عبد اللطيف مجدوب
جاء في مقدمة إبن خلدون أن "الإنسان اجتماعي بطبعه" ، ما يعني أنه فطر على أن يعيش وسط الناس لا بعيدا عنهم . يمكن حمل هذه المقولة على صعيد النسبية ، وليست المطلقة ، فقد تنسحب على فئة بشرية ، تصدر ؛ في قيمها وعاداتها وتقاليدها ؛ عن قناعات مشتركة ، وللتدليل على هذا الانتماء الجماعي تكفي الإشارة إلى القبائل المغربية المتجاورة ، والتي غالبا ما يجمعها هذا الانتماء في صور اللغة والعقيدة والموروث القبلي عموماً ، وهي تميل ؛ في تواصلها مع الآخر ؛ كلما كان هذا الآخر متبنيا لنظم قيمها وعاداتها وحاضنا لها.
لكن نزوح القروي إلى المدينة ، ومحاولة استيطانه بها لم يكن بالأمر الهين لاصطدامه بنظام وعادات وتقاليد ؛ لم يألفها في قريته ، فيضطر بحكم "غريزة البقاء" للتكيف مع أجوائها وأناسها ، ما يحتم عليه امتلاكه لعدة أدوات ، في مقدمتها اللغة الشفاهية ، واستحضاره لعاداتها . كانت هذه الضرورة الاندماجية تشكل فارقا بين ثقافتين متنافرتين ؛ ثقافة بسيطة مغلفة ؛ في عمومها ؛ بموروث شعبي قبلي ، وثقافة مركبة مؤطرة بقوانين وأعراف ؛ ومنفتحة على وسائل الحضارة والتمدن ، فكان على الشخص القروي الوافد على المدينة ؛ في بداية الستينيات ؛ المكوث أربع إلى خمس سنوات ليتشرب عادات المدينة ومدنيتها ، وقد ظلت "الهجرة القروية" خاضعة لهذه العملية السوسيولوجية الاندماجية مدة تنيف عن عشرين سنة ، إلا أنها تفككت أوصالها ، ولم تعد مرتبطة بالنموذج "المدني" الذي أخذ في الاندثار ويحل محلها النموذج القروي الذي طغى على جميع مرافق الحياة وحولها إلى شعبوية فجة ، كما حول اللغة السائدة أو بالأحرى لغة التواصل اليومي إلى عامية هجينة ؛ تستقي معظم تراكيبها وأمثالها ومرادفاتها من لغة مولّدة ، جلها متداول داخل السجون وبين عتاة القوم ، فيتوضح إذن ; أن السلوكيات العامة وأساليب التواصل الاجتماعي عموماً بالكاد خلوة من القيم التي تروج لها المناهج التعليمية والثقافة الأكاديمية ، فنجد أستاذا ؛ على سبيل المثال ؛ يتبنى في تواصله العام أسلوب المخاتلة والانتهازية ، والذي لا يمت بصلة إلى مؤهلاته المعرفية والأكاديمية.
نموذج لثقافة بدوية طاغية
نحاول ؛ فيما يلي ؛ استبيان فوارق شاسعة بين الثقافتين القروية والمدنية ، يمكن التأشير عليها في المداخل التالية:
• السياقة في مفهومها لدى العامة احتيال وليست مجموعة قوانين وضوابط ، ولا أدل على هذا من الاستهتار بالعلامات الطرقية ؛
• ليست هناك حرمة متبقية لحقوق الجار ، فلهذا الأخير أن يركض أو يدق أو يصخب ، ولو في جوف الليل غير عابئ بالآخر !
• في الشواطئ ، بسهولة يتضح السلوك المنافي للمدني ، حينما لا يعي هذا الشخص أن الاستحمام واستعمال الشاطئ هو مرفق مشترك ؛
• داخل المرافق العمومية ؛ سواء داخل مقهى أو على متن قطار ، أو في الأسواق ، يصبح هذا الفضاء ملوثا ، كل يعربد بهاتفه كيف يشاء ، جهارا وبلغة مثيرة للغثيان!
• داخل الإدارة ، يجد المرء المنحدر من البداوة صعوبة في الوقوف بالطابور وانتظار دوره ؛
• عند استعمال المراحيض ، فالأغلب لا يحسن استعمالها ، مهما توفرت أدوات النظافة.
الثقافة القروية/البدوية تجتاح أروبا
هذه الظاهرة ؛ "طغيان القروي على المدني" لم تبق محصورة داخل المدن ، بل تجاوزتها إلى بلدان وراء البحار ، وتحديدا في دول أروبا الغربية ، حيث نجد بالكاد مناطق سكنية "غيطوهات" يأويها العنصر العربي الوافد من دول شمال افريقيا ، وهي تعرف تكتلات لأنماط اجتماعية معينة ؛ قروية في ثقافتها وعاداتها ، بشكل يصعب معها الاندماج في ثقافة الدول الحاضنة ؛ بالمفهوم الواسع للثقافة ؛ إلا من خلال أداة اللغة التي يستمد منها المهاجر فقط أسلوب التواصل ، والذي لا يعني تشربه لكل حمولاتها الثقافية والحضارية.
اليمين المتطرف وتشدده ، وظاهرة "الأوروبية" Europeanism
يمكن القول بأن هذا التيار كان ؛ في نشوئه وتطوره ؛ ثمرة كراهية الأجنبي أو الدخيل ، والذي أصبح يراه قنبلة موقوتة ؛ تهدد كيانه ، وتسعى إلى تدجين ثقافته الأصيلة ، ومن ثم دعوته جهارا ؛ ضمن مطالبه السياسوية والانتخابية خاصة ؛ إلى دحر الأجنبي الدخيل ، والتخلص من كل الأقليات الإثنية التي تستوطن أرضه .
ظاهرة الأروبية Europeanism تعني " نزعة أروبية لتعزيز القارة الأوروبية سياسيا واقتصاديا وثقافيا " ، لكنها انزاحت إلى تيار أشد تطرفا ، حينما أصبحت تنادي بمعاداة الأجنبي والدخيل ، وهو مرادف لكلمة Xenophobia والتي تتوافق كليا مع " العنصرية أو رُهاب الأجانب ، وإضمار الكراهية للمهاجرين" ، وهو خوف يتجذر في العديد من العوامل بما في ذلك المجهول والتنافس على الموارد والتغيير الذي قد يقود إلى الاستعمار المقنع.