ة) الذي يدرس بعيدا عن منزله ب 30 كلم ويقطع 3 كلم ماشيا على أقدامه ليصل لقسمه، مقابل 5000 درهم يستنزف منها التنقل 1000 أو 1500 درهم شهريا، وهذا حال آلاف من نساء ورجال التعليم خاصة في الابتدائي. ثم تسأله عن المردودية؟ لولا حب الوطن والمهنة لما صبر على أن يعيش ب 3500 درهم في الشهر. مقابل كل هذا العناء، فضلا عن المصاريف التي تصرف لتوفير الحد الأدنى من مستلزمات العمل، التي لا تصل إلى المؤسسات، رغم الأموال المهدورة في الصفقات التي يعقدها مسؤولون مرتشون وممونون جشعون إلا من رحم ربي.
هذه قراءة موجزة في النظام الأساسي المطبوخ، والذي يكذب عجزه صدره، وينسف آخره أوله، وهو غزل منقوض من بعد قوة أنكاثا، مخيب لأفق انتظار الشغيلة التعليمية، الساخطة على الوضع البئيس التي خلقته سياسة تعليمية ظالمة تطبخ في مطابخ سرية، ولا تخضع للنقاش العام. وفي انتظار الرجوع لقراءة مفصلة لأبواب ومواد هذا المرسوم المشؤوم، أبرق برقيات على السريع إلى طباخي هذا المسخ المسمى زورا نظاما أساسيا.
البرقية 1: إلى رئيس الحكومة.
أشرفت يومالسبت 14 يناير 2023 بالرباط، على توقيع محضر اتفاق بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة -قطاع التربية الوطنية- والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، معتبرين أن تحفيز مكونات الأسرة التعليمية مدخل أساسي لإصلاح المدرسة العمومية، وخدمة للتلميذ والأسر المغربية. وخرجت وسائل إعلامكم في حملة ترويج لهذا الاتفاق، وجعلتم من أهدافه الارتقاء بالوضعية المهنية والاجتماعية والمعنوية لجميع موظفي القطاع؛ لكن ما تم في الواقع هو تمييز بين الموظفين والزيادة في تعويضات البعض وإقصاء الهيئة المحور التي هيئة التدريس، وإن حضوركم في هذا التوقيع يجعل منكم ضامنا لنتائجه، كما أن مسؤوليتكم كرئيس للحكومة ورئيس للأغلبية، وحزبكم كان يروج خلال الحملة الانتخابية قصد استمالة نساء ورجال التعليم لزيادة عامة في الأجور في قطاع التعليم قدرها 2500 درهم. بل إن رئيس البرلمان الحالي والقيادي في حزبكم وفي إطار التحدي والثقة في النفس، قال أنه إذا لم يتم تحقيق هذا الوعد فعلى الناس أن يرجموكم بالحجر. فكن وفيا لشعار حزبكم أغراس أغراس وصحح خطيئة وزيركم في التربية الوطنية.