عابد الشرقاوي
إن المتتبع للشأن السوري و ما يقع في سوريا من أحداث و حرب دروس ليستنتج بما لا يدع مجالا للشك أن العالم يعيش على وقع حرب يمكن أن يقال عنها أنها حرب باردة جديدة بامتياز و إن كانت تختلف على نظيرتها الأولى في عدد الفاعلين المتدخلين فيها و في الوسائل المعتمدة و المخصصة لهذه الحرب و في طبيعة الأطراف التي تقود هذه الحرب بالوكالة ,فالحرب الباردة الأولى كما يعلم الجميع كانت قد حدثت بين قوتين عظميين رئيسيتين أنداك أمريكا و الإتحاد السوفيتي هذه الحرب الخفية و الغير المعلنة قسمت العالم إلي شطرين اثنين أولهما معسكر شرقي بزعامة الإتحاد السوفيتي و الدول التي تدور في فلكه و آخر غربي بزعامة أمريكا ومعها الدول التي تتبع لها هذا بالإضافة إلى شطر ثالث غير منتمي لهذا الطرف أو ذاك و كانت تمثله دول سميت بدول عدم الانحياز و قد بلغت حدة الصراع والحرب بين المعسكرين التي دارت رحاها في العديد من بلدان العالم مستويات خطيرة من التصعيد الذي لم يشهد العالم مثيلا له نظرا لكون هذين العملاقين يملكان مشروعين متباينين تتلخص فيهما نظرة كل طرف منهما للطريقة و الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية لكن رغم التصعيد الخطير بين الجانبين لم يتطور الموقف ليصل إلى حد المواجهة المباشرة لما للأمر من تبعات خطيرة على السلم و الأمن الدوليين و على مستقبل البشرية. .
و إذا كانت الحرب الباردة الأولى قد انتهت بسقوط جدار برلين إلى أننا اليوم و من خلال معايشتنا للأزمات التي شهدتها المنطقة العربية و على وجه الخصوص الأزمة السورية ليتأكد على أننا مقبلين على حرب باردة جديدة تقودها قوى متباينة المصالح و تنفذها أطراف بعينها هي عبارة عن بيادق أو بالأحرى دمى مهمتها الأساسية تنفيذ أجندة هذه القوى المتنازعة فالأزمة السورية في بداية الأمر كما يحلوا للبعض أن يسوقها في بعض وسائل الإعلام كانت تبدوا للملاحظ على أنها أزمة بين النظام الحاكم و البعض من أفراد الشعب يتطلع للديمقراطية و متعطش للحرية التي لطالما افتقدها و إذا كلنا لا نسقط المسؤولية عن النظام السوري في جزء مما حدث إلا أنه من السذاجة بمكان في تحليل لحيثيات الأزمة الاكتفاء بهذا العنصر الأخير كمسبب وحيد للأزمة و استبعاد كل المسببات الأخرى التي تشغل في حقيقة الأمر مساحة كبرى في تفسير ما يحصل فعلا في سوريا إن ما يحصل في سوريا من حرب أريد لها أن تحدث تدخل في إطار المؤامرة و تصفية حسابات من طرف بعض الأطراف الدولية و الإقليمية مع هذه الدولة بالنظر لمواقفها السابقة التي كانت تزعج البعض و لا يستسيغها إلى جانب اصطفافها مع المحور المعروف بالمقاومة المناهض لكل أشكال التبعية و الخضوع لسياسات أمريكا و وقوفها أمام أي هيمنة للغرب على ثروات و مقدرات شعوب المنطقة و مساندتها و دعمها العلني و اللامحدود للمقاومة في لبنان و فلسطين في مواجهة إسرائيل فقد كانت تمدها بالسلاح و كانت تشكل الملاذ الآمن للكثير من قيادتها الملاحقة و المهددة بالاغتيال من طرف العدو الصهيوني إن الهجمة الشرسة التي تتعرض لها سوريا على مختلف الأصعدة و خاصة إعلاميا من طرف بعض الدول خاصة السعودية و قطر و تركيا بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه في الميدان للمسلحين و المتمثل في توفير العتاد و التموين لهم لا يرتبط بأي حال من الأحوال بأكذوبة دعم الشعب السوري لما لحقه من ظلم و تنكين على يد النظام السوري صحيح أن الطريقة التي تعامل بها النظام مع الأزمة لم تكن صائبة إطلاقا لكن مع ذلك هذا لا يبرر ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الدول السالفة الذكر و إعلامها مع القضية السورية ففي الوقت الذي نرى فيه هذه الدول تكرس كل ما تملك و خاصة إعلامها لفضح ما تدعيه من جرائم النظام السوري في حق شعبه نجد أن هذه الدول قد أرسلت قوات عسكرية و المعروفة بإسم درع الجزيرة لقمع الثورة التي يقوم بها الشعب البحريني ضد النظام الحاكم أمام صمت و تكتم إعلامي رهيب من طرف إعلام هذه الدول لما يتعرض له الشعب البحريني من تنكيل كما نتساءل أيضا أين هذه الدول و إعلامها مما تعرض له المسلمون في بورما؟؟ ,
في الأخير يمكن القول أن ما تعيشه سوريا ما هو إلا صراع على النفوذ في المنطقة يدفع فاتورته الغالية الشعب السوري بالدماء و الأشلاء بين قوى عالمية متمثلة في الصين و روسيا و إيران من جهة و الغرب بزعامة أمريكا بالإظافة إلى بعض الدويلات العربية من جهة أخرى,,.