نصر الله البوعيشي
" كنا نناضل من اجل الزيادة في الاجور ، و إذا بنا اليوم نتحسس جيوبنا خوفا من ان تمتد اليها يد الحكومة "
بماذا يمكن أن نفسر التراجع الملحوظ في نسبة المشاركة في الإضرابات المعلنة دفاعا عن مطالب الشغيلة المغربية بصفة عامة والتعليمية بصفة خاصة مقارنة مع المواسيم الماضية ؟ هل يمكن القول أن حكومة عبد الإله بنكيران نجحت في تكسير شوكة النقابات بانتهاجها سياسة الأجر مقابل العمل وبتفعيلها لقرار الاقتطاع من رواتب المضربين ؟ أم أن سبب توقف الإضرابات مرده إلى خوف الشغيلة من الاقتطاع ؟ أم إلى ضعف وتشتت التنظيمات النقابية وتعدد الدكاكين النقابية وفقدان العمل النقابي لمشروعيته ؟
لايختلف اثنان أن الاحتجاجات من إضرابات واعتصامات ومسيرات و التي تقودها النقابات في مختلف القطاعات بين الفينة والاخرى تؤثر بشكل مباشر على الخدمة التي من المفروض أن تقدمها الإدارة إلى المواطنين البسطاء الذين يكونون ضحية الإضرابات التي تعرفها قطاعات كالتعليم والصحة والعدل والنقل ...... ذلك ان طبقات الميسورين بعيدون بعد السماء عن الأرض عن هذه التطاحنات فالمدارس الخصوصية ومؤسسات البعثات الأجنبية والمصحات الخاصة حيث يتابع ابناء الجكومة وابناء كبار النقابيين دراستهم وحيث يتابعون علاجاتهم ، لا يعرف الإضراب اليها سبيلا ، هذا بالإضافة الى الخسائر بملايير الدراهم التي يتكبدها الاقتصاد الوطني وهذه الخسائر لا يتحمل تبعاتها في النهاية الا طبقة الكادحين . بمعنى :"فيكم ...فيكم ..."
ومع ذلك و رغم هذا الكم الهائل من الاحتجاجات بشتى أنواعها التي منها ما هو معقول ومنها ما هو الا مزايدات ،لم تنجح لا النقابات ذات التمثيلية ولا غيرها من هيئات وجمعيات ومنسقيات في إرغام الحكومة على تحقيق الحد الأدنى من المطالب المطروحة والمتراكمة منذ سنوات ، وذالك راجع الى غياب إرادة حقيقية عند الحكومة التي طالت مدة انتشاء الحزب الذي يتولى رآستها بفوزها في انتخابات الدستور الجديد ، فهي تحاول ربح الوقت – رغم الآمال العريضة المعقودة عليها - بشتى الوسائل فتارة تلوح بالأزمة المالية العالمية وتارة تلوح بأولوية مساعدة الطبقات المعوزة من خلال اعادة النظر في تمويل صندوق المقاصة وتارة بعدم تنازلها عن المنهجية التي ترتضيها لمباشرة الحوار الاجتماعي وعدم اذعانها لمقترحات النقابات ... والحقيقة ان الحكومة استغلت وضعية التشرذم التي تعيش عليها النقابات التي تخلت عن دورها في تأطير الشغيلة والدفاع على مصالحها بسبب هذا العدد الكبير من النقابات (حوالي 23 نقابة) معظمها تابع لاحزاب سياسية ، صحيح ان التعددية النقابية مسألة ديمقراطية كما ان الحرية النقابية جزء من الحريات العامة ومن حق الاجير أن يتوجه الى الاطراف التي ترعى مصالحه وحقوقه، ولكن الواقع ليس كذلك ، إذ ان كل حزب سياسي صنع لنفسه ذراعا نقابيا يسبح بحمده يمجد ه ويدافع عن سياساته اذا كان في الحكومة ويحتج اذا خرج الى المعارضه بينما للعمل النقابي بعد سياسي دون أن تكون النقابة مسيسة أو لها انتماء حزبي لأن النقابة سلطة مضادة اقتصاديا واجتماعيا وليس معارضة سياسية ، ولا يهمها من يحكم بقدر ما يهمها الدفاع عن مطالب منتسبيها . و يمكن للتعددية النقابية أن تكون قيمة مضافة إذا وحد النقابيون المخلصون كلمتهم و تجاوزوا خلافاتهم ونأوا بأنفسهم عن الصراعات السياسية الهامشية .
لقد اصبح العمل النقابي اداة تستغل للصراع السياسي و اداة لتصفية الحسابات الشخصية والحزبية وأصبح كل هم جل النقابات الصراع على المناصب والكراسي والمواقع بذل ان تتوجه نحو الدفاع عن قضايا العمال والفلاحين بل و يضاف الى هذه (الحريرة كلها ) أن نقاباتنا المحترمة غير ديمقراطية وكثير من المسؤولين النقابيين المركزيين والجهويين والإقليميين معينون على راس المكاتب او في عضويتها مدى الحياة ، كما ان اغلبهم – الا من رحم ربك - ذوو ذمم غير نظيفة والدليل ما نراه من استشراء للامراض المجتمعية المزمنة في اوصال النقابات وأصبحت النقابة -بعد ان كانت وسيلة لتحقيق المطالب- مطية لكثير من الوصوليين والسماسرة والقابعين وضعاف النفوس .
في هذا الخضم ضاعت حقوق الطبقة العاملة المغربية ولم يعرف ربط اجور العاملين بالأسعار طريقه للتطبيق، ومازالت الفوارق بين الدخل صارخة بل و لم تستطع نقاباتنا العتيدة استصدار قرار تنفيذ اتفاق26 ابريل الذي وقعته مع الحكومة السابقة ، ومضت الحكومة غير آبهة بأحد في تنفيذ قرارها باقتطاع اجور المضربين في غياب تام لقانون الاضراب الذي نسمع عنه منذ استقلال البلاد واستمر القطاع الخاص في التعدي على حقوق العمال من طرد وتعسف وتمريغ للكرامة واستمرت الطغمة المسيطرة في استنزاف خيرات البلاد .
ولم يقف الامر عند صم الآذان وتجاهل المطالب بل ان حكومتنا "الموقرة" المنبثقة عن أغلبية برلمانية ،مفروض أن الشعب هو الذي اختارها لتمثله ، قررت التعامل بعنف مع الحركات الاحتجاجية ومنها الاضراب كأرقي شكل من اشكال المقاومة الاجتماعية والإنسانية، و "أكل المحتجون الهراوة " رغم أنهم لم يعتدوا على أشخاص ولم يتلفوا ممتلكات ومنشآت خاصة وعامة ، ولم يقف الأمر عند الضرب والشتم والإهانة بل تعداه إلى اقتطاع أيام الإضراب من رواتب المضربين .