محمد ناجي
نشرت بعض الجرائد الإلكترونية منذ قليل خبرا بتولي بعض الوزراء الجدد لوزارات في النسخة الثانية لحكومة بنكيران، ومنها تولي مزوار لوزارة التربية والتعليم بدل الأستاذ محمد الوفا..
ولذلك فقد حق لنا أن نردد مع المرددين تلك الآية الكريمة : أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ..
وهو ـ كما يعرف البلاغيون ـ استفهام إنكاري، وهو ـ كما يعرف المغاربة في غير حاجة إلى جواب..
فمعلوم عندنا أن كل من يبين عن رغبة أكيدة في الإصلاح، لا يعجبهم، ولا يرتاحون إليه..
وقد كان أولى برئيس الحكومة ـ لو كان رجلا بالفعل ، وبالمعنى الذي يعرفه المغاربة للرجولة الحقة ـ ألا يتنازل عن وزير استطاع أن يقدم لوزارة التربية الوطنية ما لم تدركه طوال أكثر من ستين سنة من عمرها بعد الاستقلال..
إن عبد الإله بنكيران بصفته كان رجل تعليم يعرف هذه الحقيقة.. وهو الآن يعرفها أكثر من غيره، بعد أن عرك مسارب الوزارات ومر بدهاليزها، واطلع على أسرارها، ومخططاتها الجهنمية التي أريد بها الإبقاء على المغاربة في حالة فقر فكري وعلمي وثقافي، لا يرقى بهم إلى مستوى التطلع إلى الأمم المتقدمة، ولا يصل بهم إلى مستوى المطالبة بحقوقهم الإنسانية المشروعة.. فالأمي لا يعرف حقوقه، ويعتبر أن حبة أسبرين إذا وهبت له في مستوصف؛ فتلك نعمة وفضيلة وإحسان من الدولة أو من طبيب المستوصف.. والأمي لا يستطيع أن يعرف ما معنى البرلمان والانتخابات والديمقراطية .. فكانت سياسة التعليم في المغرب ، بمساعدة وزارات أخرى كالإعلام والداخلية .. تعمل في هذا الاتجاه.. واستمرت عليه إلى عهد قريب جدا. والدليل أننا لم نكن نرى في جل حكومات العهود الغابرة وزيرا من أسرة متواضعة، أو وزيرا من كاريان سانطرال، أو من دوار لاحونا، أو دوار الرجا فالله، أو من أبوين كادحين... كلهم كانوا وزراء النخبة، حتى ولو كانوا أشباه أميين لا يستطيعون تهجي خطاب مكتوب بحروف غليظة باللغة العربية ، كالوزير الأول كريم العمراني، الذي ما زلت أذكر أنه في مناسبة بناء مسجد الدار البيضاء تبرع بملياري سنتيم، وعجز عن تهجي رسالة أو برقية؛ إلى درجة مضحكة وهو يردد نصف الكلمة عدة مرات دون أن يستطيع قراءة نصفها الآخر ... هؤلاء هم كانوا وزراءنا، ولابد أن تكون سياستهم هي المحافظة على امتيازات النخبة.. والإبقاء على الشعب في أدنى الدرجات من التعليم والتثقيف .. حتى أصبح ممنوعا على أي طفل من أبناء الشعب الكادح أن يتسجل في مدرسة عمومية وهو دون سن السابعة.. أي إلا بعد أن يفوته ركب التمدرس بسنة على الأقل.. في حين كان أبناؤهم يبدؤون دراستهم وهم في الخامسة أو دون ذلك..
فهلا يعرف بنكيران هذا، ولم يعايشه؟
هل يستطيع بنكيران أن ياتينا بوزير ناصح مخلص كان قبل الأستاذ محمد الوفا؟
ومن يراني أدافع عن الوفا يعتقد أنني صديق له أو قريب أو ربما أخ له في الرضاعة. وإنني لأقسم بالله العظيم أنني لم يسبق لي أن رأيت وجهه إلا في وسائل الإعلام. لذلك فإنني أتوجه إلى رئيس الحكومة أولا ، ثم إلى كل من يعنيه أمر التعليم في بلادنا بهذه الأسئلة المقارنة البسيطة والملموسة :
هل مر في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم وزير للتربية الوطنية في مستوى محمد الوفا وصدقه وإخلاصه ونظافة يده؟ وهل مر في المغرب من الاستقلال إلى اليوم وزير للتربية الوطنية استطاع أن يغير انطباع جل المغاربة حول التعليم العمومي في ظرف سنة واحدة بالقدر الذي حققه الوزير محمد الوفا؟ وهل مر في المغرب وزير قام بالإصلاحات الهائلة التي قام بها محمد الوفا ، سواء على مستوى فضح الأشباح، أو التقليل من نسبة النجاحات المغشوشة الكاذبة، أو تمكين التلاميذ من الدراسة المستمرة طوال السنة بدون انقطاع تقريبا .... وما إلى ذلك مما أصبح الآباء أعرف به من رجال التعليم.
ولكن بنكيران ـ المغلوب على أمره وهو القوي ـ رضي باستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، تمسكا بالمنصب، وتقربا ، وضحى به قربانا لنوال الرضى الذي لن يناله أبدا، واستسلاما للعفاريت والتماسيح.. الذين كان يتذرع بأنهم العرقلة التي تعوق إصلاحاته..
فأي شيء أصبح يميز هذا الحزب عن الأحزاب التي سبقته إلى الحكومة وعملت كل ما في وسعها للبقاء فيها، ولو مقابل تنازلها عن مبادئها، وتخليها عن الشعب الذي ساندها وصعد بها إلى سدة الحكم، وانصياعها المطلق الأعمى لأوامر حكومة الظل.. ثم لم تلبث أن تهاوت بعد قضاء الغرض منها (وفيها)... فأصبحت كأعجاز نخل خاوية ..
لقد كنت ـ ومعي نسبة كبيرة من المغاربة غير المنتمين ـ أراهن على أن بنكيران لا يمكن أن يتنازل عن مبادئه، وأن أخلاقه ورجولته تمنعانه وتحولان دونه ودون تقربه من الفاسدين والمفسدين، وأنه حتى وإن عـنَّ له أن يفعل، فلن يتركه مناضلو حزبه الغلاظ الأشداء .. ولكن ؛ تبين لي أنني كنت واهما، وأنْ ليست الغاية هي الإصلاح؛ وإنما هي الحفاظ على "ربطة العنق" التي ألفتها رقبته الغليظة ، والتي ربما لا يدرك أنها تـجَـرُّ شيئا فشيئا، وأنه كلما ازداد تنازلا وخنوعا، ازداد ممسكها جذبا وشدا ... إلى أن تخنقه يوما ما، فيخر على ركبتيه محطما منهارا؛ جسدا بلا روح .. وحزبا بلا قاعدة..
وفي تاريخ الأحزاب السابقة عبرة لمن يعتبر.. لو كان بنكيران وحزبه يعتبران...
A bdou
سلمت قلمك
هدا كلام منطقي جدا .رايي من رأيك. للإشارة ؛انا رجل تعليم.