سعيد صابر
بعيدا عن الكلام المعسول الذي يتحدث عن المدارس الخاصة باعتبارها شريكا استراتيجيا في النهوض بجودة التعليم بالمغرب، و بعيدا عن توصيات البنك الدولي و الجهات المانحة للقروض التي تفرض شروطها على المغرب مقابل الأموال التي تمنحها له، لا بد لنا أن نرجع إلى أسمى و ثيقة في البلد وهي الدستور الذي يحكمنا جميعا و نلتزم بقراراته مادمنا قد توافقنا عليه في إطار الديمقراطية التي نؤمن بها ، و الذي يقول في فصله 31: " تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة" أما الفصل 32 فيقول : "التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة"
و إذا انطلقنا من كون المغرب صادق في دستوره على سمو القوانين الدولية إذا لم تتعارض مع المصلحة العليا للوطن فإننا ملزمين بالتذكير على أن المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صادق عليه المغرب، و بالتالي فمقتضياتُه مُلزِمَةً له، فإن هذه المادة توجب على الدولة أن تضمن لكل مواطن(ة) حقه"ها" في التعليم، مع ضمان مبدأ المجانية، حيث تقول هذه المادة:" لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم.
كما يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام.
من كل هذا يمكننا أن نقول أن التعليم إلى جانب الصحة ليست رفاهية تَمُنُّ بها الدولة على شعبها، بل هو من الحقوق الأساسية التي تكفلها جميع المواثيق الدولية و الدستور المغربي. لكن :
هنا مربط الفرس، هل فعلا مانراه على أرض الواقع هو تجسيد لهذه الكلمات الرنانة؟
إن أهم مشكل يجعل التعليم المغربي و أي تعليم في أي دولة نامية لا يعطي النتائج المرجوة هو بيعه للقطاع الخاص، الذي همه هو الكسب و الإستثمار في قطاع اجتماعي يجب أن يكون مسؤولية الدولة بالأساس. و بما أن هذا القطاع مربح أفضل من أي استثمار آخر فإن المدارس الخاصة بالمغرب قد تناسلت كالفطر في كل مكان مستغلين تملص الدولة من التزاماتها الاجتماعية و بحث الأسر عن تعليم جيد لأطفالها، لكن هذا التعليم الجيد في المغرب مكلف جدا و لا يوازي الجودة التي تتغنى بها المدارس الخاصة ، و الدليل أن أصحاب المعدلات الكبرى في الغالب يكونون من خريجي المدرسة العمومية رغم علاتها. و لا يمكن إغفال أمر هام و هو تضخم نقط المراقبة المستمرة في المدارس الخاصة و تدني نقط الإمتحانات الإشهادية في مقارنة تؤكد أن شيئا ما يحدث في الخفاء و لكن لا أحد يجرؤ أن يتكلم عنه .
إن الدولة رغم المجهودات التي تقوم بها إلا أنها ليست كافية ، فعدم بناء مدارس جديدة كل عام و عدم إجبار المقاولين العقاريين في الأحياء الجديدة من بناء مدارس عمومية مقابل الإمتيازات الضريبية يساءل جدية الدولة في إصلاح القطاع ، في المقابل نرى تمكينها لعدد من المقاولين الحصول رخص فتح مدارس خاصة في نفس هذه الأحياء مع جعل المدارس العمومية أكثر اكتظاظا و ميدانا للظواهر الاجتماعية السيئة، مما يضطر الأباء و الأمهات البحث مجبرين على البحث عن مدارس لأبنائهم ، ليس لأنها تقدم تعليما جيدا ، و لكن كي يوفروا لأبنائهم كرسيا غير ممتلئ بالأطفال.
أما إذا دققنا فيما يروج في المدارس الخاصة ، فإن تكافؤ الفرص غير متوفر بالمرة، فلكي يكون ابنك من المتفوقين أو لكي يحصل على نقط جيدة ، فهناك عدة طرق لفعل ذلك: الهدايا للأساتذة و الأستاذات، المشاركة في الأنشطة الباراصفية من رحلات و مهرجانات و كرميسات ..... الساعات الإضافية المؤدى عنها، و عدم الشكوى من الزيادات المتتالية لواجبات التسجيل حتى يتمكن الأطفال من المشاركة في الحفلات الختامية لنهاية الموسم الدراسي و التي يتم انتقاء المشاركين فيها بطرق ملتوية بعيدة عن الشفافية و النزاهة التي تتشدق بها هذه المدارس.
