الحسين أربيب
الأرض، الأرض أينما كانت، تتكلم لوحدها لغة الحرية ولا تقبل أن أن تداس بالأقدام الأجنبية التي تدنسها كذلك الأرض المغربية ، البلد المستقل باستثناء بعض الثغور التي مازالت تحت نير الاستعمار ،فالمغرب بلد ذا سيادة تمثله الدولة المغربية في المحافل الدولية وله مؤسسات سياسية ،لا نقول أنها حديثة وتعمل بفعالية ولكن على الأقل لها نوع من التنظيم يمكنها من السيطرة على الأوضاع الأمنية والاقتصادية وتتمتع بنوع من الاستقرار النسبي، خاصة بالمقارنة مع المحيط الإقليمي ، بالرغم من الثغرات التي يتسرب منها الظلم والحيف وكثير من غياب العدالة الاجتماعية والعدالة القضائية في ظل انتشار الرشوة والمحسوبية وتحاشي العمل بالأدوات الديموقراطية ، وذلك راجع بالأساس لكون الشعب مازال في ظلمات الجهل وكثير من فئاته غارقة في بحر الأنانية، الأخت التوأم للجهل، وللنخب السياسية الحزبية والنقابية التي يضيق أفقها في التعامل مع القضايا الوطنية بحسابات سياسوية . والمطلوب في المغرب الحالي هو العمل على تحرير الأرض، لأن تحرير الإنسان من تحرير الأرض لأن هذه الأخيرة تشكل موطئ القدم وموطن الذات والهوية في كل جزئياتها ، فالحرية لا وجود لها إلا فوق أرض حرة ومحررة من ثقل الاستعمار واستغلاله للبشر والشجر والبحر ، فالبلاد في حاجة الى تحرير سبتة ومليلية من استعمار إسباني ظل يعربد على التراب المغربي كعينة من تاريخ الزمن البغيض وشاهد على ماض مظلم حيث كانت تقهر الشعوب وتستعمر تحت مسميات مختلفة مثل الحماية والوصاية ونشر مبادئ الديموقراطية كما قيل عن استعمار العراق وصد الشيوعية من افغانستان والبقية أتية من قاموس مجتمع دولي ممثل في منظمة الأمم المتحدة بضعفها البنيوي والمادي تتحكم فيها القوى العظمى وتوجهها وفق مصالحها حتى صارت لا ترى في موت الشعوب تحت براميل متفجرة في سوريا ضرورة للتدخل وحماية المدنيين .ولكن الزمن السياسي يسير في عكس اتجاه القوات العسكرية الاستعمارية وساعة التحرير تقترب. والمغرب لن يعرف التطور في وضع احتلال بعض من أجزائه كما الطير لا يستطيع الطيران وهو مكبل، لذا فالحرية لسبتة ومليلية هي مسألة وقت وتخطيط به جدولة تضع الاستراتيجية وتكتيكاتها المسؤولون السياسيون الحاليون والقادمون. والمغرب إن هو ركز في السنوات الأخيرة على تحرير الصحراء المغربية وتنميتها لا يعني ذلك أنه قد ترك الوضع كما هو قائم في المدينتين المحتلتين ، بل تراه يراقب الوضع بكثير من الحذر خاصة وأن إسبانيا تتصرف وكأنها في وطنها في هاتين المدينتين والحال أن مسألة الاستعمار لا تتقادم كما هو الوضع في القانون العقاري والملكية والحيازة ، فالأرض هوية قبل أن تكون ترابا أو موقعا جغرافيا .غير أن بناء المغرب في الأيام الأخيرة بناء سياج حدودي وحفر خندق موازي لمحيط الحدود مع مدينة مليلية، حيث تم وضع سوارٍ من الحديد وعدد من الأنابيب المعدنية التي ستدعم السور الذي يعتزم المغرب بناءه على الحدود الوهمية ، قد يوحي بأن المغرب قبل بالوضع القائم وأن هذا الفعل هو تعبير غير مباشر بترسيم الحدود مع تلك المدينة المغربية الغالية المغتصبة، فهذا فهم ضيق للمسألة لأن الاحتلال لن يقبل به أي أحد فهو من أبغض ما اخترعت السياسة العدوانية التي انخرطت فيها الدول الاستعمارية، فالشعب المغربي يعتبر استعمار المدينتين إهانة ووصمة عار في تاريخنا الحديث ، لم ولن نستطيع قبولها ،وما الوضع الحالي سوى موقف فرضته موازين القوى وكذلك انتظار نضج الطرف المقابل للبحر المتوسط (اسبانيا) لوضع حد لحالة شاذة في العصر الحديث حيث الاستعمار يجب أن يكون من حكايات التاريخ لأخذ العبر والدروس أن لا استعباد ولا استعمار للإنسان ولا لأرض الغير ، فالأرض والإنسان ملتصقان ببعضهما لن تستطيع وضعية ما أن تحجب تلك الصلة حتى ولو مرت عليه قرونا . فالأمم المتحدة قررت أن تجعل من الفترة ما بين 2012و2020 العشرية الثالثة لمحو الاستعمار. وعلى بلادنا أن تحرك آلتها الدبلوماسية