قبور تحت الماء.. الأمطار تغرق مقبرة الطويجين بسطات وتسبب في انهيار قبورها

احتجاحات بالحراريين بطنجة بسبب مسجد

شوارع باريس تكتسي اللون الأبيض استعدادا لاستقبال الشهر الأخير من السنة الميلادية

ضربة سـكين تنهي حـياة تلميذ بطنجة ومطالب بضرورة التدخل ومراقبة أبواب المدراس

استيراد اللحوم المجمدة يخلق جدلا واسعا.. مواطنون ومهنيون يرفضونها ويتسائلون: هل هي حلال؟

وهبي: في اجتماع اليوم برئاسة رئيس الحكومة اتفقنا على تفعيل قانون العقوبات البديلة

اللغات ... عقدة الطلبة الجامعيين...

اللغات ... عقدة الطلبة الجامعيين...

بوشعيب حمراوي

 

لا حديث داخل أسر  الناجحين في الباكالوريا والمقبلين على حرم  معاهد وكليات الجامعات المغربية، إلا عن اليأس والإحباط اللذان يخيمان على  نفوس الطلبة الوافدين الجدد بسبب عدم تعريب برامج التعليم العالي، وعدم قدرتهم على التحصيل الجامعي باللغة الفرنسية. قريبا ... بداية موسم دراسي جامعي سيجد الطالب نفسه مرغما على حضور حصص دراسية لا يستوعب معظمها بسبب عجزه عن فهم مجموعة من المفردات العلمية والأدبية المفرنسة، وعدم تفهم الأساتذة الجامعيين لوضع هذه الفئة التي تضل محرومة من متابعة الدروس، ليس لقلة كفاءتها  ولكن لعدم استيعابها للشروحات والملخصات التي تعطى لهم بالفرنسية.

... كيف لطالب أن يجتاز مباراة جميع موادها باللغة الفرنسية، وقد تعلم دروس تلك المواد باللغة العربية، وتعرف على بعض المصطلحات فقط بالفرنسية؟.. كيف له أن يتابع التحصيل الدراسي لمواد  وشعب لا تستعمل اللغة العربية التي تعلم بها طيلة مساره الدراسي الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي؟... لم يختبره أحد في مجال تخصصه العلمي بقدر ما تم اختباره في مدى استيعابه وقدرته على التواصل بلغات لم تكن من قبل أداة لتحصيله العلمي والثقافي.... بحرقة ومرارة يلقي  الطلبة التعساء بهذه التساؤلات التي ضلت طيلة العطلة الصيفية والموسم الدراسي المنصرم حبيسة صدورهم الضيقة، تخالجهم كلما سئلوا عن مسار دراسته الجامعية ومدى استعدادهم و تجاوبه مع برامجها الدراسية المرتقبة... بعضهم فشل أو تخلف أو رفض اجتياز اختبارات كتابة مفرنسة أو امتحانات شفوية لا لشيء إلا لأنه يفتقد للغة التواصل المطلوبة (الفرنسية، الإنجليزية)، لم يكن الطالب الفقير أو القروي الذي  حصل الموسم الدراسي الماضي على شهادة الباكالوريا بميزة حسن أو حسن جدا، وعاش أسبوعا من الاحتفالات وسط أقاربه وجيرانه بحومته أو قريته الصغيرة، يدرك أن بعد أسبوع الفرح، سيكون عليه مواجه إعصار المباريات والانتقاءات، بما لديه من خزان معرفي تنقصه أهم  وأبرز أداة للتواصل وهي اللغات (الفرنسية، الإنجليزية...). وأن اللغة الأم التي مكنته من معارف علمية وثقافية، أراد لها أصحابها أن تنتهي صلاحيتها بمجرد توصله ب(دبلوم الباكالوريا)، وأن عليه التسلح بلغات تواصل أخرى للدخول في المنافسة من أجل ولوج المعاهد والكليات، والتمكن من  ولوج مدرجاتها بدون حرج أو نقص.الآلاف من الطلبة المغاربة أجبروا على التخلي عن مخططاتهم وبرامجهم التي أعدوا لها العدة العلمية والتقنية اللازمة، وخرجوا من المنافسة من أجل ولوج معاهد عاشوا يحلمون ويثابرون من أجل الالتحاق بها، بسبب ضعف تواصلهم وإلمامهم باللغة الفرنسية  ونظيرتها الإنجليزية ولو بنسب أقل. في الوقت الذي تمكنت فيه فئات طلابية أخرى دون مستواهم العلمي من ولوج تلك المعاهد، ومتابعة دراستهم وتكوينهم معتمدين على لغتي التواصل المطلوبتين. وانتقد مجموعة من  آباء وأولياء أمور التلاميذ  عملية التعريب (الناقصة) التي تمت، والتي زادت من معاناة أبنائهم وبناتهم  وأحدثت ازدواجية في التعليم، مطالبين بتعريب التعليم الجامعي، أو العودة إلى تدريس المواد العلمية والتقنية  داخل الثانويات والإعداديات باللغة الفرنسية. وذكر بعضهم ممن يعاني الفقر والعوز أن بعض المعاهد الكبرى وكليات الطب والبيطرة التي كان يلجها أبناء وبنات الفقراء إلى جانب باقي شريحة المجتمع، أصبحت بعيدة المنال، بسبب عدم إلمام أبنائهم وبناتهم باللغة الفرنسية، وعدم قدرتهم على صرف مبالغ مالية في الدروس الخصوصية لتعليمهم              

