أخبارنا المغربية ـ و م ع
تواصلت يوم أمس الأحد بمدينة مكناس فعاليات الدورة الخامسة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح، بتنظيم الجزء الثاني من "ندوة همزة وصل حول المسرح المغربي" خصصت لعلمين من أعلام المسرح هما المسكيني الصغير ومحمد شهرمان، تلاهما عرض مسرحيتين الأولى بعنوان "أنا هي أنت" والثانية "العساس".
وألقى الفنان المسرحي والناقد أحمد أمل، مداخلة ركز فيها على بيان المسرح الثالث الذي ظهر في فترة مسرح الهواة، والتي تزعمها ونظر لها الفنان والكاتب المسكيني الصغير وهو أستاذ متخصص في السوسيولوجيا وزاد من تعزيز نشره بيانه الأول أنه كان يسير مجلة المدينة، والتي كانت منبرا ثقافيا مهما ونافذة على الإبداع.
وأشار إلى أن الكتابة عند المسكيني الصغير بدأت في بداية الستينات، حيث ألف عدة مسرحيات أبانت عن توجهه الفكري والفني مطبوعا بالتوجه السياسي، وإن كان يغلب عليها الشاعرية واللغة المتينة، معتبرا أن بدايته الحقيقية كانت مع "مذكرات رجل يعرفهم جيدا" وهو النص الذي أرخ فيه المسكيني الصغير لفترة الاعتقال الذي ذاق مرارته، ويمكن اعتبار النص المسرحي أول ما كتب عن محنة المبدع في زمن ما سمي ب"سنوات الرصاص".
كما ركز على تعامل المسكيني الصغير مع التراث، إذ أن أغلب نصوصه المسرحية تستحضر التراث وتبقى شخصيات من واقع الحياة، ويوجد هذا في مسرحيات من مثل "الكأس الأخيرة" و"محمية لأموات نادرة" وكل شخصياتها لا تحمل اسما بقدر ما يشار إليها بعملها كالمحامي والكاتب والحمال والمرأة ومحافظ المقبرة والمعتقل، أو تحمل أرقاما في مسرحية "الكأس الأخيرة".
وبعد أن تناول الحلقة كنوع من الفرجة التي اعتمدها المسكيني الصغير خاصة في مسرحية "حكاية بوجمعة الفروج"، قال إن المسكيني أعاد للحلقة نوعا من التعامل الحي، كما أنه اتخذ لغة سماها "عربدجية" وهي لغة مختلفة عن اللغة الفصحى، والتي كثيرا ما تكون عماد النصوص التراثية السائدة، ويستعصي عليها أن تكون لغة شعبية، تختصر في جسدها اللغوي العربي دفء وحساسية الإنسان المغربي تجاه الأشياء والمحيط والواقع المعيش.
ومن بين التجارب الأخرى التي تناولها في المسرح الثالث، تجربة سعد الله عبد المجيد خاصة نصه المسرحي "مقامات بديع الزمان الهمداني" الذي أخرجه سنة 1981، وتجربة عبد القادر عباب والتي تتخذ تجربته من الجدل وسيلة لمساءلة النص، وتبيان الشكل المزمع إلباسه للفكرة.
أما بخصوص مسرح محمد شهرمان، فتناول الناقد والباحث ابراهيم الهنائي في مداخلة بعنوان "الفضاء الدرامي في مسرحية الضفادع لكحلة لمحمد شهرمان"، المكان والزمان كعنصرين من العناصر الأساسية التي ينبني عليها النص المسرحي.
واعتبر أن مقاربة الفضاء الدرامي تأخذ مشروعيتها لأن هذا الأخير يساهم في ضبط إرسالية الخطاب، ذلك أن تناول الخطاب المسرحي لا يمكن أن يكون بمعزل عن شروط إرساله.
وفضلا عن هذا المعطى الذي يتلخص في كون المكان/الفضاء يندرج في فهم ونجاح الخطاب يمكن القول بأن الفضاء يشكل في مسرحية "الضفادع لكحلة" بؤرة الصراع، فالضفادع التي طردت من فضائها - الذي يعد الغدير الصافي - تقاوم من أجل استرجاع فضاء، ومن هنا يصبح الصراع من أجل امتلاك الفضاء العمود الفقري للمسرحية.
وأضاف أن شهرمان كان يقول إنه لا يكتب الكلمة بل ينحتها، ومرد هذا التعبير هو كونه كان خطاطا ومصمما للديكور وزجالا في نفس الوقت، فهو فنان الهامش بامتياز ليس بالمفهوم القدحي ولكن بالمعنى الفلسفي للكلمة.
بعد ذلك، تم عرض مسرحيتين تندرجان ضمن المسابقة التي تنظم في إطار المهرجان الوطني للمسرح، الأولى تحمل عنوان "أنا هي أنت" لفرقة محترف بناصا بمشرع بلقصيري، ومسرحية "العساس" لفرقة إيسيل بالرباط.
وتحكي مسرحية "أنا هي أنت" عن تيمة الموت التي تتجادل بشأنها الأختين "سعاد" و"غيتة" في ارتباط بشخص على حافة الانتقال إلى العالم الآخر، أمهما "وردة"، وهي حكاية تفضي إلى الغوص في الذات الإنسانية وتعيد تركيبها من جديد بعد انهيارات لكل واحدة منهن، لنجد أننا في الأخير أمام مسرح حقيقي كان قد التهم الوقع التهاما.
والمسرحية التي أثارت إعجاب الجمهور تعتبر مقتبسة، فهي من تأليف كترين هيز، واقتباس وإخراج نورية بنبراهيم وتشخيص أمال بن حدو ونورية بنبراهيم. وقد أبان الهامش ممثلا في مشرع بلقصيري من خلال هذه المسرحية عن قدرة خارقة في الإبداع.
أما مسرحية "العساس"، فترتكز في تركيبتها الدرامية على أسلوب "فرجة الممثل الواحد" التي تمزج بين الحكي والتشخيص، وهو نص مركب من ثلاث حكايات تحكى على لسان ثلاثة حراس (حارس المدرسة، وحارس العمارة، وحارس السيارات)، وهي عبارة عن مواقف ساخرة مستوحاة من الواقع اليومي. والمسرحية من تأليف عصام اليوسفي وإخراج عبد العاطي المباركي.