الشيخ عبد المالك واضح
بسم الله الرحمن الرحيم
ترى كيف قدم الإسلام اليتامى إلى المجتمع ؟ هل قدمهم على أنهم ضحايا القدر وبقايا المجتمع ، أم على أنهم فئة من صميم أبنائه ؟ ما الذي جلب الإهمال والإذلال لليتيم ، هل هو اليتم نفسه ، أم ظلم المجتمع له ؟ وما موقف الشرع ممن يدع اليتيم ويمنعه من حقوقه الشرعية ؟
كثيرا ما نسمع عن الآباء الذين فطر نفوسهم موت أولادهم يتناقل الناس أخبارهم في المجالس ، ويقدمون لهم التعازي ، ولكن قلما نسمع ذاك عن أطفال فجعوا بفقد آبائهم وذاقوا ألم اليتم في ساعات مبكرة من حياتهم .
عن هؤلاء اليتامى يتغافل الكثير ممن شغلتهم أموالهم وبنوهم ، في الوقت الذي أمر به القرآن الكريم بإكرامهم ، وتخفيف معاناتهم ، وتعريف الناس بمصيبتهم ، وبالظروف العابسة التي أحاطت بهم ، وأطفأت الابتسامة من على تلك الوجوه الصغيرة .
اسمع أخي الكريم إلى القرآن وهو يحدثك عن هذه الطبقة : { وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين } وجه دلالة الآية : أن الأخوة الإيمانية هي الأساس ، بل هي غاية ما تتطلبه المعاملة ، ثم إن في الآية معنى خفيا يقربك لو أدركته مما ينبغي أن تكون عليه العلاقة الصادقة بين المجتمع من جهة ، وهؤلاء الأيتام القاعدين في سفح الهرم الاجتماعي من جهة أخرى ، وهذا المعنى الخفي هو أن الأخوة والولاية الدينيتين تسدان مسد الأبوة إذا فقدت ، وهو ما أشار إليه الألوسي في تفسير الآية : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين } يقول رحمه الله " فيه إشارة إلى أن للدين نوعا من الأبوة " .
لقد أبدل القرآن الكريم اليتيم عوضا عن هذا الحرمان نسبا عقيديا جديدا ، ورحما دينية هي وحدها القادرة على جبر هذا الكسر المضاعف في نفوسهم ، ولهذا اعتبر مكذبا بالدين من يدع اليتيم ، فتأمل رعاك الله .
هناك سؤال وجيه : كيف قدم الإسلام اليتيم إلى المجتمع ؟ لقد قدم الإسلام هذه الفئة إلى المجتمع في أروع صورة إنسانية شهدتها المجتمعات الحضارية ، فلم يقدمهم على أنهم ضحايا القدر ، أو بقايا المجتمع ، كما هو شائع عند الدهماء ، بل كانوا موضوعا لآيات قرآنية رسمت عنهم صورة إيمانية تسمو على كل الارتباطات المادية : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } ويقول تعالى في موضع آخر : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } .
إلام يحتاج اليتيم ؟ لو طرحت هذا السؤال على كل من عرف ظروف هؤلاء الأيتام وواكب معاناتهم ، لكان جوابه : إن أول ما يتطلعون إليه هو المأوى ، وهذا عين ما ذكره القرآن في التفاتة رحيمة بهذه الفئة ، قال تعالى مخاطبا قدوة الأيتام عليه الصلاة والسلام : { ألم يجدك يتيما فآوى } هذا أفضل ما عولجت به ظاهرة اليتم في شتى المجتمعات ، توفير المأوى والملاذ الآمن لكل يتيم ، وبسرعة كبيرة وهو ما يفيده العطف ، فكأن الآية خطاب إلى الأمة بالنيابة مؤداه : أيتها الأمة أمني لكل يتيم مأوى .
وإن كنت أيها القارئ اللبيب ممن يعولون في فهم أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم على معنى الألفاظ وعلاقاتها المنطقية فيما بينها ، فإليك هذه النكتة اللطيفة ، يقول صلى الله عليه وسلم : " من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات " .
يتيم ، وشعر ، وحسنات ! فما الرابط المعنوي بينها يا ترى ؟ إنه النمو ، فاليتيم ينمو ، والشعر ينمو ، والحسنات تنمو وتزيد ، وكما يخشى على الحسنات من السيئات ، وعلى نمو الشعر من الأوساخ والآفات ، كذلك يجب أن يخشى على اليتيم من الإهمال والضياع ، فرجل أشعث أغبر قبيح المنظر ، مقراف للذنوب ، سيئ الخلق ، حاله هذه من حال المجتمع الذي لا يهتم باليتيم ، إن كلمات الحديث نفسها تقطر خوفا وجزعا على مصير اليتيم .
قل لي بربك : أين تجد مثل هذه الصورة الحية في غير كلام النبي صلى الله عليه وسلم الحريص على الأيتام والغيور على حقوقهم ؟
لقد كانت نظرة الإسلام إلى مجتمع اليتامى نظرة إيجابية واقعية فاعلة ، لعب فيها عنصر الإيمان وحافز الثواب دورا أساسيا ، فهم في المجتمع المسلم ليسوا عالة ولا عبئا ، وإنما هم من المنظور الشرعي حسنات مزروعة تنتظر من يحصدها ليفوز بجوار النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة . " كتبت هذه المقالة بالمدينة المنورة بجناب قدوة الأيتام صلى الله عليه وسلم ".”.
sara
morabiya
ana khadama f wahad kherya kanrabi drari man 12 ANS HTA14ans kanatmana man alah ani mankonch dalmahom wala mt3adya 3lihom