طموحات أجيال تنكسر داخل الحرم الجامعي

فقد أصبحت اللغة الفرنسية بالأساس أحد أبرز العقبات التي تحول دون نجاح أو انتقاء مجموعة من الطلبة الحاصلين على شهادة الباكالوريا في الامتحانات الكتابية أو الشفهية التي يتقدمون لاجتيازها من أجل الحصول على مقاعد داخل كليات ومعاهد المملكة التي يقر دستورها بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، كما تسبب عدم الإلمام بقواعدها ومفرداتها الأساسية دون استمرار  دراسة البعض الآخر ممن ولوجوا تلك المعاهد والكليات، وأدى إلى ارتفاع نسبة الهدر المدرسي. تعددت الأسباب التي أدت إلى تدني مستوى الممدرسين بالتعليم الثانوي التأهيلي في مواد اللغات الحية ( العربية، الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية...)، واختلفت باختلاف الباحثين والمعنيين والمتتبعين لوضع التعليم ببلادنا. فبينما تشير بعض الأصابع إلى أن التدني يرجع إلى طرق تدريسها  أو عدد حصصها الدراسية، أو نوعية برامجها، ترى جهات أخرى أن السبب يعود بالأساس إلى غياب التحفيز والاستقطاب الفعلي للتلاميذ والتلميذات من أجل دراسة  اللغات الحية، التي تحتاج إلى جهود فردية وجماعية تساهم في ترسيخها داخل أذهان وعقول المتلقنين.      

 إشكالية الترجمة وغياب المدرسين

 انتبهت الوزارة الوصية إلى  العقبة  التي أحدثتها إشكالية التعريب بالتعليم المدرسي، واستمرار التعليم الجامعي باللغة الفرنسية، وبعد أن عجز مسؤولوها وطيلة عقود مضت عن تعريب المواد العلمية والتقنية داخل الجامعات والمعاهد. ولو أنها لم تقم بأية إحصائيات أو استطلاعات للرأي لتعطي إحصائيات دقيقة أو تقريبية لعد ضحايا مشروع التعريب. فعمدت إلى تكوين مدرسين لمادة الترجمة، مهمتهم تلقين التلاميذ بالثانوي التأهيلي  المصطلحات والمواضيع العلمية والتقنية بالفرنسية  وخصصت ساعتين أسبوعيا لكل مستوى دراسي علمي. لكن العملية لم تكن ذات نتيجة فعلية، بسبب عشوائية برامجها وتهميشها من طرف التلاميذ وبسب قلة المدرسين لمادة الترجمة، مما جعل الوزارة تكلف مدرسي المواد العلمية بإضافة ساعة أسبوعيا خاصة بالترجمة. إضافة إلى ضعف الترجمة العلمية.

 

اللغات عقدة التلاميذ والآباء

  كثيرا ما طرح آباء وأولياء أمور التلاميذ استفسارات عديدة حول سبب عدم تمكن أبنائهم وبناتهم من استيعاب مواد اللغة الفرنسية والانجليزية والاسبانية، وكيف أنهم يقضون السنوات الطوال يدرسون تلك المواد ولا يستطيعون نطق حتى جملة صحيحة بها، فاللغة الفرنسية تدرس كمادة بداية من الفصل الثالث ابتدائي، مادتي الانجليزية أو الاسبانية  تدرس ابتداء من مرحلة الإعدادي، مما يجعل الحاصل على شهادة الباكالوريا يكون قد استفاد من دراسة الفرنسية لمدة عشرة مواسم دراسية، والانجليزية آو الاسبانية لمدة تفوق الأربع سنوات، هذا عن التعليم العمومي، أما بالتعليم الخصوصي فإن التلاميذ يدرسون اللغات حتى قبل دخول المستوى الأول ابتدائي. سنوات عديدة يقضونها التلاميذ في دراسة اللغات بالمؤسسات الابتدائية والثانوية، والنتيجة أننا نحصل على حاملين لشهادة الباكالوريا بمختلف شعبها، لا يفقهون شيئا في تلك اللغات التي يجدونها المسلك الوحيد لإتمام دراستهم الجامعية. وأمام هذه النتائج ارتفعت بعض الأصوات مجدداً تطالب بإلغاء التعريب بصفة نهائية، وإعادة التعليم في مراحله المختلفة باللغة الأجنبية كما كان في عهد الاستعمار وبعده بسنوات خلت. فقد فرضت الحماية الفرنسية اللغة الفرنسية داخل المؤسسات التعليمية والإدارات العمومية والخاصة بالمغرب، وضلت ثابتة بعد الاستقلال، ومنحت لها الشرعية والاستمرار في ميدان التعليم والتربية وتكوين الأطر. فقد استطاعت فرنسا بفضل تلاميذها الذين كونتهم، وعملائها الذين احتضنتهم من اختراق نظام التربية والتعليم، وانتهاج سياسة تعليمية هدفها محو اللغة العربية وكل ما تجر وراءها من عقيدة إسلامية وتراث وتقاليد مغربية أصيلة. ولم تتمكن كل الحكومات التي تعاقبت على تسيير البلاد المستقلة من إحداث تعليم وطني إسلامي مستقل، رغم ما سبق وأعلن عنه  من المبادئ الأربعة خلال أول لقاء عقدته اللجنة الملكية لإصلاح التعليم بتاريخ 28/9/1997م وهي (التعريب،التعميم، التوحيد، المغْرَبة). ليضل العقل الفرنسي راسخ في أذهان المغاربة يسيطر على أدمغتهم التي تعتبره القائد والقدوة في كل مجالات الحداثة. ويصبح المغاربة تائهين لا هم قادرون على المشي ولا على القفز.