وتحيينها وفق التطورات الحاصلة في الساحة الدولية مع استعمال الأساليب المبتكرة في توعية الشعوب والرأي العام الدولي والتوجه للفاعلين في القرارات الدولية من مراكز القرار والتأثير ، وتقريب ملف المدينتين المحتلتين لهؤلاء المؤثرين في القرارات الدولية ، لذا على المغرب بكل تلاوينه السياسية والثقافية والشعبية أن يعمل لتفعيل هذا القرار الأممي بشأن المدينتين المغربيتين المحتلتين وكذا الصحراء المغربية لأنهاء النزاع المفتعل هناك ووضع حد لسنوات من الاستنزاف المادي والسياسي للمغرب ، ذلك الجهد الذي كان يجب أن يوجه لبناء الصرح الديموقراطي وتكريس دولة الحق والقانون والمواطنة الحقة بدل أن يكرس في سياسة المواجهة لأعداء الوحدة الترابية والمتربصين باستقلال البلاد ورصد مبالغ خيالية في شراء السلاح كما هو حال الجزائر بحيث أصبحت الدولة الأكثر إنفاقا بإفريقيا من حيث شراء السلاح بمبلغ 6.5 مليار أورو، وإن كانت النخبة العسكرية تبرر ذلك بكون الجزائر دولة بترولية وهذا الرقم يشكل نقطة في بحر من الأموال البترولية ، ولكن ذلك لا ينفع ولا يقنع لما نجد الشباب الجزائري ليس له سوى الحائط للوقوف وانتظار الغد المجهول خاصة وأن العسكر لم يتعض بما يجري حوله من تغييرات وأصر على ترشيح رئيس مريض كأنما الجزائر أصبحت عاقرا ، وهذا الإنفاق العسكري الجزائري تجاوز جنوب إفريقيا التي أنفقت 3.7 مليار أورو والمغرب في المرتبة الثالثة بمبلغ 2.4 مليار أورو . تصوروا ما يمكن أن أن تفعله كل تلك المليارات من مشاريع تنموية وتعليمية وصحية بالنسبة لبلدان مازال الفقر والجوع والجهل والمرض ينخر أجسام وعقول شعوبها و مدى عرقلة تنمية تلك البلدان الاقتصادية والاجتماعية كل ذلك لماذا ؟ هل هو البحث عن زعامات إقليمية وهمية، أو تحويلا للرأي العام الداخلي والإقليمي من أجل البقاء على كرسي السلطة وعدم التفكير في بناء أسس الديموقراطية لأن مسألة تكبيل الشعوب لن تطول فالتاريخ يتجه نحو تحرر الشعوب وأخذ زمام أمورها بنفسها ، فتلك السياسة المتبعة في المنطقة هي بلا شك لتغطية واقع سياسي لا يخدم مصالح شعوبها. ولن تؤدي إلا الى انتفاضة عارمة على كل هؤلاء الذين يعتقدون أن قوة السلاح من شأنها أن تصمد في وجه المد الشعبي لما يستشعر أن بالظلم والمهانة . فالحرية ليست للبيع كالهواء لا يمكن أن يباع، كذلك الشعوب لن تتحرر والوطن مبتور الأجزاء ، لأن سبتة ومليلية ذراعان لجسد المغرب فهل تريد إسبانيا أن نظل بلا يدين ، فسبتة ومليلية هما المقلتان للشعب المغربي فهل لنا أن نرى بدون المدينتين، عيوننا ؟ لا لن نقبل بالوضع الأن ولا غدا فعودة الثغرين المحتلين مسألة وقت وإن طال لابد أن يسدل الستار على حقبة مظلمة من هيمنة استعمارية تحمل حقد الماضي التاريخي الذي فسر تفسيرات غير عقلانية لأن الوجود الإسلامي بالأندلس لم يكن استعمارا بل فتحا والفتح في الإسلام ليس هو الاستعمار كما يحلو لذوي الأفكار الرجعية أن يحللوا. لهم أن يراجعوا التاريخ بموضوعية وأسس علمية لتتجلى لهم الحقيقة . فالأرض المغربية تنطق بالحرية ولا كلمة على ثغريها سوى العودة للوطن في أقرب وقت من هذا الزمن السياسي الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال السريع وإمكانية وصول المعلومة في ثوان قليلة ، ألم يفطن الساسة الإسبان بأنهم مازالوا يستمدون وجودهم من ماض استعماري وهم يقررون في شؤون مدينتين محتلتين ولا يرون في ذلك مفارقة حضارية ومدنية وفكرية قبل أن تكون سياسية وجغرافية وتاريخية ؟ ألو يحن بعد الوقت للتراجع والتصحيح لوضع شاد يربط البلدين الجارين المتقابلين ؟أليست أروبا شريكة لوضع استعماري بالسكوت على احتلال سبتة ومليلية كل هذا الوقت؟ فاين هي اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان في مجلس الاتحاد الأوروبي؟ أم أن الحقوق ليست خالدة وعابرة للحدود ؟أم أن ميزان الكيل بعدة مكاييل هي العملة الرائجة في انتظار الوعي الذاتي للشعب ليحرر نفسه بنفسه؟