شيء آخر لابد من ذكره هنا، فبعض المدارس الخاصة تشترط في قبولها تسجيل الأطفال القيام بمقابلة خاصة ، مؤدى عنها في بعض الأحيان حتى يتم قبول الطفل في المؤسسة ، ولا يقبلون إلا من نجح, الذي يعرفه المتخصصون أن نجاح المدارس يكمن في قدرتها على جعل غير المتمكنين قادرين على اللحاق بمن سبقوهم، أما أن تختار فقط من يتوفر على الكفايات الضرورية و متحكما فيها فهذا لا يجعلك متفوقا و تقدم منتوجا تربويا جيدا، بل يجعلك تستغل المتفوقين للترويج و الإشهار لمدرستك ، و بما أننا شعب يحب البهرجة و المظاهر الخداعة فإن ارتفاع المعدلات في المدارس هو الهاجس المسيطر على هذه المدارس في المقام الأول.
أصبح يحلو للمدارس الخاصة إضافة لفظة " الدولية" إلى إسم المؤسسة على سبيل المثال: "مؤسسة اكس الدولية" ، و لا ندري ماهي المعايير المعتمدة لإعطاء هذه الصفة للمدارس؟ فهل هذا يعني أن المنتسبين إليها سيكون لهم نفس مكتسبات مدارس عالمية مشهورة ، أم أن لهذه المدارس فروعا في باقي دول العالم و نحن لا نعرف هذا المعطى؟ الظاهر أنها فقط طريقة لرفع الأسعار في وجه الزبناء ، خصوصا إذا رجعنا إلى مبدإ التباهي الفارغ و الكذاب الذي أصبح سمة الطبقة المتوسطة في بلادنا بين الأسر : "ولدي تيقرا في مدرسة ... الدولية ، غالية تنخلص القد و القد شهريا، تتقري مزيان خصوصا الفغونسي " الآن الموضة هي اللغة الإنجليزية .
يعتقدون أن ارتفاع الأسعار يوازيه جودة في التعليم ، و لكن هنا لا ألوم المدارس في هذا الأمر لأن من يقبل بدفع تلك المبالغ يستحق ما يحصل له ، و عليه أن لا يتباكى عندما يصطدم بالحقيقة المرة فيما بعد. أما شعار التعليم لخصوصي شريك استراتيجي و يهمه مصلحة الوطن و التلاميذ ، فلا بأس أن نذكر البعض بما حدث أيام الحجر الصحي و كورونا. لقد تنازل المستثمرون عن أرباحهم في سبيل الوطن و لم يلجِؤوا للمحاكم لإجبار الآباء على دفع الشهور المتبقية . لأن مصلحة لتلميذ فوق كل اعتبار.
أعود هنا للجملة الأخيرة للمادة رقم 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص كذلك على مايلي :"للآباء، على سبيل الأولوية، حقُّ اختيار نوع التعليم الذي يُعطى لأولادهم " وهنا نعيد كتابة ما دوناه في البداية على أن المغرب صادق على سمو المواثيق الدولية على القوانين المحلية ، و بهذا فالدولة فتحت بابا ضيقا للخواص ، هذا الباب سرعان ما اتسع ، و استغله القطاع الخاص أحسن استغلال في ظل حاجة الناس لتعليم ابناءهم و خوفا عليهم من الاكتظاظ و الظواهر السلبية التي تنتشر في المدرسة العمومية ، ليس لأنها ليست جيدة و لا يوجد فيها أساتذة أكفاء، بل لأن ظروفا معينة قام بها بعض الأشخاص هيَّأت الظروف لوجود هذه الإختلالات .
في الختام نَوَدُّ أن نشير إلى أننا لسنا ضد المدارس الخاصة , ففي الأخير يبقى الإختيار متروكا لأولياء التلاميذ الذين قد يرسلوا أبناءهم للخارج من أجل التعلم ولا أحد ينازعهم في هذا الحق، و لكن في دولة سائرة في طريق النمو و في قطاع اجتماعي خدماتي بامتياز، فإن تركه أو تسليمه للخواص يعتبر مغامرة كبرى قد نندم على نتائجها مستقبلا, فالمدرسة هي أوضح الإيديولوجيات و فيها يتشبع الأطفال بالقيم الدينية و الوطنية و الإنسانية و على الدولة أن تكون المتدخل الأول و الذي له اليد الطولى في الأمر , و ما الفضائح التي نسمع بها بين الفينة و الأخرى عن نوعية المقررات الدراسية التي يدرسها أبناء المغاربة و القيم الغريبة و الشاذة التي تمرر فيها مادام المغرب ترك للمدارس حرية اختيار الكتب المدرسة، و هذا وحده باب لو فتحناه لاحتجنا إلى مقالات و تقريرات طويلة ، لكن سنتكلم فيها لاحقا.
أتمنى أن أكون مخطئا في توقعاتي ، لكن التمنيات وحدها لا تحقق أحلاما