 

شيوخ وأميون حظوا بإقامات مؤقتة ببلدان أوربية و أمريكية عادوا وألسنتهم تنسج الكلمات والجمل بلغات تلك البلدان، وأبنائنا وبناتنا بالمغرب عجزوا عن تعلمها.

 

أسئلة كثيرة طرحت في الهواء دون أن تجد من يبحث في عمقها ويجد لها مخرجا لتمكين الأجيال المتعاقبة من أدوات التواصل (اللغات)... أسئلة من قبيل... هل تلك اللغات معقدة إلى درجة أن أبنائنا وبناتنا لا يستطيعون استيعابها رغم السنوات الطوال، أم أن السبب يعود إلى أمور أخرى... هل يجب إعادة النظر في البرامج التعليمية التي تعددت واختلفت دون نتيجة، أم في طريقة التدريس... أم أن المغاربة الجدد لم تعد لهم القدرة على تعلم اللغات... أسئلة كثيرة حيرت الآباء الذين يرون كيف أن مطرودين من الدراسة ومعهم شيوخ وأميين حظوا بإقامات مؤقتة ببلدان أوربية و أمريكية عادوا وألسنتهم تنسج الكلمات والجمل بلغات تلك البلدان، وأبنائنا وبناتنا بالمغرب درسوا عدة سنوات تلك اللغات وعجزوا عن تعلمها. ويعتبرون أن المشكلة في عمقها هي نتاجا لعشوائية تدريس تلك اللغات، وأن البرامج التدريسية لا تهتم بالتركيز على تلقين التلاميذ المبادئ الأولية لكل لغة والتأكيد على أنهم قد استوعبوها كاملة، وجعلهم يوظفونها في جمل وحوارات شفوية ومحادثات داخل الفصل، قبل الدخول في عمق البرامج الأخرى، ولعل المطلع على البرامج المعتمدة في تدريس اللغات، حسب بعض المختصين يلاحظ أن عملية الانتقال إلى عمق تلك اللغات تتم بسرعة، مما يجعل التلاميذ غير قادرين على مسايرة المقررات، وبالتالي قطع التيار التعليمي بينهم وبين المدرس المرغم على احترام البرامج المقررة. كما اعتبروا أن عملية تعريب المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي والثانوي (الطبيعيات، الرياضيات، الفيزياء والكيمياء...)، زادت من تهميش اللغة الفرنسية،  فالتلاميذ كانوا يدعمون مكتسباتهم في اللغة الفرنسية ويصقلونها عند حضورهم الحصص الدراسية للمواد الأخرى التي كانت (مفرنسة). وكانوا يجدونها مجالات خصبة للتوليف على الحديث باللغة الفرنسية كما أنهم كانوا مضطرين للاطلاع أكثر من أجل استيعاب شروحات مدرسي المواد المفرنسة. كما اعتبروا أن عدم استيعاب التلاميذ للغات، يكون كذلك بسبب العبث وعدم الاهتمام الذي أصبح شيمة سلوكات معظم التلاميذ، وهذا الوضع يخيم بضلاله على كل المواد المدرسة، فناذرا ما تجد تلميذ مواظب ونجيب يتابع باهتمام شروحات المدرسين ويحرر ملخصات الدروس والتمارين في الدفاتر المخصصة لهم، ليعمد إلى الاطلاع عليها بمنزله. إضافة إلى أن معظم التلاميذ يعمدون إلى نسيان ما تلقوه من دروس بمجرد الاختبار فيها. ولا يوفرون جهودا بديلة من أجل تخزين المعلومات للاستعانة بها من أجل استيعاب دروس أخرى.

 

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات