انغير بوبكر
تطلب مني كتابة هذا المقال جهدا كبيرا ووقتا معتبرا لانني كنت مضطرا لأراجع العديد من الكتابات والمذكرات ومنها مذكرات الوزير السابق احمد الطالب الابراهيمي التي ادلى بها على قناة الجزيرة في برنامج شاهد على العصر في تسع حلقات واهمها الحلقة الاخيرة والتي تحدث فيها الوزير والديبلوماسي السابق عن الصراعات المدمرة التي يعيشها محيط الحكم الجزائري خصوصا مع تعطش الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة للرئاسة منذ الرحيل الغامض والمرض المجهول الذي اودى بحياة الراحل هواري بومدين لكن كان للعسكر راي اخر كما اطلعت على الجزء الاول من مذكرات الطالب الابراهيمي المكتوبة تحت عنوان احلام ومحن (1932-1965) مذكرات احمد الطالب الابراهيمي التي كتبت عن التاريخ الجزائري المعاصر كما شاهدت مذكرات الرئيس الراحل احمد بن بلة الذي توفي في 11 ابريل 2012 ودائما في برنامج شاهد على العصر في اكثر من ثلاثة عشر حلقة والتي اعجبني فيها بكل صراحة قوله في الحلقة الاخيرة :"اذاكنت مخطئا في حق زملائي واصدقائي فاظن بان 15 سنة التي قضيتها في السجن كافية لتريحهم واذا كانوا قد ظلموني واخدوا حقي وسلبوا حريتي فانا مسامح لهم". أتاح لي التنقيب في هذا الموضوع اي موضوع التاريخ السياسي الجزائري المعاصر حقائق مهمة وهي ان الرئيس احمد بن بلة من مواليد المغرب وان النخبة السياسية الجزائرية معظمها مغاربة وان قضية الصحراء التي عكرت صفو العلاقات المغربية الجزائرية كانت صناعة استخبارية جزائرية خالصة للانتقام من الساسة المغاربة وان الجيش الاسلامي المسلح والجبهة الاسلامية القاتلة بقيادة الزيتوني وغيرهم كانت من صنع الاستخبارات الجزائرية وان العديد من المختطفين والمغتالين في الجزائر تم بأيادي الاستخبارات الجزائرية ولم تكن القوى الارهابية في الجزائر سوى ذرائع وكراكيز تحركها المخابرات الجزائرية كلما ارادت ذلك كما اتح لي البحث في الموضوع التعرف على كتابات العديد من الصحفيين الجزائريين المرموقين المحبين لوطنهم الى حد الهوس والمتطلعين الى مستقبل جزائري اكثر رحابة واكثر ديموقراطية متمنين ان تزول الغمة الاستبدادية عن سماء الجزائر الملبدة بغيوم الديكتاتورية والقهر والظلم .
من الكتابات المهمة التي قرأتها وأهدف من هذا المقال إقحام القارئ في ثناياها وتجاعيدها كتاب الصحفي الجزائري محمد سيفاوي الذي عنونه بالتاريخ السري للجزائر المستقلة وبالفرنسية histoire secréte de l’algérie indépendante Etat-DRS المطبوع في باريس وبالضبط في مطبعة العالم الجديد سنة 2012 وكتاب آخر احث القارئ الكريم على الاطلاع عليه وهو كتاب الصحفي الجزائري هشام عبود الذي عنون كتابه ب مافيا الجنرالات la mafia des generteux المنشور سنة 2002 بمطبعة JC Lattés بفرنسا القاسم المشترك بين الكتابين انهما يحكيان مآساة الجزائر بعد الاستقلال و انقلاب احوال الجزائر من نضال ثوري من اجل التحرر الوطني قاده الوطنيون الاحرار الى نظام ديكتاتوري فاسد اغتال الثورة واختار نهج مراكمة الثروات بالنهب والسلب والقتل .
تشترك كل الكتابات المنتقدة للنظام الجزائري على ان الثورة الجزائرية تم الاستيلاء عليها ومصادرة قرارها منذ انقلاب جيش الحدود على الحكومة المؤقتة وتولي احمد بن بلة مقاليد الحكم من 15 أكتوبر 1963 إلى 19 يونيو 1965مدعوما بالعسكر والمخابرات وفعلا حكم المرحوم بنبلة الجزائر بعقلية مستبدة وديكتاتورية وقام بتصفية بعض خصومه السياسيين خصوصا وان مقتل خيدر و عبان رمضان واول وزير خارجية جزائري خميستي وكريم بلقاسم والائحة طويلة مازال مجهولا وابعاد الاخرين الى المنافي في المغرب وفرنسا وتونس وغيرها من البلدان الاخرى لكن سرعان ما انقلب هواري بومدين يوم 19 يونيو 1965 والذي حكم إلى غاية 27 ديسمبر 1978 على رفيقه واستاذه بن بلة وسجنه 15 سنة بالاضافة الى وضعه تحت الاقامة الجبرية سنة اضافية ،فبدأت الثورة الجزائرية تأكل ابنائها وبدأت صراعات الثوار على احتكار السلطة تطفو على السطح وبدأ الرئيس بومدين سياسته القمعية اتجاه الشعب الجزائري واطلق العنان للمخابرات لتحكم الجزائر بيد من حديد الى حدود ان الرئيس بومدين الزم على جميع المواطنين ضرورة اخد اذن مسبق من الولايات والمقرات الامنية لكل من اراد السفر الى الخارج اما الحريات الصحفية وحقوق الانسان فلا يمكن الحديث عنها بالبث وبالمطلق و استمر الحال على ماهو عليه الى غاية عهد الشاذلي بن جديد الذي وصل الى سدة الحكم سنة 1979خلفا للراحل هواري بومدين -الذي تدهورت صحته بشكل مفاجئ وسريع – فوصل الشادلي بن جديد الى سدة الحكم يشكل غير متوقع لانه كان من الشخصيات العسكرية المغمورة ورجحت جميع التكهنات ان يتولى عبد العزيز بوتفليقة زمام الامور نظرا لقربه من هواري بومدين وانتمائهم جميعا لمجموعة وجدة التي سماها البعض بعصابة الثمانية وهي المجموعة التي سيطرت على مقاليد الحكم في عهد بومدين الا ان فيتو العسكر وقصدي مرباح تحديا ادت الى اقصاء بوتفليقة بل والضغط عليه للتنازل عن اطماعه السياسية ولو بشكل مؤقت فنهج الشاذلي بن جديد اسلوبا تجفيفيا لكل منابع البومديانية واثارها السياسية وازاح كل كل الخصوم السياسيين من معترك التنافس السياسي على الرئاسة فاقصى عبد العزيز بوتفليقة بعدما هدده بملف مالي يتعلق باموال السفارات والقنصليات بالخارج واقصي قصدي مرباح والاخرون واستقدم الراحل الشاذلي بن جديد الجنرال العربي بلخير الذي اسماه المهتمين بالشان الجزائري صانع الرؤساء لان نفوذه في عهذ الشاذلي كان قويا ومؤثرا واستحوذ على تسيير ملفات كبرى تتعلق بالتجارة الخارجية وبالتسلح و بالعلاقات المغربية الجزائرية المتوترة بفعل الدعم الجزائري الواضح لجبهة البوليزاريو ، الراحل الشاذلي بن جديد كما هو معروف اجبر على الاستقالة رغم انه اشار في مذكراته قبل ان يأتيه الاجل المحتوم بأنه استقال من منصبه عن طواعية ولكن حله للبرلمان كان بسبب عبد العزيز بلخادم الذي كان له عداوة متأصلة معه ، على كل حال فالرئيس الشادلي بن جديد حل المجلس الوطني الشعبي بعد فوز جبهة الانقاد الاسلامية الجزائرية بالانتخابات البلدية سنة 1990وبالدور الاول من الانتخابات التشريعية سنة 1991 حيث حصلت على اكثر من 187 مقعدا وكانت ستكتسح المجلس التشريعي لذلك ضغط كل من الجنرال توفيق مدين رئيس المخابرات الجزائرية والملقب بتوفيق والجنرال اسماعيل العماري واخرين على الشاذلي بجديد للاستقالة وحل المجلس مقابل سكوتهم عن التجاوزات المالية لاسرته ولاصهاره ، فكان لهم ما ارادو فدخلت الجزائر العشرية الدموية في التسعينات حيث قتل اكثر من ربع مليون جزائري واصبح القتل العملة اليومية للجزائريين و خرجت الامور من بين ايدي الجنرالات الذي استطاعوا ان يقنعوا الرئيس المغتال بوضياف لانقاد الجزائر من هذه الورطة باعتباره من القادة التاريخيين الذي اصبح صوته مسموعا لكنه رفض عرض الجنرالات لقيادة الجزائر في هذه المرحلة العصيبة الا ان تدخل زوجته و تدخل الملك الراحل الحسن الثاني والضمانات التي اعطيت له جعلته يقبل في النهاية رئاسة الجزائر ولكن اصراره على استرجاع نفوذ المدنيين الى سدة الحكم و قرارته المتعلقة بالشفافية والنبش في الملفات الشائكة في الجزائر سرعت بمقتله في عنابة من طرف جهاز الاستخبارات الجزائرية كما صرح بذلك السيد احمد غزالي رئيس الوزراء الجزائري في عهد بوضياف وزوجته التي اتهمت الاجهزة الجزائرية مباشرة بتصفية الرئيس بوضياف ، توالت الاحدات في الجزائر واستمر الحكم الجزائري في سياسته العدائية والتفقيرية اتجاه الشعب الجزائري مع استقدام الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة المتعطش للحكم من جهة وللانتقام من خصومه السابقين من جهة اخرى ، لذلك استمر الحكم الجزائري في الاستبداد والفساد واستحكم العسكر في الحياة السياسية وقمع العسكر كل التحركات السياسية والمدنية وزورت الانتخابات التشريعية والرئاسية وابطلت الحياة السياسية الى يومنا هذا ومع اعتزام الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية رابعة يبقى التساؤل الملح دائما متى تحقق الجزائر ربيعها الديموقراطي ؟ متى يستطيع الشعب الجزائري تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي ؟ متى ستصبح الدولة الجزائرية دولة ديموقراطية تحترم تضحيات شعبها مند الاستقلال الى اليوم ؟ الشعب الجزائري شعب عظيم وتاريخه مجيد و ثرواته مهمة لكن حكامه ما زالوا يحكمون شعبهم بمنطق القمع والتحكم ، اليس في الشعب الجزائري احسن من بوتفليقة ؟ الا يستحق الشعب الجزائري الكرامة والحرية واستغلال مقدراته الطبيعية في التنمية والديموقراطية والعيش الرغيد بدل التسلح المفرط واستعداء الجيران وتفريخ الارهاب ؟ هذه من الاسئلة التي اشاطر فيها الراي مع مجموعة من الصحافيين والسياسيين الجزائريين الذين اختارو العيش في المنافي والاغتراب على العيش اذلاء مقهوريين في وطنهم الذي انهكته سياسة الجنرالات واستبداد الرؤساء.