عالي حمنا
عندما لا تُمكن الخطط المحلية من حل مشاكل ضعف المتعلمين فلا مندوحة عن تعديلها وإن اقتضى الحال العمل بخطط اعتُمدت في دول أخرى، شرط إخضاعها للتحليل للاستفادة من إيجابياتها وتجاوز عِلاَّتها. مناسبة القول، هو اعتماد وزارة التربية الوطنية بالمغرب تجربة مستقاة من إحدى المنظمات غير الحكومية بالهند بهدف تسريع اكتساب المهارات الأساسية في القراءة والكتابة و الحساب.
التجربة التي نتحدث عنها تعرف اختصارا ب " TaRL" وأصلها "Teaching at The Right Level " ترجمتها الفرنسية "enseigner au bon niveau" وتم نقلها إلى العربية تحت اسم " التعلم وفق المستوى المناسب". نشير هنا إلى أن هذه المقاربة موجهة أساسا للدعم والاستدراك بداية الموسم الدراسي وليست لإرساء الموارد طيلة السنة. فبناء على اختبارات(روائز) في بداية الموسم تخص القراءة والكتابة باللغتين والحساب، يُقسم متعلمو كل مستوى إلى مجموعات (مسارات)، تُخصص لكل مجموعة أنشطة (لَبِنات) تعالج تعثرا معينا وفي مدة زمنية محددة. هذا باختصار الاتجاه العام لهذه المقاربة. كيف يمكن النظر إلى هذه التجربة ؟ وهل يمكن الوقوف على بعض نقائصها و مزاياها ؟ وهل ستكون الحل الذي طال انتظاره لإصلاح المدرسة المغربية ؟
لايسعُ الإنسان إلا أن يُثنِي على كل إصلاح يسعى إلى جعل التعلم متماشيا مع ما يشهده العالم من تغيرات ويرحب بالإصلاح الذي يسعى لتجاوز نقائص المدرسة ويقترح حلولا معقولة لمعالجتها. يمكن القول إن التجربة تتصف بالواقعية والطموح في بعض جوانبها، لذلك نعتبرالأدوات التي تم توفيرها و الفضاءات التي تم تجهيزها والأطر التي تم تكوينها مؤشرات نوعية على هذه الواقعية، دون أن ننسى أن التجربة لم تخضع بعد للتقييم والاختبار من طرف مؤسسات خارج قطاع التربية والتعليم لمعرفة ما تحمله من إيجابيات وما تختزنه من سلبيات، وبالتالي استمرارها أو تعديلها.
لن نقطف القبل قبل نباته ولن نُقر بأن مقاربة "طارل" في ظل مدارس الريادة هي الحل الأنسب لتحقيق شعار "مدرسة عمومية ذات جودة" فقد سبق ذلك شعار "مدرسة النجاح " ولا ندري غدا ما يكون. أما القول بتحسن مستوى التعلمات لدى المتعلمين خلال السنة مقارنة على ما كانوا عليه في بدايتها دون الاستناد إلى الأرقام والإحصائيات إقليميا، جهويا ووطنيا لا يمكن الاعتداد به، فهو لا يخرج عن كونه مجرد تَخَرُّصَاتٍ. كان بالإمكان اعتماد الريادة في الأسلاك الثلاثة في آن واجد دفعا للارتباك، وضمانا للاستمرارية، لأن التلميذ قد ينتقل من مدرسة رائدة إلى إعدادية غير رائدة... فإذا كانت الريادة ستسبب قطيعة بين الأسلاك فهذا هو الزلل. كما أن هذه التجربة تَحُد من تدخل الأستاذ في اقتراح أنشطة للمتفوقين، بمعنى أنها تُطور مهارات المتعثرين ولا ترفع السقف عاليا أمام المتفوقين، هذا فضلا عن كونها تقتصر على مهارات القراءة والكتابة والحساب وتُغيب تطوير المهارات الأخرى.
هذا ما تيسر إيراده من حيث النقائص، أما من حيث المزايا، فيمكن القول إن التجربة تستنهض هِمَمَ المتعثرين وتجعلهم ينخرطون في أنشطتها، لأنها تعتمد على أنشطة مبسطة وتتدرج في إيصال المعارف واكتساب التعلمات. زِدْ على ذلك أنها أخرجت الأستاذ من طور الجمود وجعلته يطور مهاراته من خلال التكوينات والارتباط بالتكنولوجيا. أما بخصوص اعتبار هذه المقاربة حلا لإصلاح المدرسة، فلا يمكن الجزم بذلك. قد يحدث أن يتقدم تصنيف التلاميذ في بعض الاختبارات الدولية، لأن المقاربة في بعض جوانبها تحاكي مواضيع هذه التقويمات، لكن الرهان أكبر من مجرد التصنيف.
إن الإيمان بضرورة إصلاح المدرسة المغربية واجب. فالإصلاح يجب أن يدخل في إطار مشروع مجتمعي، وينطلق من البيئة المحلية، وأن يأخذ بالاعتبار الخصوصية الوطنية، ويكون محل إجماع وطني كي يصمد أمام التحديات المستقبلية. فكل إصلاح انعدمت فيه مثل هذه المقومات لا يعول عليه. نرجوا حقا أن تنجح تجربة "طارل" وتحقق أهدافها وأن ينجح مشروع المدرسة الرائدة. لكن ما المعمول في حالة الفشل؟ هل سيتم إدخال تعديلات على هذه التجربة أم ستُعتمد مقاربات أخرى ؟ .... ويأتيك بالأخبار من لم تُزودِ.